الجمعة: 26/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

حزب التحرير بين انتظار الخلافة والجهاد الفردي

نشر بتاريخ: 26/08/2019 ( آخر تحديث: 26/08/2019 الساعة: 10:11 )

الكاتب: سري سمور

نواصل سلسلة المقالات حول عدم وجود منافس للقطبين(فتح-حماس) في الساحة الفلسطينية، وعجز وفشل كل القوى والفصائل والأحزاب والحركات عن خلق بديل أو توازن معهما أو مع أحدهما؛ ولم لن يكون الهدف من هذه السلسلة من المقالات التي بدأت نشرها قبل حوالي عشرة أشهر مدح أو قدح أي كان، وللجميع احترامه وتقديره، والأمور ليست أبيض أو أسود، فكل له ما له، وعليه ما عليه، ونجاحاته وإخفاقاته، ومحبيه ومبغضيه، فهكذا هي الحياة!
وقد كان وما زال حديثي عن حزب التحرير من هذه الزاوية، تماما مثلما تحدثت وسأتحدث بمشيئة الله عن قوى سياسية أخرى، ولكن من الطبيعي أن حزب التحرير أو غيره لم يعجبه توصيفي ومناقشتي للحالة، ولا أنسى المثل الشعبي الدارج عندنا(فش حدا بقول عن زيته عكر)!
(1)

في الوعي الجمعي الفلسطيني، حتى ممن لا يعرف تفصيلات تاريخية دقيقة؛ فإن دولة(الخلافة) الفاطمية سلمت القدس إلى الفرنجة دون أن تبذل جهدا حقيقيا لاستردادها وقد كانت (إضافة إلى مصر والمغرب) من أعمال تلك الخلافة.
أما الخلافة العباسية في بغداد فقد هرع إليها القاضي (الهروي) مع وفد من أعيان الشام يستنجدون ويستغيثون ولكن دون جدوى، ولم ينالوا سوى بكاء وعويل الناس في المساجد!
ولكن من بدأ مسيرة التحرير وتطهير البلاد من الفرنجة، هم آل زنكي ثم الأيوبيين، حيث توّج جهادهم الطويل باسترداد القدس من الفرنجة، وما كان لخلفاء القاهرة ولا بغداد شيء يذكر، ولا دور يمكن أن يحمد في عملية التطهير والتحرير.
فالخلافة في الوعي العميق للفلسطينيين ليس حلاّ سحريا أو تلقائيا لتحرير الأرض والمقدسات، بعكس ما ينظّر له حزب التحرير صباح مساء...ناهيك عن دراسات حديثية تجزم بأن إقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة سيكون بعد –وليس قبل-تصفية المشروع الصهيوني وتطهير بيت المقدس، وهذا لا مجال للخوض فيه وشرحه الآن.
ولكن فكرة حصر خلاص الأمة، أو على الأقل تحرير الإنسان والأرض، في إقامة الخلافة، عبر تنفيذ انقلاب عسكري يسلم الحكم إلى (خليفة) وفق مقاييس حزب التحرير، هي فكرة انتظارية أقرب إلى الركون إلى الوهم.

(2)

