نشر بتاريخ: 29/01/2008 ( آخر تحديث: 29/01/2008 الساعة: 17:28 )
بيت لحم - معا - رحم الله الإمام الغزّي الشافعي ، الذي دعا العامة إلى ركوب مطية السفر ، وسيلة للنَصب ، وهروبا من الروتين ، كما الماء المتحرك ، المفضل على الماء الراكد ، وكما الذهب الذي لن يتجاوز كونه ترابا ،إذا لم يستخرج من مناجمه .
ورغم أن رحلات الإعلاميين ليست سفرا بالمنعى المتعارف عليه لدى العامة ، كونهم لا يتنقلون بين البلدان سياحة ، او"بزنسة" وإنما لأمور تتعلق بمهنة المتاعب ، رغم ذلك كانت رحلتي منذ أيام بين الجزائر وسوريا والأردن شيئا من تراث الشافعي ، لأنها كانت نقاهة أراحت أعصابي من كوابيس الرياضة الفلسطينية ، التي تشيب نواصي المولدين !
كانت الطائرة تمخر العباب الجوي في أجواء الأطلس المغاربي ، وكانت القرى والبلدات التونسية والجزائرية تتناثر تحتنا كالرياحين في الشعب الذي خلده أبو الطيب ، وكنت أختلس النظر من النافذة على تلك البلدات المتناسقة ، حتى تقع عيني في كل واحدة منها ، أيا كان حجمها على منشآت رياضية مترامية الأطراف ، ومنها الملاعب المعشبة ، وساحات التدريب واللعب ، ولم أمرّ بقرية تونسية ، أو جزائرية لا ملاعب فيها ، لأن ملاعب كرة القدم عند الأشقاء في المغرب العربي الكبير ، لا تقل أهمية عن المدارس والشوارع والمستشفيات ، لأنك إذا بنيت منشاة رياضية أغلقت سجنا ، وقللت عدد الأسرة في مشفى ، وتلك لعمري قاعدة أتمنى أن يفهمها القائمون على الرياضة في هذا البلد الطيب !
وفي الجزائر التي أرتبط بها بوشائج لا تنمحي ، عدت بالذاكرة إلى خمس عشرة سنة خلت كنت خلالها سفيرا للرياضة الفلسطينية ، مع الدكتور المدرب الكبير منصور الحاج سعيد ، الذي يتواجد في سوريا إلى جانب والدته التي تصارع الموت ، على أمل أن يرأف المولى بها ، كواحدة من لاجئي فلسطين ... في الجزائر كانت لي لقاءات مع ثلة من رعيل السبعينات والثمانينات ومطلع التسعينات في الرياضة والإعلام ، وكم سعدت بحجم الوفاء لشعب عظيم ، كاد يتبرك بمعطفي القادم من أجواء بيت المقدس ، فكونك فلسطيني تستحق التقدير والثناء من كل جزائري ، شريطة أن تنجح في تسويق فلسطينيتك بمُثل لا تغير ما تعارف عليه سليلو الثورة الجزائرية من مبادئ وقيم !
المهم أن الجزائريين حبوني بمحبة خاصة ، خاصة وأنني ذهبت الى الجزائر في إشارة تكريم ، من إذاعة الجزائر الدولية على عملي خلال الأشهر العشرة الماضية ، كمراسل للإذاعة في فلسطين ، وكان التكريم على هامش حفل للإذاعة يحمل اسم الميكريفون الذهبي ، وقد تزامن مع توزيع جوائز مجلة الشباك الرياضية بحضور رئيس الاتحاد العربي للصحافة الرياضية ، الأستاذ محمد جميل عبد القادر ، وحفل آخر لوكالة الأنباء الجزائرية لتكريم أفضل رياضيي السنة الماضية ، حيث كرم الزميل الأستاذ مسعود قادري بجائزة الريشة الذهبية !
ومسعود قادري هذا يحب الفلسطينيين ، حتى تخاله فلسطيني ، وقد روى لي حكاية طريفة حصلت معه في عاصمة نجد الرياض ، على هامش حفل لتكريم قدماء الإعلاميين العرب ، حيث سأل القادري "إعلاميا فلسطينيا" عن فايز نصار ، فرفع صاحبنا يديه إلى السماء متضرعا الى المولى أن يرحم صاحب هذه الحروف ، وكاد القادري يقد ثوبه حزنا على فايز نصار ، لولا تدخل الزميل محمد قدري حسن ، الذي صحح معلومات الأخ الفلسطيني ، بكون الميت هو عزمي نصار ، وليس فايز نصار !
المهم أن زيارة الجزائر لم تكن لتمر دون لقاء مع الصديق العتيق عز الدين ميهوبي ، مدير عام الإذاعة الجزائرية ، والشاعر المرهف ، الذي كتب كثيرا عن فلسطين ، رغم أن فلسطين خذلته في انتخابات اتحاد الكتاب والشعراء العرب ، لصالح السوي علي عقله عرسان ، وقد حدثني عزالدين عن عودته من الإمارات العربية المتحدة ، التي زارها للمشاركة في اجتماع لخمسة عشر خبيرا عربيا ، دعاهم الاتحاد العربي للألعاب الرياضية ، لوضع أنظمة موحدة لكل الألعاب الرياضية ، مع السهر على تطبيق هذه القوانين ، وقد خجلت أن أسأل الميهوبي : إن كان بين الخبراء "خبيرا" من فلسطين ، والاهم أنني ما زلت لا أدري إن كان الساهرون على إعداد قوانيننا الرياضية يعلمون بهذا الاجتماع ، أو أنهم نسقوا كي تأتي نتائجهم منسجمة مع ما يجمع عليه خبراء العرب !
ولعل الورقة الأهم في زيارتي السريعة إلى الجزائر ما شاهدت في إذاعة الجزائر الفتية ، التي تختص في الأخبار ، ومنها الأخبار الرياضية ، بأربع لغات العربية والفرنسية ، مع مواجيز بالانجليزية والاسبانية ، واهم ما لفت انتباهي في هذه الإذاعة ان موظفيها ، وعددهم يزيد على المائة ، كلهم من الشباب ، الذين تتراوح أعمارهم بين العشرين والثلاثين ، وقد أعجبوا عندما أطلقت عليهم لقب فريق أشبال الإذاعات العربية ، والدرس هنا للقائمين على إعلامنا ، ممن يغلقون الطرق ويضعون الحواجز أمام الوافدين الجدد على مهنة المتاعب ، بحجة نقص الخبرة ، وكأن الواحد منا يولد وملعقة الخبرة في فمه !
رحم الله الشافعي ، وهو يفتح أمامنا بابا للمعرفة والتعارف ، لأن الأسفار مصدر هام لتكوين الشخصية ، ورحم الله من يحسن توظيف أسفاره خدمة لفلسطين ، بعرض ثقافتها وقيمها ، وعكس السلوك الذي يليق بشعبها !
والحديث ذو شجون
[email protected]