الجمعة: 26/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

“الإدارة الفوتوغرافية” .. نمط إداري جديد في عصر الإنترنت.

نشر بتاريخ: 03/02/2020 ( آخر تحديث: 03/02/2020 الساعة: 12:36 )

الكاتب: صخر سالم المحاريق

قد يحتار البعض بالعنوان "الإدارة الفوتوغرافية" كنمطٍ وأسلوبٍ إداري؛ فهو من تركيبتي الخاصة وقد لا تَّجدونه البتة في بحثكم على الإنترنت بالرغم من كونه اليوم من أنجع أدوات الإدارة الفاشلة توكيداً لذلك، فلقد تعودنا فيما نقرأ ونشاهد كمهتمين بالإدارة ومختصين بمجالاتها النظرية منها والتطبيقية على أنماط إدارية معينة، كالمدير والإدارة الديكتاتورية مثلاً أو المدير والادارة المتسيبة "إدارة عدم التدخل"، أو الديمقراطية أو حتى الموقفية "حالة لكل مقام مقال"، وذلك في تعاملهم مع موظفيهم وإسقاطهم لطباعهم الشخصية كآليات وأساليب للتعامل وتحقيق أهداف المؤسسات أياً كان نوعها.
هذا يقودنا للتساؤل؟ والذي هو محور هذه المقالة والغرض من كتابتها، هل تُعتبر الصورة مقياساً حقيقياً للمنجزات بأشكالها؟ وهل نحتاج لهذا الكَّم الكبير من "التوثيق الفوتوغرافي"، والبروباجندا الإعلامية المصاحبة له في كل فعلٍ أو حدثٍ مهما صغر أو كبر؟، هل أَصّبحت الصّور اليوم حاجة العصر المُلّحة، وذلك لتوكيد الذوات وتوثيق مُنجزاتها؟، أم هي في النقيض تماماً مُجرد بالونات وفرقعات هوائية، لظواهر عصرية تُخفي عجزاً ما، وثقة مهزوزة في شخصية أصحابها؟ أولِئك الذين يتبنون نهج (الظاهرة الفوتوغرافية) كنهجٍ إداري للتعبير عن منجزاتهم وإبراز ذواتهم وكنوع من حب الظهور الشخصي والتستر من فوبيا الإخفاق.
قد يقول البعض إن (الصورة) اليوم قد أصبحت الأسرع وصولاً وتأثيراً؛ بلغتها الصامتةِ في التعبير، وذلك في عصر الانترنت ورقمة الأشياء، بل أمست الأكثر إقناعاً في مخاطبتها للعقول وتوجيهها لها، من خلال بناء "صورة ذهنية" مقولبة وموجهة للأشياء من حولها، حتى أنها تُعتبرُ أداة ناجعة للتسويق والترويج، بحيث عُرفت قديماً وحديثاً في عالم السلع والمنتجات خاصة، ثم ما لبثت أن غدت شيئاً فشيئاً وسيلة للتعبير عن كل شيء؛ ومن ذلك الأشخاص وذواتهم، وما يجولُ في خواطرهم من أهدافٍ يبغون إيصالها في رسائلهم "الصورية" إن صح التعبير، على خلافٍ من الكلمات المنطوقة والمكتوبة، فالصورة أداة ناطقة ومعبرة في شكلها، ولكن يبقى مضمونها طي الكتمان والقصد والهدف الحقيقي "المعلن والخفي" من وراء استخدامها أداة للتعبير.
لم يعرف التاريخ يوماً مقياساً للمنجزات سوى وَقّعِ "المنجزات" ذاتها، فهي من تصف نفسها وهي من تتحدث عن صاحبها، أما عملية تأطيرها وترويجها بصورة معينة سواءً كانت "فتوغرافية أو متحركة"، أو حتى عبر كلمات منمقة ورنانة أو في هيئة مدائح وقصائد، فما هذا سوى نفخٍ في الكير وذرفٍ للرماد في العيون، فأصحاب الأفكار الواهية - في تعبيرهم عنها وسط جوّ من النّفاق- كالبالون كلّما نفخوها أكثر، كلّما كان انفجارها مدويًا أكثر في وجوه أصحابها. فلا تتمادوا في التّهويل، وهيّئوا أنفسكم لصوت الفضيحة!.
إن الظاهرة أو المفهوم ليس مدعاةً للتعميم المُطلق، بالقدر والذي هو فيه "حالة إدارية" قد طفت وبرزت حديثاً في مجتمعاتنا، ومقصدي حول المفهوم يتناول بعدين (الأول: يتمثل في الصورية في القدرة على اتخاذ القرارات وتطبيقها، أما الثاني: ففي الصورية في طريقة التعبير عن المنجزات الواهية)، أي نعم كلنا يسعى لبلوغ الذات وتحقيقها، أو حتى إلى تقديرها من الآخرين، ولكن "العملية الإدارية" ومنجزتها، والتي أخصها في مقالتي هذه، لها مقاييسها العلمية ولها أدواتها، ولكل مدير ناجح نهج إداري خاص به هو من أبرز ظهوره، فالإدارة علم عام يتدارسه الجميع، وأما ما هو خاص: فهو "النهج والفلسفة الإدارية"، والتي تَعكسُ مدى تأثير شخصية المدير وفرضه لسماته القيادية والادارية، وتسخيرها في توجيه الآخرين، وإرشادهم ومشاركتهم تحقيق الأهداف العامة والخاصة، وبالتالي الوصول إلى المنجزات، والتي تتغنى به قبل أن يتغنى بها.
إننا إذ نُشاهد يومياً العديد من الفلسفات والمدارس الإدارية ذات النهج "الفوتوغرافي"، في التعبير عن إنجازاتها، ولكل منها الأستوديو الخاص لمَّنْتَّجَتِها وإظهارها في صورة "السوبرمان"، وأما من هم خلف الكواليس فيصغون سيناريو الحكايةَ بأقلامهم، ولعل بروز التكنولوجيا هو من حَوَّرَ القول: “بأن الصورة أصدق من الكلمة”، أو في أن الصورة لا تكذب”، فما هذا إلا نوع من التدليس والكذب بعينه، ولقد قُلت يوماً مقولة منشورة في هذا الصدد: “إن الصورة ليست بأبلغ من "الكلمة والفعل" في صناعة التّأثير. ولو كانت ذات قيمة في صناعة تاريخ صاحبها والمتأثرين به، لبدأ التّاريخ الإنسانيّ مع اختراع الكاميرا، ولأصبح بموجبها عارضو الأزياء سادة القيم والمبادئ والفكر”، فلا تحرقوا بصمات منجزاتكم أيها المدراء عبر تهويلها صورياً ... لتغدوا بعدها مجرد "ظواهر فوتوغرافية إدارية" في عصر السوشيال ميديا، ستنسى بمجرد النقر والنقل لمنشور آخر.