الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

التعذيب في أقبية التحقيق الإسرائيلية عودة إلى القرون الوسطى

نشر بتاريخ: 17/01/2020 ( آخر تحديث: 17/01/2020 الساعة: 12:34 )

الكاتب: عيسى قراقع

التعذيب كجريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية وفق القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وصل ذروته على يد محققي الكيان الصهيوني بحق عدد من المعتقلين من كوادر الجبهة الشعبية الذين بدأت حملة اعتقالات بحقهم منذ تاريخ 24/8/2019 في ظل تعتيم وصمت شكل غطاء لأكبر عملية انتقامية جرت منذ سنوات بحق أسرى فلسطينيين وأكثر مما كان يجري في أقبية التحقيق في سنوات الستينات والسبعينات، انه عودة إلى القرون الوسطى وعهود البربرية والهمجية عندما كانت تستخدم وسائل وأشكال تعذيب وحشية ومميتة خلال اعتقال واستجواب الأسرى بهدف تدميرهم جسديا ونفسيا.

الاعتقالات طالت كل من سامر العربيد وميس أبو غوش وعبد الرازق فراج وخالدة جرار وقسام البرغوثي، ويزن مغامس، وجميل الدرعاوي، ونظام مطير، ووليد حناتشة، وعصمت شواورة، وما يقارب خمسين معتقلا آخرين في حملة هستيرية تحت قيادة جهاز الأمن الإسرائيلي الشاباك على خلفية تنفيذ عملية تفجير عبوة ناسفة قرب عين بوبين في 23/8/2019 في منطقة رام الله ولتستمر حملات الاعتقال على مدى أربع شهور متواصلة، ومعظمهم كانوا معتقلين سابقا اعتقالا إداريا يتجدد بحقهم باستمرار بسبب عدم وجود تهم موجهة إليهم ليخضعوا لاعتقال تعسفي غير قانوني ودون ان يقدموا لمحاكمات عادلة.

الاعتقالات التي نفذت بطريقة هستيرية هي بحد ذاتها شكل من أشكال التعذيب الفردي والجماعي الجنود الإسرائيليون الملثمون والمصحوبة بالكلاب البوليسية وبكل وسائل القمع يقتحمون منازل المعتقلين، يفجرون الأبواب بالقنابل، يدمرون محتويات البيت خلال عملية التفتيش، يقلبونه رأسا على عقب، يحشرون سكان المنزل في غرفة محددة، يصادرون الأجهزة والهواتف، يصرخون ويزعقون ويشتمون ويضربون ،حفلة عواء وسعار واقتحام لخصوصية السكان ولنومهم ونعاسهم وأحلامهم، يرعبون الأطفال والنساء وكأنهم يتدربون على اقتحام قلعة أو حصن على حساب السكان المدنيين.

التعذيب يبدأ من لحظة الاعتقال:

الجنود ورجال الأمن الإسرائيلي لا ينتظرون نقل الأسير إلى مركز تحقيق لاستجوابه، وإنما يبدأ التحقيق الميداني فورا في المنزل أو في باحة المنزل وعلى مرأى من عائلة الأسير، وقبل ان يعرف الأسير حقوقه عن أسباب اعتقاله، تبدأ حفلات الضرب المبرح وتكسير العظام بحق الأسير المكبل والمعصوب العينين، الضرب بأعقاب البنادق، بالبساطير المدببة، بالهراوات بالكلبشات، بالأيدي، بالأرجل، بإطلاق الكلاب المتوحشة لنهش جسد الأسير، ويستمر الضرب والتنكيل والتعذيب خلال نقل الأسير في السيارات العسكرية، يلقونه على ارض السيارة، يدعسون على رقبته وظهره، يستمرون في ضربه بوحشية طول الطريق، لا يأبهون للدماء النازفة من جسد الأسير، لا يأبهون لصراخه وآلامه، لا يقدم للعلاج، لا ينقل إلى المستشفى إلا بعد ان يدخل في غيبوبة أو صراع مع الموت، وهذا ما جرى مع الأسير سامر العربيد الذي كسروا له 16 ضلعا وإصابته بفشل كلوي ونزيف في الرئتين ونقل إلى المستشفى بعد 30 ساعة في حالة غيبوبة ومكث 45 يوما داخل وحدة العناية المكثفة تحت أجهزة التنفس الاصطناعي.

