الثلاثاء: 07/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

بطل العالم في ازدواجية المعايير

نشر بتاريخ: 26/04/2024 ( آخر تحديث: 26/04/2024 الساعة: 22:57 )

الكاتب: عواد الجعفري

باختصار إنه وزير خارجية بريطانيا ديفيد كاميرون

فضحت حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة وما أعقبها ازدواجية المعايير الغربية، لكن المثال الصارخ الذي يجسد ذلك هو كاميرون.

وضع رأس الدبلوماسية البريطانية نفسه في مواقف بالغة الحرج وصار مثلا.

كاميرون ليس مثلي ومثلك أيها القارئ العربي ممن يعرفون السياسة في الكتب ووسائل الإعلام ويتحدثون عنها في المقاهي. إنه سياسي في قلب دولة كبرى، فله من المعلومات والمساعدين والمستشارين العشرات، إن لم يكن المئات.

لو اطلعت على سيرته الذاتية في الموسوعة البريطانية، لقلت نفسك: "يا لهذه السيرة الغنية. إنه بلا ريب سياسي محنّك". تقول الموسوعة إنه عمل في قسم الأبحاث في حزب المحافظين ومستشارا لوزيرين، ثم القطاع الخاص، قبل أن يدخل البرلمان عام 2001، فمتحدثا باسم حزب المحافظين فيه. توّج مسيرته السياسية بتولي زعامة الحزب وتاليا رئيسا للوزراء في بريطانيا بين عامي 2010و 2016.

تقوم السياسة على جانبين: معلن وسري، والسياسي الحاذق يحاول أن يقنع الناس بأن ما هو معلن هو كل شيء، وأن لا ثمة شيء في الخفاء، علاوة على كسب تأييدهم له باعتبار أن ما يفعله أخلاقي صرف.

والأهم من ذلك كله ألا يفضح نفسه. ما فعله كاميرون كان العكس تماما. لقد فضح نفسه في سويعات وبات قصة للتندر على شبكات التواصل.

عاد كاميرون إلى الحكومة البريطانية في نوفمبر 2023، وزيرا للخارجية في خضم العدوان على غزة، وبعد أيام قليلة من تعيينه زار دولة الاحتلال الإسرائيلي وأعرب عن دعمه لها، وحينها قوبل الأمر بانتقادات حتى من داخل بريطانيا. تخيل!

وفي ديسمبر 2023، ذكر كاميرون بأن لندن لا تقبل بأن يقال "أن لديها ازدواجية معايير بشأن غزة وأوكرانيا فالوضع فيهما مختلف".

لماذا ذكرت هذا الموضوع على لسانك يا كاميرون؟ إنك من حيث لا تدري ألصقت التهمة التي تطارد الغرب بك شخصيا. كان عليك أن تتجاهل الموضوع لو كنت تتحلى بقليل من الحكمة.

دعم الغرب أوكرانيا بكل شيء، بما في ذلك شحنات الأسلحة والمقاتلين، في حربها مع روسيا، ووضع ذلك في "إطار أخلاقي"، وتجاهل سياسيوه كل الجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال في غزة. كانت بريطانيا من أكثر الدول الغربية تشددا إزاء موسكو وكالت الاتهامات ضدها ونصّبت نفسها "وصية على حقوق الإنسان".

لكن هذه الدولة نفسها، التي كانت تصف نفسها ذات يوم بـ"الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس" غضت الطرف عن قتل الاحتلال 14 ألف طفل فلسطيني في العدوان الحالي على غزة، بحسب "اليونيسيف". هذا الرقم يفوق عدد الأطفال المقتولين في 22 صراعا مسلحا في العالم خلال 4 سنوات.

أما الطامة الكبرى في ازدواجية المعايير لدى ديفيد كاميرون، موضوع مقالنا هذا، فكانت خلال مقابلة تلفزيونية له مع شبكة "سكاي نيوز" البريطانية.

حاول كاميرون في المقابلة أن يبرر ما فعلته إسرائيل ضد القنصلية الإيرانية في دمشق، ويدين رد إيران على ذلك. في أثناء المقابلة، باغتت المذيعة "السياسي المحنّك"، وسألته: "ماذا ستفعل بريطانيا إذا سوّت دولة معادية ما إحدى قنصلياتنا بالأرض؟". أجاب الوزير البريطاني بلا تفكير ولا تردد: "سنتخذ فعلا قويا جدا".

بهذا الجواب، ارتكب كاميرون سلسلة من الخطايا التي لا تغتفر. أولا، منح تبريرا منطقيا لإيران وهي الدولة الخصم له. لا يعقل لسياسي عاقل أن يمنح نفسه حقا ويمنعه عن الآخرين في العلن وخصوصا إن كانوا من خصومه وأعدائه. أذا أردت اتخاذ فعل قوي ضد ضرب قنصلية بلادك فلماذا تحرّم ذلك على غيرك؟ إن الغاية من المقابلة كانت الهجوم على إيران، فإذ هي تتحول سلاحا لها.

ثانيا، إن كاميرون خرق قاعدة بسيطة يتعلمها الناطقون الرسميون في بداية عملهم، وهي عدم الإجابة على سؤال افتراضي. إن الإجابة على سؤال من قبيل "ماذا لو"؟ تكون كما يقول المثل الشعبي "لما يجي الصبي بنصلي على النبي". السؤال الافتراضي فخ يفتح الباب أمام مشكلات ومتاعب، وهو ما حدث في قصة كاميرون.

ثالثا، إن إجابة الوزير المتسرعة تظهر أنه لم يكن مستعدا، فأساسيات الاتصال السياسي تقتضي من السياسيين ومساعديهم إجراء "بروفة" قبل إجراء المقابلات الصحفية أو إلقاء الكلمات، يتدربون فيها على سيناريوهات عدة حتى لا يقعوا في شر أعمالهم بسبب زلة لسان أو تسرع في غير مكانه.

لذلك، يستحق ديفيد كاميرون، من وجهة نظرنا، لقب بطل العالم في ازدواجية المعايير.