الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

الدوافِع الداخليّة المُحّتملة لحرب السعوديّة على اليمنِ

نشر بتاريخ: 12/02/2020 ( آخر تحديث: 12/02/2020 الساعة: 13:12 )

الكاتب: الاسير انيس صفوري

تشهد المملكة العربيّة السعوديّة الكثير من التغيُراتِ الداخليّةِ المُتراكمة والمُتسارعة في الآونةِ الأخيرة (مَشروع مُحاربة الفساد، خطة 2030) وبالتوازي تُشنُ حربًا على اليمنِ (كجزءٍ من التَحالُفِ لإعادة الشرعيّة حَسب الرأي السعوديّ في اليمنِ) يتم إدارتُها وِفقًا لمِنهاج "الحروب الجديدة" الذي طرَحَتهُ الأكاديميّة البريطانيّة ماري كالدور في كتابها "حروب حديثة وحروب قديمة"(Mary Kaldor, 2012) وهِي كانت أول من استخدَمت مُصطَلح "الحروب الجديدة" مُعرفِةً اياها بالثورة الظاهرة بالحروب بعد الحرب الباردة.
لخص "أوري بن اليعيزر/Uri Ben-Eliezer" سِمات هذه الحروب ودوافعها في كتابه "حروب إسرائيل الجديدة"، التي تنطبق بشكلٍ كبير على الحربِ السعوديّة على اليمنِ ومِن ضمنِ أسباب استخدام الحروب الجديدة هي نظريّة "صَرف الإنتباه" الذي تحدّث عنها الباحث "جاك ليفي/Jacques L vy" مُعرِفًا إياها: "بإستخدام الحرب لصرف انتباه الجمهور عن مشاكلٍ داخليّة أو من أجلِ التقليل من اهميّةِ التناقضات الداخليّة".
السؤال هُنا: إلى أيِ مدى تَخدِمُ الحرب على اليمنِ الوضع القائم للعائلة المالكة في السعوديّة، وذلك بِهدف السّيْطرة على الغضبِ الناتج من التغيير وتوجيهه للخارج؟
هذا السؤال يعتمد جوابه بالأساس على فكرة وحديث الفيلسوف الفرنسي رينيه جيرار/Ren Girard في كتابه "العنف والمقدس"، القائل: "أنَّ استخدام العُنفِ هُو عمليّة بَحث عن ضحيّةٍ تُقْدِم بِها مجموعة من الناسِ ونجدها ايضًا في غيرِ مرة، وذلك من أجلِ التعبير عن غضبِها أو تبديد مخاوفها حِيال واقع مُتغير، فهُناك عنف محْتَقِن لدى أي جماعة أو طائفة، وبالتالي فإنَّ تصدير هذا العنف إلى الخارج يُصبح ضروريًا من أجلِ المُحافظة على وحدتِها و هويّتها و تكاثُفها الداخليّ. يغدو العنف بهذا الشكل مُطَهِرًا ومشروعًا قبل أن يُوَجَه نحو الضّحايا الذين لا أسف على موتهِم".
بناءً على ذلك، فالحرب على اليمنِ من المُحتمل أنها تؤجل اعتراض شرائح واسعة في السعوديّة إمّا لتناقُضها مع التغييراتِ أو بِسبب عدم رِضاها عن التغييرِ بسبب مطالبتها بتغيير جذريّ أكبر.
الشرائح السعوديّة المرجح تناقضها مع التغييرات أو مع النظام الحاكم
الشريحة الأولى التي من المرجحِ تناقضها مع التغيراتِ الجاريّة بالسعوديّة على مستوى التغيير الثقافيّ والاجتماعيّ من حفلات مختلطة، أغاني، رقص، انتشار مفاهيم تتعلق بالعولمة، قيادة النساء للسيارة...الخ وهي المُسماة "بالثلاثيّة الوهابيّة" وهي حركة سُنيه تؤمن بأن النهج السليم في الحياة هو نهج السَلَف الذي يعود إلى فترة الرسول (ص)، وعليّهِ أي تغيير في المفاهيم الإجتماعيّة أو الثقافيّة هو تغيير سلبيّ إن لم تكن مرجعيته تلك الحُقبة.
"الثلاثيّة الوهابيّة" تسيطر على الشؤون الدينيّة في المملكة منذ تحالُف "محمد بن عبد الوهاب" و"محمد بن سعود" لإنشاء المملكة العربيّة السعوديّة، وقد تصادمت الوهابيّة مع سياسات ملوك "آل سعود" عدة مرات (كان أكثرها غير عنيف)، كان أشهر ما قامت به "الوهابيّة" من اعتراضٍ على اقامة التلفزيون السعوديّ إلى حدٍ وصلت فيه الأمور إلى اغتيال "فيصل آل سعود" بتاريخ 25 مارس 1975 على يدِ أحد أقارب الذين قُتِلوا في التجمُعات ( المظاهرات) المُعارِضة لإقامة التلفزيون السعوديّ، وتَجدُر الإشارة بأنَّ "الثُلاثيّة الوهابيّة" موجودة على المستوى الشعبيّ والنخبويّ في السعوديّة حتّى يومنا هذا، وبهذا فهي تسيّطر على مفاصلٍ مهمة في الدولة السعوديّة.
