الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

حصانة نتنياهو بين القانون والديموقراطية

نشر بتاريخ: 22/01/2020 ( آخر تحديث: 22/01/2020 الساعة: 11:57 )

الكاتب: د. علي الأعور

لأول مرة في تاريخ العالم بشكل عام وفي تاريخ إسرائيل بشكل خاص يتم إعادة الانتخابات البرلمانية للمرة الثالثة على التوالي وان كانت في مظهرها العام توحي بنظام ديموقراطي نزيه قائم على التعددية الحزبية وعلى نظام برلماني يكفل للجميع التعبير عن أفكارهم واجندتهم السياسية ولكن في حقيقة الامر ما جرى وما يجري في إسرائيل فان الامر مختلف تماما عن وجود نظام برلماني لم يتمكن من تشكيل حكومة في المرات السابقة ولكن الامر اصبح يتعلق بشخص واحد في إسرائيل اسمه " بنيامين نتنياهو"
لقد تم إعادة الانتخابات في ابريل نيسان 2019 من اجل تأجيل عقد جلسات الاستماع التي تتعلق بشبهات حول ملفات جنائية قد يكون ارتكبها نتنياهو تتمثل في الرشوة وخيانة الأمانة وتم إعادة الانتخابات في أيلول سبتمبر 2019 من اجل تأجيل توجيه لوائح الاتهام بحق نتنياهو والان تم إعادة الانتخابات في المرة الثالثة الى الثاني من مارس 2019 من اجل تأجيل محاكمة نتنياهو وهذا ما حصل الان .
الخارطة السياسية الإسرائيلية تمر بأزمة عميقة في الفكر والسلوك وجميع الأحزاب الإسرائيلية لم تعد تهتم بالبرامج الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في إسرائيل من اجل استقطاب الجمهور الإسرائيلي اليها نحو الديموقراطية الصحيحة التي تقوم على انتخاب مرشحي الشعب من اجل التغيير الاجتماعي والاقتصادي والايديولوجي في الممارسة والسلوك على جميع الأصعدة وخاصة في السياسة الخارجية لإسرائيل والسياسة التي تتعلق بالعلاقة مع الشعب الفلسطيني الذي يعيش تحت الاحتلال الإسرائيلي.
وامام تلك المعادلة الديموقراطية انقسمت الأحزاب والقوائم الإسرائيلية على نقطة واحدة فقط: أحزاب تمثلت في تكريس برنامجها الانتخابي على اسقاط نتنياهو من الحلبة السياسية الإسرائيلية وأحزاب وقوائم كرست برنامجها الانتخابي على توفير عدد اكبر من المقاعد من اجل بقاء نتنياهو في السلطة.
واليوم ونحن على بعد أربعون يوما تقريبا من الانتخابات الإسرائيلية في الثاني من مارس 2019 أيضا انقسمت الأحزاب الإسرائيلية والقوائم الإسرائيلية الى قسمين على أساس نقطة واحة: عدم منح الحصانة الى نتنياهو او العمل من اجل الحصول على اكبر عدد من المقاعد من اجل توفير اغلبية تضمن منح الحصانة الى نتنياهو وكان المستشار القضائي للحكومة، أفيخاي ماندلبليت، أعلن في نهاية شهر نوفمبر 2019 ، قراره بتوجيه لائحة اتهام ضد نتنياهو، بتهم الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة.
وهذا يعني ان نتنياهو اصبح متهما بشكل رسمي و من ناحية قانونية يجب ارسال ملفاته الجنائية المتهم بها الى المحكمة المركزية في القدس وان تبدا محاكمة نتنياهو دون اعتبارات حزبية او انتخابية و من المعروف ان القانون في إسرائيل سبق النظام الديموقراطي البرلمان.. بمعنى ان المحاكمة يجب ان تبدأ من اجل قرار من المحكمة اما بإدانة نتنياهو واصدارها قرار النطق بالحكم اما السجن حسب المحللين الإسرائيليين والصحافة الإسرائيلية او تبرئة نتنياهو وعودته الى الحياة السياسية من جديد فيما لو طبق القانون بشكل منفرد بعيدا عن النظام الديموقراطي البرلماني في إسرائيل وان كان القانون الإسرائيلي لا يجبر نتنياهو على الاستقالة من منصبه الا ان القانون الإسرائيلي يستطيع البدء في محاكمة نتنياهو لولا تدخل النظام الديموقراطي في إسرائيل.
