الثلاثاء: 03/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

ماذا يحدث في خيم الاعتصام مع الاسرى؟

نشر بتاريخ: 23/04/2017 ( آخر تحديث: 24/04/2017 الساعة: 14:00 )
ماذا يحدث في خيم الاعتصام مع الاسرى؟
بيت لحم - معا- تقرير ياسمين الازرق - بعد السّاعة الثامنة مساءً، ينسحب الحضور، فتتّسع خيم الاعتصام، وتظهر المقاعد فارغة، إلا من أهالي الأسرى المضربين عن الطعام، يصبح المشي فيها سهلا، فيلمح الحاضر حركة متقطّعة لعدد من الشبّان الذين يستمرون بالهمس في أذن أمهات الأسرى، أو اللعب مع أطفالهم، يكفكفون دموع نسائهم، ويشدّون من أزر آبائهم.. هم عدد من المحرّرين الذين خاضوا اضرابات جماعية أو فردية، يحاولون أن يقولوا للمعتصمين، "لا تخافوا عليهم، انظروا لنا، فالإضراب لم يُمتنا، إنما مكّننا من نيل مطالبنا".
في كل يوم يحضر الأسيران المحرران الشقيقان محمود ومحمد البلبول إلى خيمة الاعتصام مع الأسرى في ساحة كنيسة المهد بمدينة بيت لحم، وفي الأيام التي يتغيّبان عنها يُلاحظ تواجدهما في فعاليات التضامن بمدن أخرى، فبعد أن تحرّرا بخوضهما إضرابا مفتوحا عن الطعام ضد سياسة الاعتقال الإداري لمدة 82 يوماً العام الماضي، شعرا أن الصعاب التي مرا بها انتقلت إلى الأسرى وصارا يلمحان معاناة ذويهم في وجوه ذوي الأسرى، ما جعلهما عازمان على شدّ أزرهم والوقوف معهم.

يقول محمود البلبول (23 عاما) لـ معا، إن خوض الإضراب بشكل جماعي أو فردي ليس أمراً سهلا، تشعر وكأنك ستدخل إلى شيء مجهول، لكنّها طريقك الوحيدة، إما أن تقطعها فتصل إلى مرادك سواء بتحقيق عدد من مطالبك أو نيل حريّتك، أو أنك ستتراجع وتتخلى بذلك عنها.
"من المهم أن يتضامن الشعب مع أهالي الأسرى أولا ثم معهم، لأن المضرب عن الطعام يكون معدا نفسيا وسياسيا لخوض هذا الإضراب، غير أن الفلسطيني واجه في حياته الكثير مما يجعله صلباً وقادراً على التأقلم رغم كل العثرات". أكّد البلبول.
ويشار إلى أن أكثر من 1500 أسير يخوضون إضرابا مفتوحا عن الطعام لليوم السابع على التوالي، فيما عزلت إدارة سجون الاحتلال قادة الفصائل الشاركة بالإضراب.
وشدّد على أن مشاركة أخيه له بالإضراب جعلته يستمر رغم كل ما مرّ به، فحتى الإضرابات الفردية بحاجة إلى تضامن وتكافل لتحقيق مطالب أصحابها.
البلبول.. من الوحدة والإصرار يأتي النّصر
وقال البلبول:" كان وضعي الصحيّ صعبا، لم أكن قادرا على المشي، وبعد أن رحلوني إلى سجن الرّملة الذي رأيت فيه زنزانة فردية عزلتني عن العالم، أعادوني إلى سجن عوفر".
" ظنوا أنهم سيهبطون من عزم أخي الذي كان لا يزال يسير على قدميه، لكنّه وضعني قربه على السّرير، وظلّ يلعب في شعري، أعاد لي قوّتي بحديثه عن حرّيتنا التي سننالها، وعائلتنا، وأحلامنا، وعندها جاءت قوة من إدارة السجن اقتحمت الغرفة وسحبتني بعد منتصف الليل". يقول محمود البلبول.
وفي موقف آخر قال: جاءني ضابط المخابرات، فقال لي أن أخي فقد البصر وهو الآن بالعناية المركزية، فأخبرته أني قررت إنهاء إضرابي لكن بشرط أن يسمحوا لي بمهاتفته، أحضروا الهاتف وكوب شاي مر وورقة، قالوا لي أن علي شرب الشاي وتوقيع الورقة بأني أنهيت إضرابي بعد مهاتفته، وافقت.
"بعد أن حادثته لما يقارب السّاعة، قلت له أني سأنهي إضرابي عن الطعام، رجاني بأن لا أفعل، كنت مطرا أن أخبره بهذا الأمر كي يسمحوا لي بمهاتفته، وفي نهاية المكالمة قلت له:" بتتذكر الأغنية الي كانت امي تغنيها" أجابني نعم قلت ساخرا "يلا نام" ضحك، تابعت "لنتفق عليها" وما كانت الأغنية إلا " نحن لا نهزم ومنا عطاء الدّم" وهنا تأكد أخي أني لن أنهي إضرابي.