وما جرى مع سامر جرى مع سائر المعتقلين الآخرين، وكانت ليالي مذبحة وسلخ وهلع وجنون إسرائيلي بامتياز، انحطاط همجي إلى أوسع نطاق، وليد حناتشة كسروا فكه وشوهوا وجهه نتيجة الضرب إلى درجة ان زوجته لم تتعرف عليه في المحكمة، نتفوا لحيته صبغو جسده وأعضاء جسمه باللون الأسود المحتقن نتيجة التعذيب العنيف، لا يستطيع التنقل إلا على كرسي متحرك، وقال وليد لقد مت ثلاث مرات واصفا ماجرى بحقه من تعذيب بأنه كان الجحيم بعينه.

• الأسير قسام البرغوثي أخضعوه لتحقيق قاسي، تعمدوا ضربه على مكان إصابته التي أصيب بها لحظة اعتقاله، أطلقوا الكلاب البوليسية لنهش لحمه، كان ينزف الدماء دون تقديم العلاج له، اعتقلوا شقيقه ووالدته للضغط عليه.
• عبد الرازق فراج، ضربوه حتى كسروا يده واعتقلوا ابنه وخضع لتحقيق قاس في أقبية سجن عسقلان، ولم ينقل إلى المستشفى لتلقي العلاج.
• جميل الدرعاوي، كسروا فكه وأضلاع قفصه الصدري وأصابوه في إحدى عينيه واعتقلوا شقيقه للضغط عليه.
• يزن مغامس، جسده كله مطرز بآثار الضرب، فقد ملامحه الطبيعية، اعتقلوا كريمته للضغط عليه.
• ميس أبو غوش، جرها الجنود وهي مقيدة اليدين ومعصوبة الأعين، تعرضت لتحقيق ميداني في إحدى معسكرات الجيش، اعتقلوا والدها لابتزازها والضغط عليها، تعرضت للشتائم القذرة واللا أخلاقية وهتك خصوصيتها خلال التحقيق معها.
• خالدة جرار، لم تشفع حصانتها كنائبة في المجلس التشريعي من اعتقالها المتكرر بسبب نشاطاتها السياسية والحقوقية والاجتماعية، زجت في الاعتقال الإداري عدة مرات ووجهت لها تهم سخيفة الهدف منها إبقاء خالدة داخل السجن، فمن لم يستطيعوا إثبات تهمة بحقه يزج في السجن تحت طائلة الاعتقال الإداري وهذا ما جرى مع الكاتب احمد قطامش وبدران جابر وعلي جرادات والعشرات ممن شملتهم الاعتقالات، انها احكام سياسية قوامها الارهاب والانتقام وتحويل المعتقلين الى تجارب بشرية.



توراة التعذيب:

ربما لم تكشف حتى الآن عن كل ما جرى مع المعتقلين، من وسائل التعذيب والاهانات والإذلال والتحرشات والإيحاءات الجنسية والتكسير والضغوطات النفسية التي تعرضوا لها، سقوط الأظافر، الجروح المفتوحة، الكدمات والأورام والزنازين القذرة، الشبح لساعات طويلة، التعذيب على الكرسي محني الظهر، تعذيب بالقرفصة والموزة والهز العنيف والعزل والحرمان من النوم ومنع زيارات المحامين، ليالي معتمة قاسية في زنازين المسكوبية وعسقلان وعوفر وبيتح تكفا، مسالخ بشرية ومحققين متوحشين وتحريض رسمي واسع على التعذيب والقتل.

المحققون الذين يدعون انهم يحققون في مقتل مستوطنة في عملية عين بوبين هم انفسهم الذين يمثلون دولة تقوم باعدامات ميدانية وقتل متعمد خارج نطاق القضاء، فهذا المحقق هو الذي قال لزوجة الشهيد نشات الكرمي خلال اعتقالها متفاخرا: انا الرجل الذي قتل زوجك، عملناه منخل، وهذا المحقق هو نفسه الذي قال لوالد ميس ابو غوش: لو كنت مكانك لقطعت راس قسام البرغوثي، في محاولة خسيسة للاساءة والتشكيك والاثارة.

انها توراة التعذيب الصهيوني، قتل الاغيار والمقصود الفلسطينيون، هي تعليمات دينية وسياسية, دستور لدولة الاحتلال بكافة مستوياتها الأمنية والقضائية والسياسية والتشريعية، هذه التوراة التي تسمح بتعذيب وقتل الفلسطينيين لأنهم ليسوا بشرا، ليسوا آدميين، هم بمنزلة ألبهائهم الذين يجب السماح بقتلهم، لهذا فان نسبة التعذيب بحق المعتقلين الفلسطينيين هي 100%، كل أسير وأسيرة يتعرض لشكل أو لآخر من التعذيب، الأطفال، الشباب، النساء، الكبار، المرضى، فالتعذيب جزء من العقيدة والأيديولوجية الصهيونية و منظومة الفكر والقمع التي يمارسها الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، فكل فلسطيني هو قنبلة موقوتة يجب تفكيكها بالتعذيب العنيف.

