الإثنين: 14/07/2025 بتوقيت القدس الشريف

الخارجية الأمريكية على علم بمقتل المواطن الأمريكي

نشر بتاريخ: 14/07/2025 ( آخر تحديث: 14/07/2025 الساعة: 09:34 )

الكاتب: د. أحمد رفيق عوض

هكذا، بلغة باردة ومحايدة وخالية حتى من التعاطف أو التفهم أو الإدانة، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بياناً إثر استشهاد الشاب الأمريكي فلسطيني الأصل، سيف الدين مصلط، البالغ من العمر عشرين عاماً، على يد مستوطنين حاولوا الاستيلاء على أرضه في سنجل، وذلك في الثالث عشر من الشهر الجاري.

البيان الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية لم يدن عملية القتل ولم يشر إلى منفذيها وإلى أسبابها أو طبيعتها، البيان تجاهل الزمان والمكان والخلفيات والدوافع، وبدا وكأنه يتحدث عن حالة الجو أو أسعار العملة، ويبدو أن من كتب البيان انتبه إلى أن المواطن أمريكي ولابد من إبداء موقف، فألقى جملة تحتمل كل المعاني وتعفي أمريكا وإسرائيل من مسؤوليتهما، فأشار كاتب البيان إلى "توجيه الأسئلة المتعلقة بأي تحقيق إلى حكومة إسرائيل"، فهو لم يطالب بتحقيق، لا عاجل ولا بطيء، ولم يدعُ إلى اتخاذ خطوات لحماية المواطنين الأمريكيين، خلا البيان من أهم النقاط التي يجب أن تتوافر فيه، ألا وهي: الاستنكار والإدانة وتشكيل لجنة تحقيق، وتكرار قتل المواطنين الأمريكيين على أيدي إسرائيليين، جنوداً كانوا أم مدنيين.

هذا البيان البارد والحيادي يعكس تماماً الاتجاه العام للإدارة الأمريكية الحالية مع قضية الاستيطان والمستوطنين، إذ إن دونالد ترامب دعا قادة المستوطنين إلى حفل تنصيبه ووجه إليهم التحية، كما كان من أولى قراراته عند دخوله البيت الأبيض رفع العقوبات التي فرضها بايدن على عدد من المستوطنين، كما تم دعوة بن غفير وسموتريتش إلى واشنطن، وتم الاحتفاء والاحتفال بهما، فضلاً عن تعيين سفير متعصب دينياً في إسرائيل زار مستوطنة شيلو وشاهد البقرات الحمراء المعدة لتطهير الجمهور اليهودي استعداداً لبناء الهيكل بزعمهم، وتحدث هذا السفير بلغة أبعد ما تكون عن الدبلوماسية أو حتى احترام المواقف العلنية للإدارات الأمريكية السابقة، إضافة إلى ذلك فإن الإدارة الأمريكية الحالية لم تدن عمليات الاستيطان الواسعة التي تجري حالياً في الضفة الغربية المحتلة ولم تدن الأعمال الإجرامية التي ينفذها المستوطنون بحق المواطنين الفلسطينيين.

كما التقى ممثل عن الإدارة بقادة المستوطنين وهنأهم وتفهم مواقفهم، ودفع آخرين إلى اللقاء بهم أيضاً، وكأن هناك رغبة في دمجهم وتأهيلهم لمراحل قادمة، من لا يملك عينين فقط لا يرى أن المستوطنين الآن هم ذراع غير رسمية لتحقيق سياسة رسمية تهدف إلى الضم والتهجير وفرض حل سياسي وأمني على الضفة الغربية، وكانت ترجمة هذا الكلام ما طالبت به أوساط من حزب الليكود وأحزاب الاستيطان بفرض السيادة على كامل الضفة الغربية استغلالاً للحظة السياسية المواتية.

وما يشاهد الآن من تعميق عمليات الاستيطان بكل أنواعه ومسمياته ومن زيادة وتيرة الاعتداءات على القرى والتجمعات الفلسطينية، إنما تهدف إلى تفجير الضفة الغربية واستدراج الفلسطينيين إلى مربع يستفيد منه المستوطنون ومن ورائهم حكومة الاحتلال لشرعنة الضم وإعلانه رسمياً بعد أن رسّخوه فعلياً على أرض الواقع، المستوطنون الذين لم يعودوا جسماً سياسياً على الهامش لا يخفون أهدافهم الاستعمارية المغلفة جيداً بدعاوي دينية ولاهوتية، وقد استطاعوا أن يسيطروا على الحكومة الحالية في توفير التمويل والحماية والبنية القانونية والتغطية السياسية لعمليات الاستيطان والطرد التي طالت مناطق (ج) وأجزاء أخرى من مناطق (ب) أيضاً، وهذا يعني، ضمن أمور أخرى، أن التسوية كما يراها المستوطنون، ومن ورائهم هذه الحكومة على الأقل، لا تتضمن دولة فلسطينية ولا حتى حكماً ذاتياً متجانساً، وهذا يفترض أو يتطلب تجاوز السلطة الوطنية الفلسطينية وإغفال دورها وعدم التعامل معها وكأنها غير موجودة، هذا الموقف الإسرائيلي وجد آداناً صاغية لدى الإدارة الأمريكية الحالية التي تجاهلت السلطة الوطنية ولم تتعامل أو تتواصل معها، في رسالة واضحة إلى أن هذه الإدارة تخلت عن كل التزامات الإدارات الأمريكية السابقة، حتى خيار الدولتين تخلت عنه هذه الإدارة بالقول إن هذا خيار ضمن خيارات، صحيح أن الإدارة الأمريكية لم تتحدث عن صفقة القرن بصيغتها السابقة، ولكنها أيضاً لم تعمل ولم ترسل أي إشارة تدل على رغبتها في التوصل إلى حلول في الضفة الغربية المحتلة بالذات.

إن البيان البارد والحيادي الذي أصدرته الخارجية الأمريكية حول استشهاد مواطن أمريكي من أصل فلسطيني يعكس طبيعة السياسة الأمريكية تجاه الشعب الفلسطيني كله، فهي تطالب بتهجير قطاع غزة وتحويل خرائبها إلى ريفيرا، فيما تدعم المستوطنين في الضفة الغربية وتسكت عن جرائمهم.

إن مجمل الصورة كما طرحت، تؤكد ما يقال ويكتب حول سيطرة اللوبيات وجماعات الضغط على القرار الأمريكي فيما يتعلق على الأقل بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إذ لا يمكن فهم الدوافع الأمريكية وراء تهديد محكمة الجنايات الدولية وفرض عقوبات على السيدة ألبانيز واستخدام حق النقض ضد أي محاولة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة وتراجع ترامب عن محاولته بالضغط على نتنياهو في زيارته الأخيرة لواشنطن، وبالنسبة لنا، كم بدا البيت الأبيض ضعيفاً ومرتبكاً حين تخلى عن انتهاز الفرصة ليضع حداً للحرب المجنونة التي تشن ضد الشعب الفلسطيني.

إن الدفاع عن إسرائيل وتبني مواقفها بهذه الطريقة لا يضر بالولايات المتحدة الأمريكية وصورتها وقيمها وشعبها فحسب، بل يضر بالقانون الدولي والإنساني أيضاً، ندعو الإدارة الأمريكية الحالية إلى مراجعة مواقفها والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني الأصيلة غير القابلة للنقض أو الانتقاص أو الانكار، إن أول خطوة لإنقاذ إسرائيل من ورطتها ومن جنونها هو الاعتراف بأن هناك شعباً اسمه الشعب الفلسطيني.