البلبول: رسالة واحدة من والدتي أعادت إلي عاطفتي
وفي حديثه عن الدّعم من قبل عائلته، يقول لـ معا: مرّتين فقط انهار ثباتي وشعرتُ أني بعاطفتي لا أزال إنسانا، الأولى عندما وصلتني رسالة من والدتي مع موظف الصليب الأحمر، قالت لي ولأخي" إصبرا فأنا ربّيتكما على العزّة، لا تتراجعا..." ورغم الدّفعة المعنوية التي أعطتني ياها إلأ أني شعرت حينما بأن جسدي لم يكن حملا لهذه المشاعر، بلّل الدّمع عيني، وأعطى جسدي ردة فعل عكسية إذ تقيّأت تلقائيا على قدميّ موظف الصّليب، فبكى على حالي".
و يكمل البلبول، في المرّة الثانية عندما سمعت صوت والدتي بعد أكثر من 50 يوما على الإضراب، لفظت اسمي "محمود" وانهرت كالطفل الصغير باكيا، شعرت وكأنني كنت مفقودا في جزيرة مهجورة لأعوام، قبل أن يعثروا علي.


الضغوطات التي يتعرّض لها الأسير المضرب عن الطعام
يتعرّض المضرب للعديد من الضغوطات من ما تسمى إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية في محاولات منها لفكّ إضرابه، من التفتيش اليومي لغرفته حتى يرهق جسده، أو التنقلات بين زنزانة وأخرى، الإهانة، العزل، والنقل بواسطة البوسطة، والإشاعات التي يقولون بها مثلا أن عددا من الأسرى فكّ الإضراب، أو أحدهم انهار، يخبرون المضربين أن لا أحد يتضامن معهم بالخارج، ويكررون مرارا أمامه ما قد يتعرّض له جسده ان استمرّ بالاضراب وصولا إلى الموت.
يقول البلبول: وضعوني في زنزانة لها رائحة قذرة، وعندما صرخت إذ لم أحتملها، سكبوا "كلور" على الأرض فصارت الرائحة أسوأ، كانت الحشرات تتساقط عليّ من السقف، وعندما كنت في سجن الرّملة كنت أصرخ مرات عدة كي يحضروا لي الماء، أحيانا أيأس منهم فأستند على الحائط لأحضر الماء بنفسي، وفي مستشفى "آساف هروفيه" قيّدوا يدي وقدمي بالسّرير.

" على الأسير أن لا يستمع إلى الإشاعات، وأن يفكّر فقط بأنه سيحقق هدفه من الإضراب، وأن يشكّ بكل تحرّكاتهم، مثلا عندما كانوا يقدّمون لنا الماء نشعر بأن فيها محلولا، كنا نسكبها ونعيد تعبئة القارورة من صنابير المياه في الحمامات، الأمر مقرف لكنّه الحل الوحيد". أضاف لـ معا.
وأكد البلبول:" على الأسير أن يضبط أعصابه، فغضبه سيعود سلبا على جسده الهزيل، مرّة فقدت أعصابي فتوقّفت يدي عن الحركة ولم أعد قادراً على الوقوف على قدمي، بعدها قرّرت أن أتعامل معهم ببرود".
ووجه المحرّر البلبول رسالته للأسرى المضربين:" فكّروا بالحرّية، ستصمدون، ولو صمدتهم ستنتصرون" ولأهاليهم: أبناؤكم أشدّ صلابة مما يتعرّضون له، ادعوا لهم، ولا تتركوهم وحدهم".
وتشهد مختلف المدن الفلسطينية في الضفة وغزة وأراضي ال 48، فعاليات تضامن واسعة مع الأسرى المضربين عن الطعام، بالإضافة إلى التجمعات الفلسطينية في المهجر والشتات، تتنوع بين مسيرات سلمية وتظاهرات واعتصامات وخيم اعتصام وإقامة الصلاة في مواقع التماس.