الجمعة: 26/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

كفر قدوم والخان الأحمر.. منهج سينتصر

نشر بتاريخ: 23/10/2018 ( آخر تحديث: 23/10/2018 الساعة: 17:24 )

الكاتب: موفق مطر

ما زالت ابواب المدرسة الوطنية، وأكاديمية علوم وفنون المقاومة الشعبية السلمية مفتوحة.
بعد ثلث عام بالتمام والكمال، أي بعد مئة واربعة وعشرين يوما، ثبت للباحثين عن جدوى منهج المقاومة الشعبية السلمية في فلسطين، صحته وصوابه، والبرهان حي في قرية الخان الأحمر، حيث سكان القرية الصامدون ومعهم الوطنيون الفلسطينييون، وبمساندة المتضامنين، المؤمنين بالاخوة الانسانية، وبقيم العدالة والحرية والحقوق الذين قد وضعوا النصر خيارا وهدفا وحيدا لمعركة صمودهم، ما اضطر المجلس الوزاري المصغر في حكومة نظام الأبرتهايد في تل ابيب المعروف (بالكابينيت) الى اصدار قرار بتأجيل هدم القرية، وترحيل السكان قسرا.
انجاز متقدم، وانتصار جديد لمبدأ التجذر والصمود في الأرض، فهنا يتجلى ايمان الفلسطيني بحقه التاريخي والطبيعي الأبدي في ارض وطنه، وادراكه البعيد المدى للأخطار المحدقة بوجوده كفرد ومجتمع وشعب وهوية.
قرار حكومة الاحتلال العنصرية بتأجيل الهدم (انجاز) للوطنيين الفلسطينيين ولأنصار السلام لكن ايصاله الى مرتبة (الانتصار) يتطلب اجبار دولة الاحتلال على الغاء القرار، والقبول برفع كل ما يمنع تحويل القرية الى نموذج للتنمية والتطوير الذي هو هدف اساس لدى كل القوانين في دول العالم المتمدنة، اما اصرار حكومة الائتلاف الاستعماري الاحتلالي في دولة الاحتلال اسرائيل على جريمة الترحيل والهدم والتهجير والتشريد، وتدمير منارة العلم والمعرفة (مدرسة القرية) فهذه في حكم القانون الدولي الانساني جريمة حرب لا يفعلها الا مستكبرون استبداديون، استعلائيون عنصريون، قطعوا عن سابق تصميم وترصد صلتهم بالانسانية وقيمها. وهذا ما يجب ان يعلمه كل فرد في المجتمع الاسرائيلي ان اراد ألا يكون ضحية لسياسة قادة الاحزاب وساسة دولة احتلال تأخذهم الى موقف الضد من القانون الدولي، وقيم المجتمعات الانسانية الحضارية، ما يعني الدفع بهم الى الهاوية لارضاء شهوة المستوطنين العدائية.
ما بين بداية تجربة الخان الأحمر وتجربة كفر قدوم في المقاومة الشعبية السلمية حوالي سبع سنوات، حيث يناضل سكان القرية التاريخية لاستعادة حق طبيعي لهم منحته الطبيعة لهم، لا يحق لسلطة أيا كان جبروتها سلبه منهم.
الوطنيون في قرية كفر قدوم مستمرون بنضالهم ضد المشروع الاستيطاني الاحتلالي الاسرائيلي كمبدأ ثابت، ويتظاهرون كل يوم جمعة من الاسبوع، وزادوا عليه السبت، ولم تشهد رزنامة حركتهم الدؤوبة المنظمة الممنهجة توقفا واحدا، رغم رد الفعل الاحتلالي العنيف والمتطور دائما شكلا ومضمونا، ابتداء من الرصاص المعدني وصولا الى اطلاق الرصاص المتفجر على الشباب، مرورا باستخدام الكلاب الشرسة، والتفنن في صنع الكمائن، والسيطرة على بيوت في القرية لتصيد المناضلين، وصولا الى جريمة رش المتظاهرين بـ (المياه السوداء) وهي مياه عادمة (نجسة) كريهة الرائحة، تسبب آثارا سلبية على صحة المصاب.
