الجمعة: 26/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

البديل الحقيقي لدولة غزة!! (2-2)

نشر بتاريخ: 30/05/2015 ( آخر تحديث: 30/05/2015 الساعة: 18:59 )

الكاتب: د. مجدي شقورة

نواصل محاولتنا نقل الصورة الحقيقية للإرباك الحاصل على الصعيد السياسي الفلسطيني فيما يتعلق بالمشروع الذي يجري الإعداد له إسرائيلياً ودولياً على صعدٍ عدة، والذي يُعرف باسم "دولة غزة"، والحديث هنا يتصل مباشرة بالسلوك السياسي الفلسطيني على الصعيد الداخلي على الأقل، والإجراءات التي يتبعها كل من طرفي الانقسام، اللذين عطلا (على الأقل حتى الآن) كل سبيل يمكن أن يسلكه المجتمع نحو مصالحة وطنية ومجتمعية شاملة، تفضي إلى دمج المؤسسات والأفراد، وإعادة الاعتبار للأجسام الشرعية عبر بوابة الانتخابات، والانتقال إلى العمل الجاد الذي يسمح بإعادة إعمار قطاع غزة، وفتح الآفاق أمام أجيال من الشباب الفلسطيني الذي لم يعد يرى في الحالة الوطنية ما يمنحه الأمل في مستقبلٍ آمن وملبي للطموح، والأهم من كل ذلك إعادة الاعتبار للأولويات الوطنية التي غابت في سنوات الانقسام البغيض، والمقصود هنا قضايا القدس واللاجئين والحدود والأرض والمياه، وقبل ذلك وبعده العملية التحررية والاستقلال الوطني.

قلنا في المقال السابق أن الحراك السياسي المرتبط بهذا المشروع (فصل غزة) هو حراك يحتمل واحداً من تفسيرين، إما الضغط على الرئيس محمود عباس من أجل تمرير اتفاق تسوية "هزيل" بدعوى قلقه من انفصال غزة عن الوحدة الترابية للوطن الفلسطيني، وإما عزل غزة عن المشروع الوطني الفلسطيني، وقلنا كذلك أن نقاشات معمقة في الأوساط الغزية تجري بشأن فكرة "استقلال غزة"، لاعتبارات معيشية وحياتية لا صلة لها بالشأن السياسي ومستقبل الوحدة الترابية للأراضي الفلسطينية، وطرحنا السؤال الكبير الموجه للرئيس محمود عباس، الذي يعتبر المسؤول الأول والأخير عن وحدة التراب الوطني ووحدة الشعب الفلسطيني، والآن جاء دور اللاعب الرئيسي الثاني في مشهد الانقسام وهو حركة المقاومة الإسلامية حماس، التي باتت بدورها مدعوّة للإجابة عن مجموعة من التساؤلات التي تخصها فيما يتعلق بمصير غزة وأهلها، ومصير المشروع الوطني برمته، خصوصاً أننا نسمع صباح مساء المتحدثين باسم الحركة والذين يؤكدون على مدار الساعة رفضهم لمخطط الفصل، بينما نشاهد على الأرض إجراءات ومواقف تخالف ما يقوله المتحدثون، ولأن التاريخ لا يرحم، ولأننا مدعوون، كنخب ومثقفين وساسة ومواطنين، أن نقول كلمتنا فيما يتصل بالمتسبب الرئيسي في كل هذا العبث السياسي بمصير ومستقبل شعبنا، يتوجب على حركة حماس أن تقول كلمتها هي الأخرى، حتى يتسنى للباحثين الموضوعيين أن يقولوا في النهاية كلمتهم بشأن كل ما حدث ويحدث.

الواقع العملي يقول أن حركة حماس مطلقة اليد بسلطات شاملة في كل ما يخص حياة الغزيين، وأنها بالرغم من توقيعها اتفاق المصالحة ورضاها عن تشكيل حكومة الوفاق الوطني، إلا أنها أبقت خيوط اللعبة وخيوط المناورة في يدها من باب "وضع العصي في الدواليب" والاستعداد الدائم لاستلام زمام المبادرة في حال حدوث أي تطور دراماتيكي في كل مسارات المشهد السياسي الفلسطيني.

