الجمعة: 03/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

إسرائيل ثابت الثابت في السياسة ألأمريكية.

نشر بتاريخ: 10/02/2020 ( آخر تحديث: 10/02/2020 الساعة: 14:31 )

الكاتب: دكتور ناجى صادق شراب


أراء كثيره تناولت تحليل ودراسة صفقة القرن، وتباينت هذه الآراء حسب كاتبيها وما يحملونه من وجهات نظر، ولكنها على تعددها إتفقت أنها لا تحقق السلام، وانها رمت بكل ثقلها في جانب ما تريده إسرائيل. هذه الصفقة لا يمكن فهم صفحاتها المائة وواحد وثمانون دون وضعها في السياق التاريخى والسياسى والعقيدى الذى يحكم العلاقات ألأمريكية الإسرائيلية.فخطة تراامب لا تعود أن تكون إمتدادا وترجمة كاملة لثابت السياسة الإسرائيلية في السياسة ألأ مريكية ، وهذا نجد جذوره مع وعد بلفور في نوفمير 1917اكثر من قرن ، فوعد بلفور كان واضحا في هدفه الإستراتيجى بقيام وطن قومى لليهود في فلسطين، والمقصود به دولة يهوديه،وتحويل السكان الأصليين إلى مجرد أقليات لهم بعض الحقوق. هذان الركنان لوعد بلفور هما ملخص صفقة ترامب. وفى الحقيقة وعد بلفور وعدا أمريكيا، فلم يكن ليصدر بدون موافقة وتشاور أمريكى . وكما أشار رئيس وزراء بريطانيا جورج لويد والذى تردد كثيرا في صدوره قبل الحصول على تأييد الرئيس الأمريكى ويدرو ويلسون. وهذا ما حدث . وفى عام 1922 تبنى الكونغرس ألأمريكى وعد بلفور رسميا، ليصبح منذ ذلك التاريخ الأولوية ألأساسية للكونغرس وصولا إلى اليوم. فلا يمكن فهم كل القرارات السياسية التي تصدر عن الرئاسة ألأمريكية والكونجرس بدون فهم هذه الحقيقة التاريخية الثابته. ومن المحطات المهمة التي تذكر مؤتمر بليتمور الذى عقد ولأول مره في أمريكا عام 1942 والذى كان إيذانا بتحول نشاط الحركة الصهيونية من أوروبا وبريطانيا الى الولايات، وهو المؤتمر الذى نص صراحة على تبنى قيام الدولة اليهودية في فلسطين. ثم مرحلة النشأة في ألأمم المتحده وقرار 181 الذى صوت لصالح قرار اعتراف بإسرائيل دولة على حدود حوالى 54 في المائة من مساحة فلسطين، والإعتراف التاريخى بإسرائيل من قبل إدارة الرئيس ترومان.لتدخل العلاقات في مرحلة التأسيس والبقاء بتقديم الدعم الإقتصادى والعسكرى ، ومرحلة الحماية الدولية بالحيلولة دون اى قرار صادر من مجلس الأمن ملزم لإسرائيل لوقف إنتهكاتها والتوسع والضم كما في حرب 948 التي ضمت بموجبها ما يزيد عن 25 في المائة من الأرض المخصصة للدولة العربية كما في القرار 181، ووظفت الولايات المتحده الفيتو لإجهاض كل القرارات الدولية ضد إسرائيل، وهو ما ساعد إسرائيل على التوسع والتمدد دون خوف من أي عقوبات دولية ، ومن المحطات المهمة حرب 1967التى احتلت إسرائيل بعدوانها كل سيناء والجولان وكل الأراضى الفلسطينية في الضفة وغزه ، وهى الحرب التي ترتبت عليها فيما بعد كل التداعيات السياسية التي نراها اليوم ,هذه الحرب ما كان لإسرائيل ان تنتصر فيها لولا الأسطول الأمريكي الذى زودها بالسلاح وحماية في مجلس الأمن. ولا ننسى حرب أكتوبر لتحرير سيناء، وكيف أن إدارة الرئيس جونسون هددت بحرب نوويه. وبعدها لندخل في مرحلة الرعاية السياسية والتسوية السياسية بدءا بالمعاهده المصرية مع إسرائيل في زمن كارتر، وبعدها معاهدة وادى عربه مع ألأردن في عهد الرئيس بوش ألأبن ثم أوسلو والرعاية الأمريكية في عهد الرئيس كلينتون. وصولا لإدارة الرئيس ترامب. ماذا يفهم من هذا الإستعراض السريع؟ بتحليل وقراءة مبادئ وأهداف السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الوسط نجد أولوية او الثابت في هذه المبادئ وهو الإلتزام بامن وبقاء إسرائيل. وإعتبار أمن إسرائيل إمتداد لأمن الولايات المتحده. وقد تحدث تغيرات وتطورات في أهداف ومبادئ السياسة ألأمريكية كما رأينا اكثر من مناسبة كإنسحاب القوات ألأمريكية في عهد الرئيس أوباما، وتقليص وجودها ، ولكن الإتزام بأمن إسرائيل لم يتغير, وكل الإدارات الأمريكية بدأت بوعود من الرؤساء الأمريكيين بالوعد بإيجاد حلول للصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، والمنطلق الرئيس لكل هذه الوعود والمبادرات تنطلق من نفس المنطلقات التي إرتكزت عليها صفقة الرئيس ترامب:أمن إسرائيل: شرعنة ألإحتلال وعدم الإعتراف بإسرائيل دولة إحتلال، والقدس عاصمة أبديه لإسرائيل، والإعتراف بيهودية إسرائيل كدولة للشعب اليهودى.