الكاتب:
عوني المشني
سالته ذات مرة كيف ينعكس الخبر عليك ؟ اجاب ناصر اللحام ، أنا لا ارى الخبر كفعل مجرد ، أنا اراه في السياق العام ، الخبر الذي يأتي في هذا السياق لا يعكس اي تأثير علي ، الخبر الخارج عن سياق الجدي هو الذي يثير الاسئلة لدي ويجعلني ابحث عن سياق كي اراه فيه " هكذا هو ناصر اللحام صحافي يمتلك فلسفة الصحافة ويوظفها في تعميق الوعي العام ، انه الصحافي الفلسطيني الذي تفوق على نفسه .
لا اعلم كيف يفكر العقل الاسرائيلي عندما يعتقل صحافي فلسطيني بهذا التألق ، بهذا التميز ، بهذا التأثير ، بهذه الموضوعية ، بهذا الاحتراف المهني ؟؟؟ ناصر اللحام ليس هو صوت الواقعية الفلسطينية بل هو فيلسوفها ، ليس هو صوت الموضوعية الفلسطينية بل هو مهندسها ، وهو ايضا جذوة نار الوطنية الفلسطينية بافقها الإنساني المنفتح . هو ليس صديق لي فحسب بل هو مرآة العقل وتوأم الروح وأخ لي لم تلده امي .
العقل الاسرائيلي يبحث دوما عن اسباب ليعمق الكراهية ، ليشعل الغضب ، يبحث عن كل ما غير منطقي وغير إنساني وغير منطقي ويأتي به ليؤكد المؤكد وهو انه عدو جاهل ، عدو ارعن ، عدو صبياني . بل وهو عدو نفسه .
ناصر اللحام كان محرضا فعلا ، محرضا ضد الكراهية ، محرضا ضد الفصل العنصري ، محرضا ضد الابادة الجماعية ، وكان داعيا ايضا ، داعيا لاحترام إنسانية البشر واحترام حقوق الانسان وحرية التعبير ، وكان دائما وابدا مع الانسان ، اي انسان ، كل انسان ضد الاضطهاد . كان فلسطينيا يعتز بانتماءه ، لم يكن يعادي احد ، كان فلسطينيا يعشق حريته وحرية شعبه . وأكثر من هذا كان لسانه وقلمه تعبيرا عن عقله السياسي والوطني ، كان يمثل نضوج الفكرة وشجاعة الموقف وحكمة القرار وتميز الاداء .
لو كان للاسرائيلي عقل لاتخذ من مواقف ناصر اللحام اداة لقياس الرأي العام الفلسطيني ، لان ناصر كان تعبير ثقافي مكثف عن الرأي العام ، لو كان للإسرائيلي عقل لتفهم وفهم غضب ناصر اللحام في بعض مواقفه لانه كان غضبا فلسطينيا معبأ في سياق صحافي حكيم وموضوعي وانساني
يقينا ان اعتقال ناصر اللحام تعبير ارعن عن عمى سياسي اسرائيلي ، وفي مقياس النتائج لن يضيف شيئا كثيرا للسياسات الاسرائيلية البلهاء ، لكنه سيضيف قيمة اخلاقية ووطنية وانسانية لصوت فلسطيني .
ذات مرة قال لي ناصر " أتعلم ، أنا صحافي ، ارى الاحداث كما هي ، ولكني أتخيلها بصورة إنسانية ، احاول ان اقدم الصورة في سياق قناعتي الوطنية الانسانية المنفتحة وكما اتخيلها ، لا يهزم الدول نتاج ضعفها بل تهزم عندما تتضخم طموحاتها لتصبح اكبر من قوتها " .
اعتقال ناصر اللحام موجع ، موجع لي كصديق اولا ، موجع لصوت العقل الفلسطيني ، موجع للمنهج الموضوعي ، موجع لكل وطني إنساني منفتح .
سيخرج ناصر اللحام حرا عزيزا ، ولكن سيبقى سؤال معلق : هل سيشفى العقل الاسرائيلي من رعونته وضيق افقه ؟!!!