الجمعة: 11/07/2025 بتوقيت القدس الشريف

توظيف الذكاء الاصطناعي في التعليم: الواقع والتحديات

نشر بتاريخ: 11/07/2025 ( آخر تحديث: 11/07/2025 الساعة: 03:55 )

الكاتب:

د. جهاد حماد
يشهد العالم في السنوات الأخيرة تحوّلاً جذرياً في طرق وأساليب التعليم، مدفوعاً بثورة تكنولوجية غير مسبوقة يتصدرها الذكاء الاصطناعي. (AI) لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة للبحث أو الترفيه، بل أصبح عنصراً حيوياً يُعاد من خلاله تشكيل مفاهيم التعليم التقليدي. ومع أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التعليم تَعِدُ بتحقيق نقلة نوعية، إلا أن هذا التقدم لا يخلو من التحديات والعقبات في مختلف الدول بشكل عام وفي الدول النامية بشكل خاص، أما فلسطين فوضعها استثنائي في ضوء الاحتلال والحرب المدمرة في غزة وشمال الضفة.
الواقع الحالي لتوظيف الذكاء الاصطناعي في التعليم
في ضوء التطور السريع خلال السنوات الأخيرة ظهرت العديد من التطبيقات العملية والأدوات التي أصبح الذكاء الاصطناعي يؤدي من خلالها أدوارًا فعّالة داخل العملية التعليمية، سواء في دعم المعلم، أو تخصيص التعلم، أو تحليل الأداء ومن هذه التطبيقات:
• أنظمة التعلم التكيفية
تُعتبر أنظمة التعلم التكيفية من أبرز الأمثلة على تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التعليم، حيث تقوم هذه الأنظمة بتحليل أداء الطالب وتكييف المحتوى التعليمي وفقاً لمستواه وسرعة تعلمه. على سبيل المثال، تستخدم منصات مثل Knewton وSmart Sparrow خوارزميات متقدمة لتوفير تجارب تعلم مخصصة وفردية. في السياق الفلسطيني، يمكن لهذه الأنظمة أن تسهم في تقليل الفجوات التعليمية بين الطلبة في المدن والمخيمات والمناطق الريفية، من خلال تقديم محتوى مخصص يتناسب مع الفروق الفردية والظروف الاجتماعية لكل فئة.
• المساعدات الذكية والدردشة الآلية
أصبح من الشائع استخدام روبوتات الدردشة (Chatbots) في تقديم الدعم الأكاديمي للطلبة، سواء عبر الرد على الاستفسارات أو تقديم شرح مبسط للمفاهيم. أدوات مثل ChatGPT أو Socratic Google تُستخدم بالفعل في عدة بيئات تعليمية لتوفير إجابات فورية ومساعدة الطلاب في حل الواجبات. برزت في فلسطين مبادرات من بعض الجامعات لاستخدام هذه الأدوات لتخفيف العبء على المدرسين وتوفير الدعم الفوري للطلبة، خاصة في ظل محدودية الكادر التعليمي في بعض التخصصات.
• التصحيح الآلي والتحليل التنبئي
توفر أنظمة الذكاء الاصطناعي القدرة على تصحيح الامتحانات بشكل فوري ودقيق، خاصة في الأسئلة الموضوعية، مما يخفف العبء على المعلمين ويوفر تغذية راجعة سريعة للطلبة. كما تُستخدم خوارزميات التحليل التنبئي لتحديد الطلبة المعرضين للفشل الأكاديمي بناءً على بيانات الأداء والسلوك. مثل هذه التطبيقات يمكن أن تكون ذات قيمة عالية في فلسطين، حيث تعاني بعض المدارس من اكتظاظ الصفوف وقلة الموارد، ما يجعل الأتمتة ضرورة أكثر منها رفاهية.
• تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة
قدّم الذكاء الاصطناعي حلولاً تعليمية مبتكرة للأشخاص من ذوي الإعاقة، كأنظمة التعرف على الصوت لتحويل الكلام إلى نص، أو أدوات تحويل النصوص إلى كلام للطلبة المكفوفين، مما يجعل البيئة التعليمية أكثر شمولاً وإنصافاً. وفي فلسطين، تسعى بعض المؤسسات التعليمية إلى إدخال هذه التقنيات لتحسين دمج الطلبة ذوي الاحتياجات الخاصة في النظام التعليمي، بما يتماشى مع مبادئ العدالة والشمول رغم الظروف الصعبة التي يمر بها الشعب الفلسطيني.
التحديات التي تواجه توظيف الذكاء الاصطناعي في التعليم
رغم النجاحات التي حققتها تطبيقات الذكاء الاصطناعي، لا تزال هناك معوقات جدية تحول دون انتشارها الواسع، وتحدّ من استفادة جميع الطلبة منها خاصة في السياق الفلسطيني الذي يواجه تحديات مركبة ومن أبرز هذه التحديات:
• نقص البنية التحتية الرقمية
في كثير من الدول، وخاصة النامية منها، تعاني المؤسسات التعليمية من ضعف البنية التحتية التقنية، مثل ضعف الاتصال بالإنترنت أو نقص الأجهزة الحديثة، مما يحد من إمكانية توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل فعال. أما في فلسطين فالوضع استثنائي فمؤسسات التعليم في الضفة الغربية تعاني من ضعف في البنية التحتية الرقمية، ضعف الاتصال بالإنترنت، ونقص الأجهزة الحديثة، كلها عوامل تعيق الاستفادة الكاملة من تقنيات الذكاء الاصطناعي. وأما في قطاع غزة وفي ضوء الحرب المدمرة فقد انعدم تقريبا وجود بنية تحتية رقمية وغير رقمية في المؤسسات التعليمية سواء مدارس او جامعات والتي تم تدميرها بشكل شبه كامل.
• غياب الكوادر المؤهلة
تحتاج أنظمة الذكاء الاصطناعي إلى معلمين ومهندسين ومطورين يمتلكون المهارات التقنية المناسبة لتطويرها وإدارتها. في بعض المناطق، لا يزال نقص الكفاءات المتخصصة يشكل عقبة أمام الانتقال الرقمي الشامل في قطاع التعليم وخاصة في الدول النامية. يعاني قطاع التعليم في فلسطين من نقص في الكوادر المتخصصة في تطوير وتوظيف أنظمة الذكاء الاصطناعي. رغم وجود كفاءات علمية فلسطينية في الداخل والخارج، إلا أن استثمارها في تطوير قطاع التعليم ما زال محدودًا ويحتاج إلى سياسات داعمة ومبادرات وطنية.
• الخصوصية وأمان البيانات
جمع البيانات وتحليلها في ظل غياب إطار قانوني واضح لحماية الخصوصية يُعد تحدياً حقيقياً في فلسطين. ومع تصاعد التهديدات السيبرانية، فإن التعامل مع بيانات الطلبة يجب أن يتم وفق معايير أمان صارمة لضمان الثقة المجتمعية.
• الفجوة الرقمية والتعليمية
بدلاً من تقليص الفجوات التعليمية، قد يسهم الذكاء الاصطناعي في تعميقها، إذا اقتصر استخدامه على المؤسسات القادرة ماديًا أو تلك الواقعة في مراكز حضرية متقدمة، ما يُعرّض الطلبة في المناطق المهمشة لمزيد من التراجع. في فلسطين، تتجلى الفجوة الرقمية بوضوح بين المناطق الحضرية مثل رام الله والقدس، وبعض المناطق المهمشة والمناطق المدمرة كغزة وبعض المخيمات في شمال الضفة الغربية خاصة في ظل ما نتج عن الحرب المدمرة. إن استخدام الذكاء الاصطناعي دون تدخل حكومي يضمن عدالة التوزيع قد يؤدي إلى تعميق الفجوة بدلًا من ردمها.
نحو مستقبل متوازن لتوظيف الذكاء الاصطناعي في التعليم
لكي تتحقق الاستفادة القصوى من الذكاء الاصطناعي في التعليم، ينبغي تبني سياسات تعليمية شاملة تضمن العدالة في الوصول إلى هذه التكنولوجيا، ويجب على صناع القرار في فلسطين تبني استراتيجية وطنية لتوظيف الذكاء الاصطناعي في التعليم ووضع خطة شاملة تتضمن:
• تأهيل المعلمين وتدريبهم على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي.
• تحديث المناهج التعليمية لتشمل مفاهيم الذكاء الاصطناعي وأساسياته.
• وضع تشريعات لحماية البيانات وضمان الاستخدام الأخلاقي للتكنولوجيا.
• تشجيع البحث العلمي المحلي لتطوير حلول تعليمية ذكية تتناسب مع خصوصيات كل مجتمع.
وختام القول يُعد الذكاء الاصطناعي أداة واعدة لإعادة تشكيل النظام التعليمي وتحديثه بما يتماشى مع تطلعات القرن الحادي والعشرين. ورغم التحديات العديدة التي تعترض طريق توظيفه، فإن الإرادة السياسية والتخطيط السليم يمكنان من تسخير هذه التكنولوجيا لخدمة العملية التعليمية بشكل عادل وفعّال. المستقبل يبدأ الآن، ومن الحكمة أن نكون مستعدين له. في فلسطين نحن في أمس الحاجة الى ذلك ومن المؤشرات الإيجابية في هذا السياق موافقة الحكومة الفلسطينية على مشروع المعهد الوطني للذكاء الاصطناعي والتقنيات الناشئة، وهو خطوة بالغة الأهمية نحو بناء قدرات وطنية في هذا المجال الحيوي، وينبغي دعمه أكاديميًا ومجتمعيًا لضمان استمراريته وفاعليته.
* أكاديمي وباحث في الذكاء الاصطناعي والتعلم الالكتروني