تعذيب تحت غطاء القانون:

الوحوش الآدمية في هيئة المحققين الإسرائيليين يحظون بحصانة وبتشجيع من المستوى الرسمي الإسرائيلي، لقد استشهد 73 أسيرا في أقبية التحقيق منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، واصابة الالاف باعاقات وامراض وصدمات، ولم يقدم أي محقق إسرائيلي إلى المحاكمة، بل انهم يحظون بالأوسمة والنياشين ويعتبرون أبطالا قوميين لدولة إسرائيل.

ان ما يسمى التحقيق العسكري، وهو التحقيق العنيف اللا محدود في أدواته وأسلوبه وشكله حتى لو قتل الأسير تحت التعذيب، يتم بغطاء قانوني من قبل المحكمة العليا الإسرائيلية والمستشار القضائي الإسرائيلي بموجبه يسمح بالتعذيب العنيف، وقد استصدر جهاز الأمن الإسرائيلي إذنا باستخدام التعذيب العسكري بحق المعتقلين المذكورين، ولهذا تحولت أقبية التحقيق إلى ساحة حرب على أجساد الأسرى وأرواحهم دون مراقبة ودون أن يشكل ذلك أي ضغط على هؤلاء المحققين.

التعذيب العسكري المستمد من القوانين والاحكام الحربية والاوامر العسكرية وليس من القوانين المدنية، يجري التعامل من خلاله مع الاسير الاعزل كانه دبابة يجب تدميرها وقنبلة يجب تفكيكها، وينظر التعذيب العسكري الى الاسير كانه في ساحة ميدان عسكري يجوز استخدام كل وسائل القتال ضده.

التشريعات والقوانين الإسرائيلية تسمح باستخدام التعذيب وبإعفاء المحققين من توثيق التعذيب بالصوت والصورة، وفي ذلك تحد سافر للقانون الدولي ولكل الاتفاقيات والشرائع الإنسانية، اضافة ان سجلات القوانين الاسرائيلية لا تتضمن المحاسبة على جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية.

ومن المفارقات ان تصبح جرائم الحرب وجرائم الإنسانية تجري تحت غطاء القانون في دولة الاحتلال الإسرائيلي وفي القرن الواحد والعشرين، وفي زمن العولمة والديمقراطية وحقوق الإنسان.

ان إخفاء جريمة التعذيب وطمس الحقائق هي سياسة متقنة لدى أجهزة ومؤسسات الاحتلال، فآلاف الضحايا من المعذبين الفلسطينيين لم يتم فتح تحقيق جنائي بخصوصها، لقد تم إغلاق معظم الملفات بالرغم من الشكاوي العديدة التي رفعت من قبل مؤسسات حقوق الإنسان حول تعذيب المعتقلين وبانتزاع اعترافات تحت التهديد.

التعذيب من اجل التعذيب:

استخدم التعذيب في أقبية التحقيق الإسرائيلية ليس فقط لأجل انتزاع اعترافات ومعلومات من المعتقلين وإنما تعذيب من اجل التعذيب، تعذيب انتقامي، تعذيب سادي، كراهية واسعة لكل الفلسطينيين، انه تعذيب التسلط والاستبداد والبلطجة، تعذيب يستهدف تجريد الإنسان من إنسانيته وكرامته وهويته الوطنية، تحويله إلى لا شيء، وضعه في أجواء مفزعة، تقليص علاقته بالحياة والزمن، تحويله إلى عدم.

شهادات الأسرى الذين تعرضوا للتعذيب توحي وكأن المحققين الإسرائيليين لم يعد ينقصهم سوى ان يلبسوا جلود الحيوانات، جاءوا من عصور ما قبل التاريخ، يتمتعون باستخدام التعذيب، والأسرى بالنسبة لهم مجرد فرائس يجب التهامها، ينبحون ويصرخون ويبصقون ويرفسون ويتهيجون.

الشهادات تشير ان الهدف من التعذيب هو التسبب بكسر الروح والإرادة لدى الأسير والموت الداخلي وليس فقط الجسدي، إيصاله إلى لحظة التدمير الذاتي والى أقصى درجات التذلل والاهانة.

ما جرى مع الأسرى في التحقيق يدل على ان المحققين تحولوا إلى آلات وماكنات لطحن البشر، وهؤلاء المحققين ليسوا مجرد موظفين انهم صورة عن دولة الاحتلال بكل منظوماتها ومؤسساتها وثقافتها الكولونيالية .