وعدم عودة اللاجئيين الفلسطينيين ، وبوعد بدولة فلسطينية منزوعة السلاح والسياده، هذه النقاط والتعهدات لم تخلو عنها اى مبادره ووعد من كل الرؤساء الأمريكيين السابقين، بما يؤكد على ثبات إسرائيل في السياسة ألأمريكية . وما نراه اليوم في صفقة القرن والتى قد تبدو أكثر تفصيلا وشمولا أنها تلخيص وتجميع لكل هذه المبادرات والوعود السابقه. وما قد يميزها انها جاءت في توقيت وبيئة سياسية تعمل لصالح طرح هذه الصفقة ، ولا شك بروز تهديدات امنية من قبل لإيران وتركيا وماصاحب التحولات الربيع العربى وبروز دور الحركات الإسلامية وخصوصا دور الأخوان المسلمين ، وتصاعد عمليات الإرهاب وتعريض اكثر من دولة عربية للتفكيك كما نرى الآن في سوريا والعراق واليمن وليبيا، ولا شك ان الضعف والإنقسام الفلسطيني إلى جانب شخصية الررئيس ترامب وحروبه التجاريه مع اكثر من دولة كالصين والمكسيك وكندا وسياسة العقوبات التي يمارسها ضد العديد من الدول، جعلت الزمن مناسبا لطرح هذه الصفقة التي تدخل معها العلاقات ألأمريكية الإسرائيلية مرحلة الإكتمال ، مرحلة تحقيق أحلام إسرائيل الكبرى.فالصفقة وهو ما يميزها عن غيرها تمنح إسرائيل كل ما حلمت به عبر عقود طويله كما صرح الرئيس ترامب نفسه، القبول العربى ، والسياده الكامله على كل فلسطين، وإعطاء ألأولوية لأمن إسرائيل ، وشطب كامل لملفات القدس واللاجئيين . ومنحت إسرائيل تفويضا كاملا ان تعطى الفلسطينيين كل ما تراه مناسبا لأمنها. ولا شك ان عملية إخراج الصفقة وبحضور كل من ننتانياهو وغانتس في البيت ألأبيض إعلانا صريحا انها خطة إسرائيلية ، وهو فعلا ما ارادتها وحاولت ان تفرضه على الفلسطينيين عبر اكثر من ثلاثين عاما من التفاوض, قد تكون هناك عوامل ومحددات كثيره لتفسير الإعلان عن هذه الصفقة من تأثير للوبى الصهيوني والمال اليهودى وصوت الإنجليكيين في اى انتخابات أمريكية رئاسيه او على مستوى الكونجرس وحكام الولايات ، ويكفى ان نعرف ان الذى اصاغ هذه الصفقة الثلاثى كوشنر وفريدمان وغرينبلات وهم من أصول يهودية كامله، فهى صفقة كتبت بالوكالة عن إسرائيل. في هذه السياق يمكن لنا ان نفهم هذه الصفقة , ولا يكفى ان نقف عند حدود صدورها، فالأهم مرحلة ما بعد الصفقة بترامب أو بدونه ، فهى بلا شك ستؤسس مرجعية ومحددا لكل الرؤساء والإدارات اللاحقة في الولايات المتحده، ولا يمك لأى رئيس ان يسقطها من علاقاته وسياساته في المنطقة. وفرض حالة من الأمرألواقع التي قد تتحول وتصبح أمرا مسلما به, واختتم وكما وصف عبد الله بشاره أمين سابق لمجلس التعاون الخليجى السياسة ألأمريكية بقوله:من الدروس التي تعلمناهاعن الدور ألأمريكى أنه يسعى ويعمل وفق ديبلوماسية الممكن والقبول،وليس وفق ما يتطلع إليه أي طرف.ولا يتأثر بمنصات سياسيه، معلنه مثل المبادرة العربية ، أو ألإنسحاب الكامل مقابل التطبيع الكامل، ولا قرارات ألأمم المتحده حول حقوق اللاجئيين، وإنما تتحرك وفق منطق الواقع ،فلن يرضى الأطراف، وإنما يخرج بالحصيلة التي يمكن أن تتعايش معها جميع أطراف النزاع. وهذا ما تسعى له الصفقة الآن.وكما أشارت صحيفة إسرائيل اليوم الهدف من الصفقة تغيير قناعات وإدراكات الفلسطينيين وتغيير الوعى لديهم ، وان البديل لعدم القبول صعب وليس فقط الحرب والحصار والمقاطعة وإنما المزيد من الضم وفرض الأمر الواقع.صفقة تترجم من ناحية سياسة ألأمر الواقع والقوة التى تتبناها أمريكا ومن أبدية إسرائيل في السياسة ألأمريكية , وبدون تغيير موازين ومعادلة القوة فالصفقة في طريقها للتنفيذ.
دكتور ناجى صادق شراب
[email protected]