السبت: 27/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

رسالة للمجتمع الدولي كفى .. غزة "بنك الدم والمعاناة " ؟

نشر بتاريخ: 02/09/2015 ( آخر تحديث: 02/09/2015 الساعة: 10:10 )

الكاتب: بلال جاد الله

لم يعد قطاع غزة ذو المساحة المحدودة والكثافة السكانية الأعلى عالمياً يحتمل المزيد من المشاكل والهموم بعد ان ذاق سكانه كافة أشكال وألوان العذاب والمعاناة ، وتخضبت أرضه بدموع المكلومين ودماء الابرياء ومعاناة النازحين ، حتى اصبحت البقعة الجغرافية الضيقة التي لا تتجاوز مساحتها 360 كيلو متر يقطنها مليونا فلسطيني ، رمزاً لكل مشاكل الكون.

فلم تقتصر المعاناة على الدماء الغزيرة التي تسيل ومشاهد الدمار الهائلة المتناثرة في كل مكان بل استوطنت المشاكل واصبحت تقارع المستوطنات الاسرائيلية بقسوتها، فأصبحت البطالة المرتفعة والحصار واغلاق المعابر والانقطاع شبه المتواصل للتيار الكهرباء وعدم صلاحية مياه الشرب للاستخدام الادمي شاهداً على قسوة الحياة والمعيشة لسكان الاقليم الذين يعانون ايضاً من جحيم الانقسام السياسي الداخلي، وببساطة شديدة وبزمن قياسي بامكان الزائر للقطاع ان يلمس جملة المشاكل اليومية التي يحياها سكان القطاع:

- ففي غزة أناس يستيقظون صباحا ليغتسلوا بالماء المالح الملوث إن كانوا محظوظين ولم يكونوا ضمن قائمة الـ 120 ألف شخص الذين لا تصلهم المياه.
- في غزة المواطنون ينامون في ساعات المساء على العتمة السوداء أو أضواء ما يعرف بـ"اللدات"، حتى المولدات لم تعد تجدي لان وقودها مكلف ولا يستطيع الفقراء شراءه ، فالأولويات تغيّرت والأحوال تبدلت.
- في غزة البحر منحة من الله ، لكنه أصبح اليوم مكانا للنظر فقط ، يخشى عدد كبير من المواطنين دخوله ، نظراً لان مياهه تلوثت بالمياه العادمة، فيما يغامر آخرون بالسباحة فيه رغم علمهم أنه ملوث وخطر على صحتهم نتيجة اللامبالاة التي سيطرت عليهم ، ولو علموا أن هناك حربًا بعد ساعات فلن يكترثوا لانهم اعتادوا على الأزمات.
- في غزة محطة الكهرباء أصبحت كابوسا يطارد المواطنين ، فالناس هنا يكرهونها من صغيرهم حتى كبيرهم ، فجدول الثماني ساعات أصبح حلماً مرجواً من محطة اسست على فساد لا يستطيع أحد ايقافه.
- في غزة الناس تخشى قدوم فصلي الصيف والشتاء ، فالأول شديد الحرارة والتيار الكهربائي يعاقبهم ، والثاني يخافون من الغرق بفيضانات مياهه من جهة والمياه العادمة من جهة أخرى، إضافة إلى انعدام شبه كامل للتيار الكهربائي.
- في غزة 19 الف خريج انضم هذا العام الى قطار البطالة الممتلئ أصلا، والذي توقف وغرق في وحل اليأس من كثرة الاعداد التي يحملها ووصلت لعشرات الآلاف.
- في غزة السفر حلم والعودة إليها حلم كذلك ، حلم تمنعه هذه المعابر المؤلمة والتي باتت رمزاً للمعاناة والقهر ، فالحلم أحيانا يتحقق بعد مشقة لا توصف ، فالكثيرون فقدوا أعمالهم واقاماتهم وماتوا مرضاً أو قهراً على أبواب تلك المعابر ، فيما قد تحتاج لأشهر طويلة في قائمة لا تنتهي من الآلاف المقهورين المحتاجين للسفر.
- في غزة أطفال لا تتجاوز أعمارهم عشر سنين لكنهم كبروا لعشرات السنوات بعدما عاصروا ثلاث حروب مدمرة، أفقدتهم الحنان والانسانية.
- في غزة طفل دفن ثلاث مرات متتالية في ثلاث أماكن بعد ان تقطعت اجزاءه من هول القصف والدمار.
- في غزة جيوش كبيرة من الجرحى فقدوا اطرافهم أو ابصارهم واصبحوا من ذوي الاعاقة، فلا رعاية لهم والطرف الصناعي أقصى حلمهم وإن تحقق فإن الآلاف ما زالوا ينتظرون.
- في غزة أناس تتحكم اسرائيل بمقدار السعرات الحرارية وفق قائمة من أصناف ممنوعة بلا نهاية ومعلقة على أبواب معابر سوداء.
- في غزة مدارس ممتلئة ومهددة بالتوقف ، وفي فصلها الدراسي أكثر من 50 طالبا ، كثير منهم فقد اباه أو أمه أو شقيقة أو بيته أو حتى بعضهم لم يبق سواه من الأسرة.
- في غزة معادلة تلقائية لا يوجد لها مثيل حتى في الدول المنهارة ، إنها معادلة اللاسلم واللاحرب واللاموت واللاحياة ، إنها معادلة مركبة أثقلت كاهل كل فلسطيني يعيش على هذه البقعة التي تحمّل أهلها ما لا يتحمّله أحد من معاناة.
- في غزة بيوت هدمت قبل سنوات طويلة ولم تبنى حتى اللحظة وشعباً ينتظر الإعمار الذي أصبح بالنسبة اليه معجزة ان تحقق.
- في غزة أجيال من الشباب ينتظرون الهجرة ، ركبوا البحر وماتوا دون ان تعرف جثامينهم أين هي حتى اليوم.
- في غزة أناس اكتووا بنيران الانقسام وتبعاته التي تجذرت في كل حاجة يومية تهم المواطن الذي لا يبالي كثيرا للسياسة ومخرجاتها.
- في غزة المعاناة للأحياء والأموات ، فالموتى لا يجدون القبور عند الأزمات ليدفنوا بها ويضطر أهلهم لفتح قبور قديمة ودفنهم بها.
- في غزة الصيادون يشاهدون الأسماك لكنهم لا يستطيعون الاقتراب منها، وإن غامروا فتصادر وتغرق وتحتجز مراكبهم في عرض البحر.
- في غزة مزارعون لا يستطيعون الوصول لأراضيهم ، وإن فعلوا فرصاصات الموت تكون أقرب اليهم من فلاحة أرضهم.
- في غزة أناس فقدوا الأمل وأصبحت اللغة المشتركة بينهم هي لغة واحدة وهي "الاحباط واليأس وفقدان الأمل".
- في غزة الاغنياء والفقراء سواسية ، فأصحاب الملايين لا يستطيعون شراء كل شيء لانه مصنف في قائمة الممنوعات ، وأما الفقراء فهم لا يستطيعون الشراء أصلا.
- في غزة آلاف الخريجين لم يستلموا شهاداتهم لانهم لا يستطيعون إكمال أقساط الرسوم الجامعية.
- في غزة قطار الموت أقرب للمرضى من الحصول على تحويله للعلاج بالخارج.
- في غزة الامهات فقدن فلذات أكبادهن وآلاف النساء فقدن ازواجهن ، فالمرأة في غزة لها نصيب كبير من العناء والمعاناة التي لا تنتهي.
- في غزة استشهد 17 صحفيا فلسطينيا في 51 يوماً خلال حربا اسرائيليلة استهدفت كل شئ .
- في غزة شباب كثر يريدون الزواج لكن جيوبهم فارغة وآمالهم محطمة وبيوتهم مكتظة بساكنيها أو مدمرة أصلا.
- في غزة أناس ملوا العيش في سلسلة متواصلة من الازمات المالية والاقتصادية والاجتماعية التي لا تنتهي، وفي غزة أيضا ما ان تنتهي الحرب حتى يبدأ شبح الحرب الجديدة يرسم خطاه لأناس اثقلهم الألم وكرهوا الحرب ويحلمون بالعيش بسلام.
- في غزة شعب يحب الحياة ويرغب العيش بكرامة وسئم الزيارات والأقوال وترحيل الأزمات ، وأصبح في اشتياق للأفعال بعد سنوات عجاف من الحروب والانقسام.
ختاماً ، هذا جزء بسيط من معاناة يومية يعيشها سكان قطاع غزة ، وإن أردنا التفصيل فلربما نحتاج لسلسلة كتب ، رسالة أهل هذه البقعة الصغيرة " إنهاء الانقسام ورفع الحصار، وجنبوا هذه البقعة ويلات حرب جديدة قد لا تكون نتائجها في المرة المقبلة كالمرات السابقة".