و من الناحية الديموقراطية يحق الى أي عضو كنيست ان يتقدم بطلب الحصانة البرلمانية لعدم محاكمته من قضايا وطنية او جنائية ولكن عملية المناقشة والحصول على تلك الحصانة يجب ان تمر عبر لجنة الكنيست التي يتم تشكيلها من خلال الهيئة العامة للكنيست بعد انعقادها وتوفر 25 عضو كنيست للمطالبة بعقدها. وهذه الديموقراطية منحت نتنياهو الحق في التقدم بطلب الحصانة البرلمانية من رئيس الكنيست وهذا يعني وقف إجراءات المحاكمة بحق نتنياهو حتى تجتمع الهيئة العامة للكنيست وتقرر وتعلن عن لجنة الكنيست التي سوف تناقش طلب الحصانة لنتنياهو وهذا ما أراده نتنياهو و هو كسب مزيدا من الوقت لتأخير او تأجيل محاكمته وان كان رئيس الكنيست ادلشتاين قد ماطل في دعوة الكنيست للاجتماع يوم الثلاثاء القادم الا ان وجهة نظر قانونية من قبل المستشار القضائي للكنيست افي يانون أجبرت ادلشتاين على الدعوة لعقد جلسة للكنيست في السبوع القادم .
وان كان النظام الديموقراطي قد منح نتنياهو مزيدا من الوقت وربما حتى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية في مارس القادم فان التصويت من قبل أعضاء الكنيست اليوم يختلف عن تصويت أعضاء الكنيست المقبلة حيث اليوم هناك معارضة لمنح الحصانة لنتنياهو بالإضافة الى بدء محاكته قبل الانتخابات وهذا سوف يؤثر على عملية التصويت في الانتخابات القادمة اما اذا تاجلت عملية التصويت على حصانة نتنياهو الى الكنيست القادمة فسوف يكون بمقدور نتنياهو خارج المحكمة مدة شهرين على الأقل بعد الانتخابات القادمة في مارس .
وهكذا نجد ان حصانة نتنياهو سوف تبقى في مدى قدرة نتنياهو على تأجيل عقد جلسات لجنة الكنيست العامة يوم الثلاثاء القادم او تأجيل جلسات لجنة الكنيست التي سوف تنظر في طلب الحصانة المقدم من نتنياهو وبالتالي تقديم الوعود الانتخابية من قبل نتنياهو الى اليمين والمستوطنين تتمثل في الضم والتوسع وفرض السيادة الإسرائيلية على غور الأردن وضم المستوطنات وتطبيق القانون الإسرائيلي على جميع المستوطنات في الضفة الغربية ربما يساعده في تشكيل حكومة ضيقة من اجل الحصول على الحصانة البرلمانية في الكنيست القادمة.
وأخيرا ... نتنياهو يعلم جيدا انه لن يحصل على الحصانة البرلمانية سواء من حكومة اليسار او من حكومة يمينية ضيقة لانه يعلم ان لوائح الاتهام الي طالب بالحصانة من اجلها هي لوائح تتمثل في جرائم جنائية لشخص نتنياهو ومصلحة نتنياهو وليست لوائح اتهام وطنية من اجل الوطن ومن اجل إسرائيل وبالتالي فان هناك عدد كبير من أعضاء الكنيست حتى من داخل حزب الليكود لن يسمحوا لنتنياهو بالإفلات من جلسات المحكمة ومنح المحكمة القرار النهائي في ملفات نتنياهو بالإضافة الى حق النقض الفيتو من قبل المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية افيخاي مندلبليت اذا منحت الحصانة الى نتنياهو في الكنيست القادمة.