السؤال الآن برسم حركة حماس هو ما ذاته الذي سألناه للرئيس محمود عباس (ما الذي ينبغي عمله حتى نوقف مشروع دولة غزة؟)، هل نكتفي بإدانة وشجب التصريحات الصادرة عن حركة فتح والتي تتناول بالتصريح لا بالتلميح فقط حوارات غير رسمية بين حركة حماس والحكومة الإسرائيلية تؤسس لكيان خاص في قطاع غزة؟، أو هل نكتفي بالشعارات الكبيرة عن وحدة الوطن الفلسطيني، وأن العمل في غزة هو نواة لمشروع استعادة القدس وتحريرها؟، وهل سمحت حركة حماس لحكومة التوافق بأن تتخذ ما يلزم من إجراءات لإعادة دمج المؤسسات الحكومية وتوحيدها بين شطري الوطن؟، وهل أتاحت حركة حماس لوزراء حكومة التوافق أن يلتقوا بموظفيهم (القدامى والجدد) ويبحثوا معهم آليات الدمج المقترحة؟، وهل تمكنت حكومة التوافق من استلام المعابر وتشغيلها بالطريقة التي ترتضيها، لأنها في النهاية حكومة وهي التي ستحاسب عن التقصير في إدارة المعابر؟، أم أن حركة حماس تعتبر الموظف الذي جلس في بيته بقرار من أعلى الهرم السياسي الفلسطيني عام 2007 هو موظف "مستنكف" وأن من جيء به بدلاً منه هو الموظف "الشرعي"، واعتبارها أن الحديث في إدارة المعبر هو بنفس خطورة الحديث عن توطين اللاجئين أو السماح بضم إسرائيل للقدس واعتبارها عاصمتها الأبدية، وهل وقفت حركة حماس مع المواطن وعززت صموده وثباته على أرضه في قطاع غزة؟، أم أنها زادت من معاناته بإصرارها على الانفراد بإدارة معابره إلى العالم وفاقمت همومه بزيادة الضرائب وتعميق الفجوة الاجتماعية و"ذبح الفقراء" من خلال الارتفاع غير المسبوق في الأسعار بعد إقرارها "منفردة" لضريبة ما يسمى بالتكافل!!، وهل عدم سماح حركة حماس ببناء "غلاف جمركي" موحد بين شطري الوطن يعزز مصداقية القول بأنها تسعى بضمير لاستعادة الوطن وحدته؟، وهل إصرار حركة حماس على اعتبار أن كل ما يتعلق بعمل الحكومة في غزة هو مسؤولية وكلاء الوزارات دون أي تدخل من جانب حكومة التوافق "الشكلية" يخدم وحدة المؤسسة ووحدة القوى البشرية؟، أم أن الظاهر هو وجود "حكومة ظل" لا تسمح بتمرير أي موقف من الحكومة التوافقية إلا بعد مشاورات ذات طابع "حركي"، ففرض الضرائب هو مسؤولية الحكومة ومن خلفها البرلمان، فهل صحيح أن حكومة التوافق هي من زاد الضرائب في غزة؟، وهل صحيح أن حكومة التوافق هي التي حالت دون استلام المعابر؟، وهل صحيح أن حكومة التوافق هي التي عطلت وحدة المؤسسات الحكومية في شقي الوطن؟، والنتيجة تقول أنه إذا اعتقدت حركة حماس أن إجراءاتها على الأرض في مواجهة ما يسمونه "مؤامرة فصل غزة" هي الإجراءات الأنجع والأمثل لضمان وحدة الوطن، فعندها يمكننا أن نقول وراحة الضمير تملأ أفئدتنا وقلوبنا أن مسألة الانفصال باتت مسألة وقت ليس إلا!!.

حركة حماس التي حققت إنجازات ملموسة ومبهرة في العملية النضالية وفي خط المقاومة، والتي تمكنت من وضع الحكومات الإسرائيلية في الزاوية في أكثر من محطة اشتباك ميداني، تمتلك القدرة اليوم على إعادة المسار الطبيعي للعملية الوطنية والسياسية، وإعادة ضخ الدم الحار في الشريان الوطني من رفح إلى جنين مروراً بالقدس، وهي مدعوة هي الأخرى لإجراء عملية مراجعة شاملة لإجراءاتها وسلوكياتها في قطاع غزة، عندها ربما نتمكن من وقف عربات قطار الانفصال الأبدي، أو تكون قد دفعت هذه القاطرة بكلتا يديها دفعاً حتى تذهب إلى محطة الانفصال المحتوم، فهل تفعل؟؟!!.