المحققون الاسرائيليون تحولوا الى كماشات لتهشيم العظم واللحم وتدفق الدماء، وتصرفاتهم الوحشية تدل انهم مرضى يمثلون ظاهرة عامة في اسرائيل، ظاهرة دولة اسرائيل المصابة بامراض العنف والفساد والفاشية والتطرف.

التعذيب إرهاب دولة:

لم يعد استخدام التعذيب في دولة الاحتلال امرا شاذا أو طارئا وإنما هو سياسة ممنهجة ومستمرة ومتواصلة منذ ان وجد هذا الاحتلال، فالتعذيب الجسدي والنفسي والمعنوي الذي تعرض له الآلاف من المعتقلين الفلسطينيين هو جزء من إرهاب الدولة الإسرائيلية الرسمي بحق الشعب الفلسطيني، ومنظومة التعذيب هي جزء من منظومة القمع المتواصلة لتعميق الاحتلال والقضاء على المقاومة الفلسطينية وتطلعات الشعب الفلسطيني للحرية والاستقلال.

ان ساحات السجون وأقبية التحقيق هي ساحات حرب وعدوان على كرامة وحقوق الإنسان، انها الساحة الخلفية المتوارية للاحتلال والتي تجري وراء الجدران وداخل أقبية التحقيق المعتمة.


سجل التعذيب الاسرائيلي حافل بالفظائع:
الحرق بالسجائر، التعرية، التعليق: وهو شكل من اشكال شنق الاسير حيا حتى يتفسخ، البصق، الالفاظ البذيئة والنابية، الحشر في زنازين ضيقة، العزل، الغرف الباردة المثلجة، الضوء الاصفر الباهت، المساومة على العلاج، اعتقال العائلات بهدف الابتزاز، الصعقات الكهربائية، القيود المشددة، الحرمان من النوم وغيرها من الاساليب الرهيبة التي تذكرنا بالتعذيب في العهد الروماني، ومحاكم التفتيش الدموية، وعصر النازية المظلم، انها عهد المخلعة والفلقة والحرق والتجويع والشبح والصلب وخلع الاظافر والسحل والتقطيع والاستمتاع بالام الضحايا.

التعذيب اكبر من مجرد اعتقال أو انتزاع اعترافات، انه الشكل الأعنف للجريمة القصوى التي يمارسها الاحتلال بحق أبناء الشعب الفلسطيني.

التعذيب لا يسبب فقط أضرارا جسدية، وإنما أضرارا نفسية ومعنوية واجتماعية أصابت العائلات الفلسطينية والمجتمع الفلسطيني، الأطفال الفلسطينيون هم الفئة الأكبر التي تدفع ثمن استخدام التعذيب والتنكيل بحقها، فالاحتلال يستهدف تدمير الأجيال الفتية والقضاء على أحلامهم بالحياة والمستقبل.

الجنائية الدولية والأيام السوداء:

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو انه يوم اسود في تاريخ إسرائيل على اثر قرار المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية بفتح تحقيق في جرائم حرب في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس ارتكبت على يد سلطات الاحتلال الإسرائيلي، واعتقد ان جرائم التعذيب القاسية والتي تعرض لها الأسرى داخل السجون وفي زنازين التحقيق يجب بالفعل ان تتحول إلى أيام سوداء على المحتلين والجلادين بتقديمهم للمحاكمة والعقاب الدولي بسبب ارتكابهم انتهاكات جسيمة وجرائم حرب بحق أسرانا بالسجون تنتهك ميثاق روما للمحكمة الجنائية واتفاقيات جنيف الأربعة.

لا يوجد خيار أمام الفلسطينيين في ظل استهتار الكيان الصهيوني بالعدالة الإنسانية واستمراره بانتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني سوى ملاحقته قضائيا والمطالبة بتوفير الحماية القانونية للمعتقلين ورفع الغطاء عن شرعية هذا الاحتلال وقوانينه العنصرية، وقوانين الإبادة والتعذيب وانتهاك إنسانية الإنسان.

وكما قال مدير عام مركز بيتسيلم حجاي العاد: هذا الاحتلال لا يمكن إزالته بالمناشدات المهذبة وإنما بالعزم والخطوات الدولية الحاسمة لوقف الجرائم التي تجري وراء الجدران وفي كل مكان بفلسطين.

ان كل تعذيب هو جريمة واسوا من عقوبة الموت، وهذه الجريمة لن تزول مثلما ان التعذيب لن يزول، ويستطيع المصلحون والحقوقيون ورجال الفقه السياسي ان يتحدثوا حتى تبح اصواتهم، ولكن هاتين الجريمتين على وجه الارض تبقى بصماتهما الى الابد، وطالما ان الاحتلال موجود يمارسهما عمليا وقانونيا ومنهجيا.