كما تَشهد السعوديّة خلافًا مُحتملاً بين العائلةِ المالكة نفسها على شرعيّةِ انتقال السلطة لـ "محمد بن سليمان" دون غيره من أحفادِ "آل سعود" يُضاف اليّهِ إقصاء شخصياتٍ مُهمة على المستوى الاقتصاديّ والسياسيّ داخل السعوديّة بحملة محاربة الفساد، إذ تم إثارة العديد من الشائِعات (والتي لا يمكن التحقق منها حاليًا) حول سُقوط طائرة كان على متنها أشخاص مُتهمين بالفسادِ.
ويُضاف إلى كلِ ذلك الأعداد الكبيرة من المُبتَعَثين للتعلم والدراسة خارج المملكة، فيُشار أنه وِفقًا لوزارة "التعليم لشؤون الابتعاث" كان فقط في شهر فبراير 2019 عدد المُبَتَعثين 92,997، ويوزعون على النحو التالي:
 الولايات المتحدة الامريكيّة 54.9%.
 بريطانيا 15.7%.
 أستراليا 7.2%.
 ألمانيا 2.1%.
 والباقي موزعون على النحو التالي: ايرلندا 1.2%، فرنسا 0.8%، هولندا 0.4%، الصين 0.4%، النمسا 0.4%، اليابان 0.3% وبقية الدول 16.5%.
ومن المُلاحظ ان غالبيّة المبتعثين يعيشون في مجتمعات غربيّة ديمقراطيّة تختلف ثقافتها عن الثقافةِ في المملكة العربيّة السعوديّة، وهنا يُرجح تأثر جزء منهم بالنموذج الغربي المختلف بالعلاقة بين المواطنِ والدولة، بالدول الأربعة الاولى المذكورة أعلاه وبالتالي فإنَّ نموذج المملكة سيكون غير مُرضٍ عند جزء منها.
أما الحَملة التي تستهدف الإخوان المُسلمين حُلفاء الماضي (تَحالف الإخوان المسلمين عدة مرات مع النظام السعودي ونذكر على سبيل المثال تحالفهم لتصدير المقاتلين العرب في الحرب الأفغانيّة ضد الاتحاد السوفييتي كما تحالف الطرفان في التحريض والحرب ضد الزعيم العربي جمال عبد الناصر.) قد طالَت العديد من الشخصيّاتِ الاخوانيّة داخل المملكة بعد أن أُعلِن عنهم أنهم حركة إرهابيّة فزُجَّ بِجُزءٍ منهم في السُجونِ وهرَب جزءٌ آخر إلى قطر وتركيا، كما ان هؤلاء الهاربين يوجِهون حملاتهم المُضادة للنظام وللنخبة الحاكمة في السعوديّةِ ليل نهار في العديد من الصحف والإعلام والمواقع والوسائل الاجتماعيّة.
أمّا المناطق الشرقيّة في المملكة والتي شهدت مُظاهرات واحتجاجات عِدة (وثّقت جزءًا منها أحد الأفلام الوثائقيّة الصادرة عن " "BBC News(عن قرب: الفيلم الوثائقي السعودية الحراك السري))، والتي تسكن بها الطائفة الشيعيّة، شهدت نوعًا من التململ والاحتجاج يَظهر على شكلِ مُظاهَرات تطالب بِمَطالب سياسيّة واقتصاديّة تُعارض نهج الحُكم القائم في المملكة، كما وصل الأمر إلى إعدام أحد الشخصيات الدينيّة المهمة في تلك المناطق وهو الشيخ "نمر النمر" الذي يُعتبَر بمثابة رمز داخل السعوديّة وخارجها لدى الشيعة الذين احتجوا على قتله حتى خارج الأراضي السعوديّة.
وتجدُر الإشارة هنا إلى الأعداد الهائلة من السعوديين المُنتسبين للحركاتِ "الثلاثيّة الجهاديّة" من أمثالِ "القاعدة" و "داعش" داخل العديد من الدولِ العربيّة مثل العراق، سوريا، اليمن.
وبالتدقيق في الكثيرِ من العمليّات التي نفذتها المنظمات "الثلاثيّة الجهاديّة" نجد العناصر السعوديّة موجودة وبكثرة من 11 أيلول/سبتمبر إلى عمليّات التهجير في العراقِ وسوريا وحتّى داخل السعوديّة كما يبرز الدور القياديّ لبعض السعوديين الذين كان أشهرهم "اسامة بن لادن" الذي قتلته القوات الامريكيّة في باكستان.
