السبت: 27/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

عن الحكاية الغريبة العجيبة لمكتب منظمة التحرير في واشنطن!!!

نشر بتاريخ: 02/12/2017 ( آخر تحديث: 02/12/2017 الساعة: 16:39 )

الكاتب: د.أسعد عبد الرحمن

بعد أيام من قبول دولة فلسطين عضوا في الشرطة الجنائية الدولية "الإنتربول" في 27/9/2017، ومن قبلها قبولها عضوا في محكمة الجنايات الدولية، بادر رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) "إلى مناقشة خطة مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب وأعضاء في الكونغرس للضغط على الفلسطينيين ووقف إجراءاتهم أحادية الجانب في الساحة الدولية بهدف تعطيل خطوات محاكمة مسؤولين إسرائيليين في المحاكم الدولية، والتحرك باتجاه إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن"، الذي يسميه الفلسطينيون "سفارة". وكل ذلك بحسب قناة "كان" العبرية العامة، التي افتتحت حديثا، والتي أشارت إلى أن "خطة إغلاق مكتب المنظمة استعرضت خلال اجتماع (نتنياهو) الأخير مع سفير الولايات المتحدة في تل أبيب (ديفيد فريدمان) والمبعوث الأمريكي (جيسون غرينبلات) والسفير الإسرائيلي في الولايات المتحدة (رون درمر)"... وكلهم يهود وصهيونيون متشددون!

في هذا السياق، أبلغت وزارة الخارجية الأمريكية السلطة الفلسطينية بأنها لا تنوي التوقيع على إذن السماح لمكتب التمثيل في واشنطن بمواصلة عمله ما لم تستأنف "السلطة" المفاوضات السلمية مع إسرائيل، وتتوقف عن ملاحقة مسؤولين إسرائيليين لمقاضاتهم أمام المحكمة الجنائية الدولية، ثم أتبعته بالموافقة على بقاء المكتب/ "السفارة" مفتوحا وفق قيود محددة: "تقييد نشاطات ممثلية منظمة التحرير في واشنطن لتشمل فقط الشؤون المتعلقة بتحقيق سلام شامل ودائم مع إسرائيل". لكن، ما هي – تحديدا - حكاية مكتب المنظمة في واشنطن؟

معروف أن القيادة الفلسطينية ملتزمة "بالسلام" وتعمل على دفعه الى الامام وبالتالي ما المرجو من الإجراءات الأمريكية؟!!! يعلم الجميع أن عمل مكتب المنظمة، ومنذ إعلان الرئيس الأمريكي عما أسماه "صفقة القرن" لتحقيق صفقة "سلام" تاريخية بين الفلسطينيين وإسرائيل، يزداد نشاطًا وفعالية. لكن الخلل حقيقة، هو في طبيعة العلاقات الأمريكية الفلسطينية. فمنذ عام 1979 وحتى اللحظة الراهنة، تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية منظمة التحرير الفلسطينية منظمة "إرهابية". أما بالنسبة لإدارة (ترمب) فإنها الإدارة الوحيدة من بين الإدارات الأمريكية منذ اتفاق أوسلو عام 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، التي لم تعلن صراحة عن أن تحقيق "السلام" يقوم على أساس حل الدولتين وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، بل إنها لم تجرؤ على إدانة الاستعمار/ "الاستيطان" اليهودي بشكل صريح. بل إن (صائب عريقات) أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح، قال أن هناك "27 مشروع قرار في الكونغرس الأمريكي لمعاقبة الشعب الفلسطيني على رأسها مشروع قطع المساعدات عن الشعب الفلسطيني، وعدم التجديد لمكتب المنظمة، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة. وكلها من أجل إزاحة النظر عما تقوم به حكومة (نتنياهو)" من إجراءات وقوانين معادية للسلام. وبالفعل، كانت لجنة العلاقات الخارجية في واشنطن قد مررت، قبل أسابيع، مشروع قانون تتوقف بموجبه مساعدات سنوية قيمتها 300 مليون دولار تقدمها الولايات المتحدة للسلطة الفلسطينية، "إلا إذا أوقفت صرف ما وصفها مشروع القانون بأنها مبالغ مالية تكافئ منفذي أعمال عنف ضد مواطنين إسرائيليين وأمريكيين". وفي تحرك مواز، طلب 16 عضوا جمهوريا وديمقراطيا باللجنة من مندوبة الولايات المتحدة بالأمم المتحدة (نيكي هيلي) أن "تقود جهودا دولية لتتخذ دول أخرى إجراءات مماثلة". ومن المعلوم أن الولايات المتحدة الأمريكية تمنح 500 مليون دولار للسلطة الفلسطينية سنوياً. وفي حال أصبح التشريع نافذاً سيتم منح السلطة 60 مليون دولار فقط، والتي هي، أصلا، مخصصة للتنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي.

الابتزاز الأمريكي ليس جديداً من حيث المبدأ. فكل الإدارات الأمريكية السابقة مارست الابتزاز مع الفلسطينيين، لكن الجديد أن إدارة (ترمب) لم تتردد في إعلان الغرض الحقيقي لهذه الخطوة. وفيما كانت مسألة الضغوط الأمريكية على منظمة التحرير تراها وكأنها بالتناوب بين الإدارة الأمريكية والكونغرس، فاليوم كلا الطرفين يمارسان الضغوط. وبهذا يكون المبتغى الأمريكي إرغام القيادة الفلسطينية الرسمية على العودة إلى طاولة المفاوضات مع إسرائيل، وفق الشروط الإسرائيلية وعلى رأسها عدم تجميد الاستعمار/ "الاستيطان". ومع أننا نعلم أن أي إدارة أمريكية لا تصلح ولن تكون وسيطا نزيها بين الفلسطينيين وإسرائيل، فإن إدارة الرئيس (ترمب) تتوغل في الغي! فالعالم يشهد أن الفلسطينيين يؤكدون دائما استعدادهم وجاهزيتهم لخوض مفاوضات جادة من أجل تحقيق السلام على قاعدة "حل الدولتين"، فيما إسرائيل هي من تعرقل جهود تحقيق السلام، وإن كان هناك من يوجب معاقبته فهي إسرائيل وليس الفلسطينيين. وفي هذا السياق، تكفي الشهادة الأخيرة التي قدمها وزير الخارجية الأمريكية السابق (جون كيري). ومن اللافت أن الإجراءات الأمريكية الأخيرة لا تنسجم مع ما يتحدث به الرئيس (ترمب) بهدف تحقيق "صفقة القرن" والتي تشير التسريبات إلى أنها ستشمل القدس المحتلة واللاجئين وحق العودة والمستعمرات/ "المستوطنات". لذا، لا بد من إعادة النظر في مجمل العلاقة الأمريكية الفلسطينية، فلا يمكن للرئيس (ترمب) أن يتحدث عن اتفاق تاريخي ومن ثم يخرج بهكذا قرارات تدل على ابتزاز سياسي صرف، لعقاب الفلسطينيين، فيما حكومة (نتنياهو) مستمرة في مقارفاتها من استعمار/ "استيطان" وسرقة أراض وتهجير عرقي وقمع ممنهج... الخ. أما إذا كان القصد الأمريكي/ الإسرائيلي إخراج الفلسطينيين من المعادلة ومن ثم طرح ما يريدون دون موافقة الفلسطينيين فهو أمر غير مقبول من غالبية العالمين الأول (الغربي) والثالث. وفي نهاية الأمر، يبقى الفلسطينيون هم المعنيون في المقام الأول في أي اتفاق سلام، ومن ثم العرب، ومن بعدهم العالم!.