كفر قدوم والخان الأحمر تجربتان ماثلتان في السجل اليومي لكفاح الشعب الفلسطيني ضد الاستعمار الاحتلالي العنصري الاسرائيلي، لكل منهما حيثياتها، لكنهما تجتمعان عند نقطة واحدة وهي الانتصار للمشروع الوطني الفلسطيني، وايقاف زحف المشروع الاستعماري الاسرائيلي، فان كانت قرية الخان الأحمر بوابة القدس الشرقية، والمعركة فيها لمنع تطويقها بالمستعمرات بالكامل من جهتها الشرقية، ومنع فصل جنوب الضفة الغربية عن شمالها، فان معركة المقاومة الشعبية السلمية في كفر قدوم هدفها ايضا منع استكمال مشروع استيطاني، يفصل بين مدن وقرى رئيسة في شمال الضفة كنابلس وقلقيلية، ويحولها الى معازل.
صحيح ان الهدف المباشر لمناضلي كفر قدوم هو فتح الطريق السابق من القرية الى الشارع الكبير المؤدي الى نابلس ومدن فلسطينية اخرى، كانت سلطات الاحتلال قد اغلقته لصالح مستوطنة يهودية (كفار ادوميم) – لاحظوا اغتصاب الاسم أيضا بعد اغتصاب الأرض- ما يضطر المواطنين الى استخدام طرق اخرى يزيد طولها حوالي ثلاثة اضعاف الطريق، أما موضوع التغول على اراض المواطنين ومصادرتها ومنعهم من حراثتها وجني ثمار اشجارها، فهذه جريمة افقار المواطنين الفلسطينيين لاجبارهم على الهجرة، ما يعني افراغ الأرض من اصحابها واقتناص الفرصة لاغتصابها بقوة سلاح الاحتلال.
يتحمل مناضلو حركة فتح في كفر قدوم وزر المقاومة الشعبية السلمية في القرية، ويساندهم متضامنون من جنسيات عدة، لكن وبحكم المقارنة كشاهد عيان بين ما حدث ويحدث في الخان الأحمر وفي كفر قدوم، فان نسبة الفارق بينهما عالية، وهذا السبب الرئيس الذي دفعنا لتسليط الضوء من جديد على فعاليات المقاومة الشعبية السلمية في كفر قدوم.
فكرة الصمود والبقاء في الخان الأحمر تجسدت، وكذلك في كفر قدوم باستمرار فعاليات المقاومة السلمية منذ الفين وخمسمئة وخمسة وخمسين يوما(2555).
فكرة اجبار الاحتلال على التراجع وتحقيق انجازات ومراكمتها للوصول الى الهدف الشامل، حدثت في الخان الأحمر وينتظر بروزها كواقع في كفر قدوم.
ما تحتاجه كفر قدوم اليوم هو البناء على نفس مواطنيها ومناضليها الطويل، وقدرتهم على الصبر، ومقدرتهم على ابداع وسائل الصمود، كما تحتاج الى اسناد وطني هرمي كالذي تجلى في قرية الخان الأحمر، ومبعث هذه الرؤية ان لا تمييز ولا مفاضلة في مكانة وقداسة بين اي بقعة واخرى في أرض الوطن.
نحتاج الى دراسات وابحاث عملية عن تجربتي كفر قدوم والخان الأحمر، مع التأكيد على ان الحرية والاستقلال والسيادة وقيام الدولة وعاصمتها الأبدية القدس كأهداف ثابتة استراتيجية للمقاومة الشعبية ما زال مطلوبا منا لتحقيقها، عطاء بلا حدود، وتنظيم على ألأرض، ومقومات صمود ومتابعة وديمومة وتطوير وتوسيع دوائرها وابداع وسائلها.
كفر قدوم تجربة رائدة في المقاومة الشعبية السلمية، والخان الأحمر تجربة رائدة أيضا، وبمزج التجربتين يمكننا منح الوطن تجربة وطنية نوعية في المقاومة الشعبية السلمية، قد تكون علامة فارقة في تاريخ كفاح الشعوب من اجل الحرية.