الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

رسالة الى الحكومة الاسرائيلية

نشر بتاريخ: 17/09/2017 ( آخر تحديث: 17/09/2017 الساعة: 10:34 )

الكاتب: د. علي الاعور

رسالة الى الحكومة الاسرائيلية - لا لتحويل الصراع مع الفلسطينيين الى صراع ديني

يعتبر الخامس عشر من مايو عام 1948 هو بداية الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين او ما يعرف لدى الفلسطينيين بالنكبة وهو ما يمكن تأريخه بشكل رسمي مع بداية الحرب العربية الإسرائيلية ولكن ليس مهما هنا بداية التأريخ للصراع ولكن الأهم هو الهوية لهذا الصراع والصبغة التي سيطرت على هذا الصراع وهي "الصراع الوطني بين الفلسطينيين والإسرائيليين" وليس الصراع الديني بين اليهود والفلسطينيين المسلمين- او بين اليهود والمسلمين بشكل عام.
وعلى الرغم من الحروب والمعارك والمأساة التي تعرض لها الفلسطينيون، وقد دفعوا ثمنا باهضا لهذا الصراع على مدار اكثر من 69 عاما وليس ادل على تلك المأساة الفلسطينية من دليل النكبة ومأساتها وتهجير الفلسطينيون من ارضهم وقراهم والمجازر التي تعرض لها الفلسطينيون والتي ما زالت قائمة حتى اليوم ممثلة بالاحتلال الإسرائيلي في القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة والجدار الفاصل الذي مزق الأرض الفلسطينية وعمل على سجن الفلسطينيين في سجون كبيرة.
وعلى الرغم من ذلك فقد كان الامل دائما يحدو الفلسطينيين والإسرائيليين للتوصل الى سلام عادل وشامل يحقق الامن والاستقرار والاستقلال لدولتين جنبا الى جنب، دولة فلسطين الى جانب دولة إسرائيل. وكان اتفاق أوسلو عام 1993 بكل سلبياته وايجابياته دليلا واضحا على قدرة ورغبة الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني في تحقيق السلام.
وبالأمس القريب كانت الاحداث تتوالى وما زالت قائمة في القدس وفي باب الاسباط وفي الحرم الشريف أولى القبلتين وثالث الحرمين لدى المسلمين ومسرى النبي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعروجه الى السماء كما ورد في القران الكريم في سورة الاسراء الآية رقم 1 . وتمكن سكان القدس من العودة الى المسجد الاقصى وفتح المسجد الأقصى كما كان عليه الوضع قبل 14 يوليو 2017 واعتبر انتصارا للمسلمين في إعادة الوضع في المسجد الأقصى كما كانت عليه الأمور قبل 14- 7 ولكن المهم هنا ان إسرائيل بكل إجراءاتها في الحرم الشريف خلقت قيادة دينية جديدة في القدس او على الأقل المرجعيات الدينية التي ساهمت بشكل كبير في إدارة وتوجيه البوصلة أي بوصلة الصراع الى المفتي والخطباء ورئيس المحكمة الشرعية وافتقدت إسرائيل الى القيادات الوطنية التي تمثل الشارع المقدسي على الرغم من وجود قيادات فتح في الظل الا ان كلمة الفصل كانت للمرجعيات الدينية ممثلة في رئيس المحكمة الشرعية فضيلة الشيخ عبد العظيم سلهب رئيس مجلس الأوقاف ورئيس محكمة الاستئناف الشرعية في القدس و المفتي سماحة الشيخ محمد حسين وخطيب المسجد الأقصى سماحة الشيخ عكرمة صبري.
وخلال تلك الازمة التي حصلت في باب الاسباط واغلاق الحكومة الإسرائيلية المسجد الأقصى في وجه المصلين الفلسطينيين، فقد سمحت للجماعات اليهودية المتطرفة وبأعداد كبيرة جدا من دخول ساحات الحرم الشريف وفي نهاية شهر أغسطس 29-8-2017 سمحت الحكومة الإسرائيلية لأعضاء كنيست وبرفقة لعدد من الحاخامات اليهود بزيارة المسجد الأقصى مع العلم انه" خلال تفاهمات الوزير الأمريكي كيري اصدر نتانياهو قرار بمنع أعضاء الكنيست ووزراء الحكومة الإسرائيلية من دخول الحرم الشريف ولكن الحكومة الإسرائيلية لا ترى الا ما تريده ونسيت ان قضية المسجد الأقصى خاصة والقدس عامة هي مركز الصراع في الشرق الأوسط وعليها ان تتوقف عن تلك السياسات التي تزيد من التوتر والعنف في المدينة المقدسة.