هذه الفئه لم تكن وليدة اللحظة، بل هي جزء من الفكرِ السلفيّ الوهابيّ الذي استُخْدِمَ بالقتال ضد السوفييت في أفغانستان وعاد لينشُر هذه الأفكار داخل السعوديّة، والذي بدوره يشكل خطرًا داخليًا على الأمنِ في البلادِ وكان من أهمِ الأحداث التي شهدتها السعوديّة من قِبَلِ هذا النهجُ المؤصَل له بالسعوديّة حتى قبل الحرب السوفيتيّة على أفغانستان، هي حادثة "الحرم المكيّ" في 20 نوفمبر 1979 بسيطرة "جهيمان العتيدي" على الحرم بمساعدة محتملة (حسب كتاب "مقاتل من مكة" للكاتب خالد خليل أسعد، "القصة الكاملة لأسامة بن لادن"، 2000) من والد "اسامة بن لادن" الذي مات بسقوط طائرته المتجهة من السعوديّة إلى اليمنِ. وبناءً على كلِ ذلك فإنَّ هذهِ المُتغيرات والتناقضات المُختارة تُشكل ازمة حقيقيّة للنُخبة المسيّطرة بالسعوديّة يُضاف اليّها مشروع 2030 الذي دخل حيّز التنفيذ وأدخل المملكة اجتماعيًا وثقافيًا في عصرِ العولمة والثقافة الغربيّة بشكلٍ أكبر.
اليمن كهدف لتفريغ العنف
استنادًا إلى أقوالِ الفيلسوف "رينيه" فمن المُمكن تفريغ العنف الكامن داخل السعوديّة بسبب تغيُرات متعددة الجوانب والمستويات اتجاه اليمن خصوصًا أنه هناك فارق طائفيّ من المُمكن استغلاله للتفريغ عند الشريحة السلفيّة الوهابيّة، فضمن الحرب على اليمن تنضوي مواجهة النفوذ لجماعة "أنصار الله" الجماعة التي يُنظَر اليها من قِبل السلفيين من منظور طائفيّ (سنة ضد شيعة) وبذلك يتم تفريغ العنف عند شريحة تؤمن بالإقصاء والعنف ولا تتردد حتى في استخدام العنف داخل السعوديّة.
كما تضمن هذه الحرب توحيد شرائح من المجتمعِ السعوديّ خصوصًا داخل العائلة المالكة وحلفائها التقليديين من رجالِ أعمال ورجال دين تحت راية الحرب وتأجيل مطالبهم بسبب الحرب.
نتائج الحرب وانعكاساتها الداخليّة
من المُرجح انتهاء الحرب اليمنيّة وفقًا لثلاث فرضيات، إما نصر واضح للسعوديّة والذي سوف يُشكل نجاحًا حاميًا وشرعيّة للنهج الجديد الذي حقق نصرًا على أعداءِ النَهج السعوديّ باليمن، أو هزيمة واضحة ستُدخل السعوديّة بمرحلةٍ صعبة تزيد من الاحتقانِ وتشجعِ التعبير عنه داخل المملكة، أما الإحتمال الثالث والأكثر مُتَوَقعًا
انتهاء الحرب بحلٍ سياسيّ قادر على صُنعِ توازنًا معينًا داخل اليمن، وهنا يأتي دور وسائل الإعلام لإقناع المجتمع السعوديّ بنصر ولو وهميّ لتبرير كل الخسائر الماديّة والبشريّة، وبهذا يكون قد اعطى شرعيّة للنُخبة الحاكمة، ولكن في حال واستطاع الإعلام المعاديّ لسياسات المملكة من إقناعِ المجتمع السعودي بهزيمة وفشل النخبة الحاكمة وإنهاء الحرب مع صور مُقنِعة (للسعوديين)، لضعف الجيش والدولة السعوديّة عن طريقِ عمليات نوعيّة مصّورة تُظهر الجيش السعوديّ كطرف مهزوم، فذلك سيُضعف من شعورِ السيّطرة داخل الدولة ويعطي فرصة للمعارضين التجرؤ على الإنتقادِ والإحتجاجِ على سياسات السعوديّة داخليًا وخارجيًا.
الخاتمة
الحرب على اليمنِ واستخدامِ المملكة العربيّة السعوديّة لأساليبٍ جديدة في الحروبِ، مثل "حروبٍ جديدة" و"صرف الإنتباه"، هي كُلها حُلولٍ مؤقتةٍ مُحتملة للتناقضات المُعقدة التي تعيشها المملكة والتي تزايدت في الآونة الاخيرة، وأن نتائج الحرب باليمن من الممكنِ أن تؤدي إلى تحفيزِ التناقضات الداخليّة وتسريعها إذا ما كانت الهزيمة واضحة ومُقنعة للشعب السعوديّ، الذي يشاهد أداء مؤسسات الحكم في بلاده وتصرفات مسؤوليه في إدارة الأزمات والتغييرات واستهزاء أقرب حلفائه بِه كالخِطابات التي ألقاها ترامب واصفًا السعوديّة بوصفٍ لا يليقُ بشعبٍ ولا بدولةٍ على وجهِ الأرضِ، فما بالَكُم بِشعبٍ ينتمي لأرض الحرمين الشريفين.