الأحد: 13/07/2025 بتوقيت القدس الشريف

ناصر اللحام… حين يُعتقل الصوت وتُكمم الحقيقة

نشر بتاريخ: 12/07/2025 ( آخر تحديث: 12/07/2025 الساعة: 10:07 )

الكاتب: أحمد عثمان جلاجل

في فجر ثقيل من تموز، اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي منزل الصحفي الفلسطيني ناصر اللحام في بلدة الدوحة ببيت لحم، لتعتقله كما اعتقلت من قبله الحقيقة نفسها، وكما سجنت الكلمة، وحاصرت الرواية، لم يكن ما جرى مجرد عملية أمنية عابرة، بل فصلًا جديدًا من الحرب المعلنة على الوعي الفلسطيني.
ناصر اللحام، أحد أبرز الأصوات الصحفية في فلسطين، لم يكن مجرد ناقل خبر أو محلل سياسي يظهر في فضائية ليرد على أسئلة مقدّمة الأخبار. كان ولا يزال، شاهدًا على وجع البلاد، ورائيًا لما بين السطور، وضميرًا مهنيًا نادرًا جمع بين الحرفية والشجاعة والالتزام الوطني.

ليس اعتقالًا فرديًا... بل اعتداء على مؤسسة كاملة
اعتقال اللحام لا يجب أن يُقرأ كحادثة معزولة، هو اعتقال لرمز يمثل خطًا إعلاميًا فلسطينيًا صلبًا، حاول دومًا أن يكون عادلًا حتى في أصعب اللحظات. هذا الاعتقال يفتح باب الأسئلة عن مستقبل الإعلام الفلسطيني تحت الحصار الإسرائيلي المستمر: هل يريد الاحتلال صحفيين يكتبون كما يشتهي؟ هل باتت المهنية تهمة؟ وهل بات الحياد خطرًا؟
في بلد محتل، الحقيقة مقاومة، والصحفي مقاتل، والكلمة جبهة.
ناصر اللحام لم يكن عسكريًا، ولا سياسيًا من الصف الأول، لكنه كان رأس حربة في الدفاع عن الوعي الفلسطيني، وركيزة أساسية في التوازن الإعلامي وسط سيل التضليل والتزييف. ولهذا بالتحديد، تم اعتقاله.

السجن لا يحجب الصوت
في لقاءاته، كان اللحام يحرص على الابتسام حتى حين يتحدث عن الحرب. يرفع عينيه إلى الكاميرا، كما لو أنه ينظر في عيون كل فلسطيني، ويقول الحقيقة كما هي: مؤلمة، بلا مكياج سياسي، لكنها واضحة ومُشرّفة.
واليوم، حين يُسجن هذا الصوت، فإننا لا نخسر شخصًا فقط، بل نخسر نافذة كانت تطل بنا على فلسطين، وتحمينا من أن ننسى أو نتعوّد أو نستسلم.
السجن لا يصنع الصمت بل العكس، أحيانًا، يزيد من صدى الصوت، والتاريخ الفلسطيني مليء بشهادات على أن الزنازين لا توقف الحكاية، بل تضيف إليها معنى جديدًا. فناصر اللحام في زنزانته الآن، ليس مجرد معتقل، بل رمز حيّ لمعركة طويلة خاضها صحفيونا منذ بدايات الاحتلال وحتى هذه اللحظة.

الرسالة الأوضح: نحن مستهدفون لأننا نحكي
إن اعتقال اللحام يأتي في وقت تتعرض فيه الصحافة الفلسطينية لحملة شرسة: أكثر من 190 صحفيًا اعتُقلوا منذ أكتوبر الماضي، والمئات استشهدوا، والمكاتب الإعلامية دُمّرت، والكاميرات صارت هدفًا عسكريًا مشروعًا.
ليست صدفة أن يكون الصحفي هدفًا. بل لأن الاحتلال يدرك جيدًا أن روايته المزيّفة تنهار تحت مجهر الحقيقة. ولأن كاميرا فلسطينية صغيرة قد تهز عرشًا من الأكاذيب، فالصمت أفضل بالنسبة له من الصورة، والزنازين أكثر أمنًا من المنابر.

من هنا نبدأ
ليس من المبالغة أن نقول إننا جميعًا، كصحفيين فلسطينيين، نشعر أن ناصر اللحام هو مرآتنا، وإذا مرّ اعتقاله مرور الكرام، فإننا سنخسر ما تبقّى من المسافة بين المهنة والمذلة.
إن التضامن مع اللحام يجب ألا يكون عاطفيًا فقط، بل فعليًا، منظمًا، يمتد إلى الهيئات الدولية، والمؤسسات القانونية، والنقابات، ومجالس الصحافة في العالم، كما يجب أن يتحول إلى حملة لحماية الصحافة الفلسطينية برمّتها.

حين تتحول الكلمة إلى تهمة
في زمن الاحتلال، يصبح القلم سلاحًا، والصورة جريمة، والمعلومة تهديدًا. لكن الصحفي، مهما سُجن، يبقى أملًا.
ناصر اللحام خلف القضبان الآن، لكن فكره ما زال بيننا، وأثره أعمق من أن يُحاصر. فهل نتركه وحيدًا؟ أم نكتب كما علّمنا، ونقاوم كما فعل، ونرفع الصوت كما أراد؟.