الثلاثاء: 19/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

نبيل عمرو يكتب لمعا: بين المبدئية والبراعة

نشر بتاريخ: 24/08/2019 ( آخر تحديث: 24/08/2019 الساعة: 13:13 )

الكاتب: نبيل عمرو

في إسرائيل لا يكفي ان يكون اللاعب العربي في المجال السياسي مبدئيا، بل لا بد ان يكون بارعا فهو يتحرك في فراغات ضيقة وتحت اسقف منخفضة هي تلك التي تسمح بها معادلات الحياة السياسية في دولة ما زال جزء كبير من مواطنيها وساساتها يرون في العرب حالة استثنائية تعامل بصورة خاصة في مجال السلب والايجاب.
ايمن عودة جسد بالخطاب والسلوك تزاوجا بين المبدأية والبراعة، واحدث الأدلة على ذلك هي المقابلة التي اجراها ناحوم برنياع ونشرت في صحيفة يديعوت احرونوت، ابدأ في معالجة ما تضمنته المقابلة بالبعد الفني فيها، حيث بدا لي ان أسئلة برنياع الذكية استدرجت إجابات مبدعة من قبل ايمن عودة، ولا اغالي لو قلت ان المقابلة من حيث الشكل الفني كانت لوحة ثقافية وسياسية شديدة الجاذبية.
عالج ايمن عودة بو ضوح ومباشرة ما كان يعالج باللف والدوران، واعني به كيفية التأثير المباشر في الحياة السياسية الإسرائيلية من داخلها وليس من حولها وفي هذا الاتجاه وضع ايمن عودة يده على الحقيقة حين طرح معادلة الموازنة بين حجم الوجود العربي في إسرائيل وحجم تأثيره في كل نواحي الحياة في الدولة العبرية، ذلك ان مطلب المساواة داخل كيان ما يزال وضع مليوني عربي فيه محل جدل بين الانكار المطلق والاقرار بالمساواة كشعار انتخابي لا اكثر، يحتاج الى اقتحام جريء لكل المساحات المتاحة للتأثير واولها بل واهمها الكنيست والحكومات المنبثقة عنه.
لقد وضع ايمن عودة هموم العرب في إسرائيل ومطالبهم في قلب المعادلة السياسية "فمن يريد شراكة حقيقية فهذه المطالب هي تكاليفها ومن يريد مناخا للسلام والمساواة فعرب إسرائيل جزء من الظاهرة الفلسطينية التي تحتاج الى حل سياسي جذري ينطوي على عدالة ترضي الجميع وتخلق واقعا جديدا يعيش فيه الشعبان بتفاهم ووئام راسخين ودائمين" .
ما عرضه ايمن عودة من مطالب تتعلق بهموم الوسط العربي في إسرائيل، وآراء تتعلق بالتسوية السياسية على الضفة الأخرى يجسد اختبارا ذكيا لصدقية القوى الإسرائيلية، التي تتحدث عن المساواة وعلى نحو ما تتحدث عن السلام ، لم يغالي ايمن في المطالب الا انه تشدد وبصورة إيجابية في حتمية الحصول عليها .
تفهمت ردود الأفعال على المواقف التي افصح عنها ايمن عودة واعتبرت جديدة في الشكل والمضمون، كان متوقعا من اهل بيته ان يتحفظ البعض وينتقد وربما يتنصل، واستطيع تسجيل ذلك تحت بند المتطلبات الانتخابية والوفاء للمواقف القديمة، غير ان أهم ما خدم طروحات ايمن ووفر لها فاعلية مهمة هي ردود فعل القوى الإسرائيلية التي صبت جميعا لو قُرأت بصورة موضوعية في مصلحة ما قصده ايمن، وهنا اذكر بما بدأت به مقالتي حول المبدأية والبراعة.
أخيرا كانت الاقوال بليغة مباشرة غير ان ما تحتاجه حقا كي تكتسب إمكانيات التحقق ان يقدم المليونان دعما لها من خلال كثافة التصويت فهذا هو المدخل الحتمي لتوفير نفوذ فعال للعرب وممثليهم داخل الحياة السياسية ومؤسساتها في إسرائيل.