ويوم امس أصدرت النيابة الإسرائيلية قرارا بإغلاق مبنى باب الرحمة في المسجد الأقصى بشكل مطلق، مع العلم وفقا لاتفاقيات جنيف الرابعة والقانون الدولي وفتوى محكمة لاهاي الدولية عام 2004 وقرارات منظمة اليونسكو الأخيرة والتي اعتبرت ان القدس والمسجد الأقصى إقليم محتل ولا يحق لإسرائيل اتخاذ اية إجراءات سواء كانت ثقافية او سياسية او ديموغرافية من شانها تغيير الوضع القائم في القدس والمسجد الأقصى. تلك السياسة الإسرائيلية من شانها ان تقود الى مزيد من العنف والقتل بين الفلسطينيين والإسرائيليين ولن تغير الوضع القانوني للمسجد الأقصى المبارك والذي أكدته الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ عام 1967 .
وهنا اود ان تسترجع إسرائيل سياساتها الى بداية السبعينات من القرن الماضي وسياستها في خلق قيادة بديلة لمنظمة التحرير الفلسطينية، وذلك من خلال موافقتها على اقامة المجمع الإسلامي بقيادة الشيخ احمد ياسين ونشاطاته الدينية والخيرية والسياسية الى ان وصلت حماس الى قوة سياسية وعسكرية لا يستهان بها في الساحة المحلية وأصبحت رقما صعبا في معادلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وان قدمت حماس من خلال وثيقتها الأخيرة والتي تعتبر برنامج سياسي جديد لحركة حماس وأعلنت ان صراعها مع إسرائيل على الأرض وليس صراعها مع اليهود وهذه نقطة تحسب لحركة حماس في تغيير ايديولوجيتها من حركة دينية الى حركة وطنية.
وبعد وفاة القائد فيصل الحسيني قامت إسرائيل بإغلاق "بيت الشرق" وكافة مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية في القدس، مما مهد الطريق امام الحركة الإسلامية بقيادة الشيخ رائد صلاح من تكوين قيادة دينية في القدس واصبح يسمى في القدس " شيخ الأقصى" واعلن الشيخ رائد صلاح ان القدس ستكون في المستقبل عاصمة دولة الخلافة الإسلامية.
وفي كل مرة كانت إسرائيل تعتقل كل القيادات الفتحاوية وقيادات منظمة التحرير خصوصا حاتم عبد القادر والدكتورة حنان عشراوي وامناء سر حركة فتح في القدس وكأنها تنفي الهوية الوطنية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي ولكنها نسيت ان تلك السياسة الإسرائيلية تؤدي الى فراغ سياسي في القدس وهدا يعطي الحركات الإسلامية المتعددة فرصة لقيادة الشارع المقدسي وخصوصا حزب التحرير الإسلامي وحركة حماس والحركات السلفية وغيرها من الحركات الإسلامية.
من هنا ...فإنني أتوجه برسالة الى الحكومة الإسرائيلية الى عدم تحويل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من صراع وطني الى صراع ديني لان الأيديولوجيا الدينية والشعور الديني لدى المسلمين والفلسطينيين المسلمين اقوى من الشعور الوطني على اعتبار ان الانتماء الديني يقوم على "القران والسنة والجهاد" بالإضافة الى الفتاوى الدينية التي ربما تصدر من حركات إسلامية التي ربما تسيطر على عقول الشباب الفلسطيني المسلم الذي يرفض الاحتلال ويرفض التفريط بالمسجد الأقصى والحرم الشريف ممثلا بمساحته كاملة وهي 144 دونم وبالتالي تحويل الصراع مع الفلسطينيين دينيا سوف يكون الصراع قويا وواسعا لانه يعتمد على أيديولوجيا دينية نابعة من القران والسنة والتي لا تحمل حلول وسط ولا تؤمن بالحلول السلمية، وبالتالي مزيدا من العنف والقتال ومزيدا من الدماء من الفلسطينيين والإسرائيليين.
ولكن الصراع اذا بقي بهويته الوطنية من شانه ان يقود الى سلام حقيقي وشامل قائم على العدل واحترام حقوق الانسان وهذا يتجسد في الجلوس مع القيادة الفلسطينية ممثلة في الرئيس أبو مازن لصناعة السلام وإقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية الى جانب دولة إسرائيل. 

*باحث ومختص في المسجد الأقصى- الجامعة العبرية
[email protected]