الأربعاء: 15/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

المؤسسة التي يعمل فيها رجب

نشر بتاريخ: 02/08/2016 ( آخر تحديث: 02/08/2016 الساعة: 20:47 )
المؤسسة التي يعمل فيها رجب
بقلم: د. أحمد رفيق عوض
وهذه المؤسسة ليست عامة ولا خاصّة، لا شرقية ولا غربية، فهي من كوكب المريخ، ومن دولة البطيخ، الذين يتعاملون بالكبريت والزرنيخ، أما رجب، فهو مواطن بسيط، لا يشبه رجب الذي طلبت منه الفاتنة الجامحة، والايقونة المتجددة، هيفاء وهبي أن يحوش صاحبه عنها، ولا هو رجب طيب أردوغان الذي أراد ان يبتز الغرب المستعمر، فارسلوا له من عنده من يشغله لسنين كثيرة، ولا هو رجب الخير سابق شعبان البركة، بل هو مجرد رجب، الذي تزوج مجرد فاطمة، فرأى انها اغنته عن الدنيا وما فيها، فترك اصدقاءه ــ ولم يكن له أصدقاء ــ وترك عاداته ــ ولم يكن له عادات ــ وانشغل بها، لم تكن مميزة ذات حضور، ولكنه رآها الدنيا كُلها، فشاركها كل شيء، الاسرار والحكايات وتحضير الاكل وترتيب الاثاث.

كان يترك وظيفته ويهرع إليها، يحدثها بكل شيء سمعه أو رآه، وكان يمكن للدنيا ان تستمر هكذا، لولا أن رجب الموظف البسيط، الذي يعمل في المؤسسة التي ذكرتها، مجرد مساعد مساعد امين مخزن، نعم، فهو مساعد مساعد امين المخزن، اما المساعد فهو امين السمين ابن اخت محمد السمين الشهير في القطر كله، وقد وظف ابن اخته في هذا المكان المتواضع، لان ابن اخته هذا اظهر قدرة هائلة على الغباء والعدوان، فتم اعلامه بأن لا يداوم في المخزن، وأن يقعد في بيت ابيه يتلقى الراتب دون تعب او جهد.

اما امين المخزن فهو شفيق الصفيق وهو من اقارب الوزير الذاهب حسني الراهب، وشفيق مصاب بالوسواس الخناس الذي يدفعه إلى جرد المخزن في الاسبوع ثلاث مرات، ولشدة حرصه فقد سرق المخزن عدة مرات، وكانت تغطي السرقات كل مرة بطريقة او بأخرى ــ ولا احد في الدنيا يعرف كيف تتم تغطية الامور في كوكب المريخ وفي دولة البطيخ ــ اما هذه المرة، فقد كانت السرقة أكبر من التغطية او التجاوز او إغماض العين، فتم تشكيل لجنة عليا، ضمت فيما ضمت عضد الدولة ابو المعالي يوسف بن شيخ المشايخ، وركن الدولة ابو الصوارم ابراهيم الثعالبي، ومحمد بن تتش، واخيراً قسيم الدولة آق سنقر، وبعد بحث طويل ومرير، وقف فيه رجب على خازوق حقيقي من التمزق والترقب والرعب، وهو خازوق لا يشبه خازوق اميل حبيبي الفضائي، صدر القرار بإدانة رجب إدانة كاملة، وتبرئة شفيق الصفيق، صاحب الوسواس، كثير الاوراق، كثير اللفتات.

وتضمنت ادانة رجب وقفه عن العمل وقطع راتبه لمدة ستة شهور وتوجيه إنذار نهائي له، سقط الخبر على رجب وزوجته فاطمة وقع السقف، فانهار رجب بين يدي فاطمة واخذ يبكي بكاء مراً فهو لم يسرق ابداً، ولكنه كان يرى السرقات بأم عينه ولا يجسر على الكلام، اما فاطمة التي لم تكن تحب رجب او تكرهه، ولم تكن مميزة، ولم تكن امرأة قوية او مكافحة، فقد صعقت ببكاء رجلها، اكتشفت لأول مرة ان الدنيا بغيضة وظالمة ومُرَّة، فقامت من فورها، وخلعت حجابها، ونظرت الى مرآتها، واطلقت جدائلها، ولبست تنورتها، وسألت رجب عن المسؤولين في المؤسسة، فقال ان محمد بن تتش متنفذ، فانطلقت فاطمة لأول مرة في حياتها دون حجابها، وقد خلَّد الزجَّال الشهير محمود الكبير لحظة خروج فاطمة بدون حجابها للمطالبة بحق زوجها رجب، فأطلق قصيدته في الاعراس والحفلات وكان مطلعها:
طلعت فاطمة بدون حجاب
الميزان انقلب والعدل غاب

وبعد خروج فاطمة من بيتها على هذه الصورة وهذا الشكل، فقد اضطربت خيوط الحكاية ولم تعد واضحة، فمن قائل إِن فاطمة حلت محل سعاد ام فخاد التي كانت آمرة وناهية في المؤسسة دون ان يعرف بالضبط مسماها الوظيفي، ومن قائل إِن محمد بن تتش أخذ بحضور فاطمة او بتهديداتها او بأمور أخرى، المهم ان ابن تتش هذا، أعاد زوجها الى عمله ولم يقطع راتبه يوماً واحداً، وانه أطلق هيثم الذي لا يفهم من اجل ان يحاصر شفيق الصفيق، ولأن الأخير مصاب بالوسواس، فقد اعتقد ان هيثم الذي لا يفهم يكتب تقارير متعددة بحقه، فذهب شفيق الصفيق الى قريبه الوزير الذاهب حسني الراهب، من اجل ان يقيل عثرته، فوجده مكتئباً بعد ان خرج من الوزارة ولم يتعرف عليه حتى أولاد الحارة.

ويقال إن محمد بن تتش الذي يعتمد في إدارة مؤسسة على تقارير يرفعها الآذنة والفراشون والسائقون، يمتلك قوة غير محدودة، سببها القرب أو الحب أو المصلحة أو المنفعة أو كل ذلك مجتمعاً، وهناك من يقول ان فاطمة التي لم تكمل دراستها الثانوية، تحولت الى مسؤولة كبيرة في المؤسسة، ويقال ان ابن تتش ارسل رجب الى فرنسا أو بلجيكا أو البيرو ليمثل المؤسسة هناك، أما سعاد أُم افخاذ، وحتى لا تغضب او تفضح او تصرخ او تحكي، فيقال إِنها أُرسلت ايضاً الى الخارج لتمثيل المؤسسة في الصناديق المغلقة، ويقال انها استطاعت امتلاك كل مفاتيح تلك الصناديق.

اما هيثم الذي لا يفهم، فقد ظل مساعد محمد بن تتش، إذ أن هيثم الذي صار مسؤولاً دون سابق انذار او معرفة او علم، نكَّل بكل الذين يعرفون، وجعلهم يتزلفون للاذنة والفراشين من اجل أن يسيروا امورهم، فتجد الخبير في علم النانو ــ وبسبب حبه لدولة البطيخ وشعبها ــ يَتَزَلَّف سائقاً في المؤسسة ليدخل على ابن تتش لتوقيع ورقة ما.