الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

عُمالنا في الداخل وجائحة كورونا: الواقع والتحديات

نشر بتاريخ: 29/03/2020 ( آخر تحديث: 29/03/2020 الساعة: 19:09 )

الكاتب: مهند أبو شمة

مما لا شك فيه أن عُمالنا في الداخل المحتل؛ محرك رئيس للعجلة الاقتصادية في فلسطين، ومع تعمّق أزمة كورونا وانعكاساتها على عمالنا، باتت الحالة التي تعتري المشهد على هذا الصعيد تستأثر باهتمام القادة، والساسة، وصنّاع القرار في دولتنا العتيدة، فما يحكم الحالة هو النذير المقلق الذي يتطلب البدء في تفكير إستراتيجي فيما ستؤول إليه الأمور لو توقف سوق العمل في الداخل الفلسطيني المحتل، صحيح أن القضية على المستوى الآني قد تشكل أزمة لنا في المجالات الصحية " لا قدر الله "، لكن تبعات هذا التدفق العمالي الذي يفوق عدده مئة ألف في قطاعات مختلفة؛ سيترك تداعياته على المدى البعيد عبر أزمات اقتصادية، واجتماعية، وسياسية، إذا لم نعلق الجرس.

ومن باب الحيطة؛ ولكي لا تتعاظم كرة الثلج وتصبح يوماً ما قابلة لانفجار لا تحمد عقباه ، لا بد من وجود خطة إستراتيجية فلسطينية وطنية للتفكير في ما بعد أزمة الكورونا وفي جميع المجالات، فتنظيم ملف عمالنا في الداخل الذين يفاضلون اليوم بين لقمة العيش ومصدر رزقهم والمحافظة على صحتهم وصحة الأعزاء عليهم يجب أن يكون من أولويات الحكومة، خاصة وأن العمال يعيشون أزمة الاختيار بين الحفاظ على صحتهم وصحة أحبائهم، وبين القبول بشروط وظروف العمل والمبيت التي لا ترقى لأدنى الاحتياجات الصحية والإنسانية .

لقد كشفت جائحة كورونا اليوم حقائق عدّة في مجالات شتّى، وفي أنحاء العالم كافة، لا في فلسطين فحسب، وبالقدر المطلوب فيه من القادة السياسيين وصناع القرار إدارة شؤون الدولة، وإدارة الأزمات،-إذ أثبتوا قدرة متميزة في إدارة الأزمة الناتجة عن فيروس كورونا بكفاءة عالية رغم محدودية الإمكانيات،- مطلوب منهم أيضاً البدء في التفكير المُعمق في كيفية إدارة ملف العمال في الداخل المحتل.

وفي الوقت الذي أظهرت فيه أزمة كورونا -وبشكل واضح- عدم قدرة دولة الاحتلال على تسيير العمل في قطاعاتهم المختلفة دون الأيدي العاملة الفلسطينية، أبرزت– في الوقت ذاته- عنصرية الاحتلال وتخاذله عن توفير البيئة الصحية الآمنة لعمالنا رغم ما تم الاتفاق عليه.

ولكل ذلك يبرز التحدي الكبير أمام حكومتنا العتيدة، لتصنع من التهديدات والتحديات فرصا مستقبلية لتحسين واقع العمالة في الداخل المحتل، والذي لا توجد سيطرة رسمية عليه- حتى اليوم- من حيث أعداد العمالة والمجالات التي يعملون فيها، وحقوقهم واستحقاقاتهم، ما يستدعي أن يكون لدينا برنامج وطني شامل يعالج قضايا عمالنا كلها في الداخل المحتل، والعمل على تنظيم هذا القطاع الذي يضم شريحة كبيرة من مكونات شعبنا.

بناء عليه، تبرز الحاجة لإنشاء هيئة تشغيل فلسطينية تنظم عمل عمالنا وأحوالهم في الداخل المحتل بشكل رسمي، وضمن اتفاقيات تعاقد بين حكومتنا وبين هيئة التشغيل الإسرائيلية، وبحضور دولي بحيث تضمن هذه الاتفاقيات المحافظة على الحقوق العمالية من حيث الأجور والتأمين الصحي وتأمين العمل والإصابات، والتأمينات الاجتماعية والتعويضات ،والحقوق التقاعدية وتخليص عمالنا من ظاهرة شراء التصاريح بالابتزاز في السوق السوداء، إضافة إلى ضمان صرف أجورهم ومستحقاتهم من خلال حساباتهم في البنوك الفلسطينية وبتنظيم من هيئة التشغيل المنتظرة .

بالنسبة للحكومة الفلسطينية، فإنها وبتنظيم هذا الملف ستحقق نجاحاً أخراَ يُضاف إلى نجاحاتها، وسيتيح لها ذلك أيضاً استرداد العائدات الضريبية وعائدات التأمين الصحي، والتعويضات العمالية، والتأمينات الاجتماعية المنصوص عليها في قوانين العمل والعمال في دولة الاحتلال والتي تقدّر بمليارات الشواكل؛ يتم اقتطاعها من عمالنا ولا توفر دولة الاحتلال لهم مقابلها أي خدمات.

ثمة ما تجدر الإشارة إليه من أن إنشاء هيئة فلسطينية للتشغيل يتطلب منا إعادة تفعيل صندوق الضمان الاجتماعي بحلة جديدة، وبشروط ومعايير تحقق العدالة بين حقوق العاملين والمشغلين، بحيث يضم كافة عمالنا في الداخل المحتل لهذا الصندوق. وبذا؛ يكون لدينا نظام وطني للحماية الاقتصادية والاجتماعية؛ يوفر حياة كريمة لعمالنا، وتزول بتشكيله أعباء قطاع العمالة في الداخل المحتل عن كاهل الحكومة في أي أزمة قد تحدث مستقبلاً " لا قدر الله ".

لا يعترينا شك في أن حكومتنا العتيدة وكما حققت نجاحات في مجالات مختلفة، ستنجح في إدارة هذا الملف ليشكل انطلاقة حقيقية في تحقيق الحماية الاجتماعية والاقتصادية، وتحسين الشروط التعاقدية لعمالنا في الداخل المحتل...وحتماً بنجاح هكذا فكرة فمن الطبيعي جداً استثمارها كورقة سياسية في أيدينا.. مع الأمل بأن تزول الأزمة سريعا، وأن يتم استخلاص العبر في المجالات كافة، فهي أزمة تتطلب منا إعادة التفكير والتخطيط..والله ولي التوفيق.

بريد الكتروني : [email protected]