أتذكر في أواسط تسعينات القرن الماضي عندما بدأ الحديث عن هدنة توقف حركة حماس ضمنها عملياتها, كيف ثارت ثائرة الحزب وشنّوا عبر ما أتيح لهم من منابر حملة على حماس بدعوى تحذيرها من السير في مسار التنازلات، ولأن إقرار الهدنة من صلاحيات الخليفة، والغريب أنهم يعتبرون عمليات حماس(جهاداً فردياً) لأنه بدون خليفة, وكأنه حرام على الحركة أن توقف هذا الجهاد الفردي ما دام الخليفة ليس موجودا!
ولما انتقلت بعض قيادات حماس للعيش في قطر، بعد الخروج من الأردن فترة من الزمن, بدأت ماكنة الحزب الإعلامية, تشيع بأن تلك القيادات تصيغ مع الأمريكان اتفاقاً جديداً على نمط اتفاق أوسلو...فتعاملهم الروتيني تجاه حماس يقوم على إساءة الظن مبدئياً.
صحيح أن هذا ليس بالضرورة رأي الحزب الرسمي دائماً( الحزب يقول أن ما يمثله فقط منشوراته) ولكن هذه ثقافة وتربية تنعكس على الأفراد، وتبدو في لحن القول وطريقة خطاب نشطاء الحزب التي يعرفها الناس.
وسأضرب مثلاً على تغلغل ثقافة سوء الظن والاعتقاد بوجود مؤامرات معقدة، وخطط مرسومة وراء كل حدث؛ فعندما اغتال (الشاباك) المهندس يحيى عياش بتفجير هاتفه النقال مطلع عام 1996, أحد الطلبة من الحزب في جامعة النجاح قال بأن وكالة المخابرات الأمريكية (C.I.A) هي التي نفذت عملية اغتيال المهندس، ذلك بأن المهندس درس في جامعة بيرزيت, وهي جامعة للأمريكان فيها نفوذ(حسب زعمه) فقاموا بتجنيد(يحيى) وطلبوا منه تنفيذ عمليات ضد الكيان, للضغط عليه للقبول بتقديم تنازلات في مسار التسوية، التي تحمس لها الأمريكان، ولما انتهت مهمته قام الأمريكان بتصفيته!!
طبعاً هذا (التحليل) الشاذ الذي يتهم أحد أبرز و أهم أيقونات النضال الفلسطيني والعربي والإسلامي والعالم الحر بأسره بأنه عميل للأمريكان أثار استهجاناً واسعاً.
وقتها أنا شخصياً سألت بعض عناصر الحزب, عن هذه (التحليلات) الشاذة القائمة على سوء الظن الجالب لإثم كبير، فاستنكر وأكد أن هذا ليس رأي الحزب, ورأي الحزب هو أن يحيى عياش كان يجاهد (جهاداً فردياً) وتمكنت المخابرات الإسرائيلية من اغتياله لهذا السبب, وعليه رحمه الله.
ولكن ذلك (التحليل) ليس منبتا عن عقلية وطريقة تفكير الحزب؛ فوقتها كان حزب التحرير قد أصدر عدة مطبوعات وألقى كوادره عدة محاضرات وخطابات تقول الأمريكان يريدون وقرروا (قصقصة أجنحة) إسرائيل.
وكاتب ذلك التحليل المطبوع ما زال ناشطا مهما ومركزيا في الحزب داخل فلسطين؛ فقد رأى أن الأمريكان يريدون إجبار إسرائيل على الانسحاب من جنوب لبنان، وأجبروها على الانسحاب من قطاع غزة وتسليم مدن في الضفة الغربية، كي تتحول إلى دولة عادية...بل نشرت مجلة الوعي أبرز مجلات الحزب في وقتها، تحليلا مطولا بأن المفاوضات حول الجولان هدفها انسحاب إسرائيلي يفضي إلى أن يحل مكان الاحتلال الصهيوني قاعدة عسكرية أمريكية وأنهم يريدون انسحاباً إسرائيلياً من الضفة وغزة ولكن إسرائيل تمانع وتماطل ولذا سيجدون طريقة للضغط عليها.
طبعاً إذا جمعنا بين هذه الرؤيا أو التحليل لطريقة تفكير الأمريكان وسوء الظن الدائم بالآخرين ومنهم حركة حماس, فإن تحليلاً من أحد أفراد الحزب يرى بأن المهندس يحيى عياش تم تجنيده من قبل(C.I.A) هو أمر متوقع، خاصة أن أفراد الحزب يتم تعبئتهم بطريقة تشبه التعبئة التي كانت تعتمدها الأحزاب اللينينية من حيث الصرامة، وتبني أطروحات الحزب بالمطلق من كل الأفراد دون أي اعتراض أو نقاش، وبالتالي كل فرد سيحلل وينظر إلى أي ظاهرة وفق نمط تفكير الحزب بما في ذلك ما درج الحزب على تسميته بـ(الجهاد الفردي).
والمقصود بالجهاد الفردي هو العمليات الجهادية المختلفة ضد الأعداء والمحتلين دون أمر أو إسناد أو دعم أو إشراف خليفة المسلمين، طبعا لو تتبعنا هذه النظرية لقلنا بأن المماليك ومن قبلهم صلاح الدين الأيوبي وقبله آل زنكي كان جهادهم فرديا هم وغيرهم ممن أنقذوا الأمة من صولة واحتلال الفرنجة والتتار.
طبعا يقول منظرو الحزب:نحن لا نقول بأن الجهاد الفردي حرام بل هو حلال؛ وكأن هذه (منّة) وفضل من الحزب على من يقدمون أنفسهم في سبيل الله!
ولكن مهلاً؛ هل الإخوان أبرياء من سوء الظن بحزب التحرير, ويمدون له أكف التقدير والاحترام؟ لا، طبعا، فثمة تعبئة ونظرة متشككة عندهم...وهذه النقطة وغيرها سأتناولها في المقال القادم بمشيئة الله تعالى.