الأربعاء: 24/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

ليس للمنسق ذنبٌ..

نشر بتاريخ: 31/05/2020 ( آخر تحديث: 31/05/2020 الساعة: 18:56 )

الكاتب: مهند أبو شمّة

وسائل الإعلام تغزو اليوم عقول مرتاديها، وتتفوق بذلك مواقع التواصل الاجتماعي، ولعل المنسق بصفحة تواصله الاجتماعي قد غافلنا كما غافلتنا الحركة الصهيونية منذ عام (١٩١٧)؛ منذ ذلك الوعد المشؤوم، وفي كل مرة يكون سلوكنا ما هو إلا عبارة ردة فعل على شكل هبات الرياح التي سرعان ما تهدأ وتتلاشى.

قامت الحركة الصهيونية على ثلاثة قواعد أساسية؛ تحكم أقطابها من خلالها بكل ما يجري في العالم من: الإعلام، والاقتصاد، والقانون، ويكفي القيام بمراجعة سريعة لتاريخ الحركة الصهيونية ولنشأتها ولتسلسل تعاظم قوتها وتغلغلها في عمق الأمم لنستطيع حل اللغز بربط تغلغلها بالأدوات الثلاثة، فالحركة الصهيونية استطاعت في عام (1917) تقنين وشرعنة وجودها وإقامة كيانها من خلال الدفع باتجاه إقرار وعد بلفور المشؤوم" وعد من لا يملك؛ لمن لا يستحق"، ومنذ ذلك التاريخ وهي تعمل على أرضنا الفلسطينية وفي والساحات الدولية لاستصدار القرار تلو القرار لتعزيز كيانها ووجودها، باذلة أقصى جهد ممكن للسيطرة على الصحف والمجلات ووسائل الإعلام وامتلاكها متى ما سنحت لها الفرصة للقيام بذلك، لتسيطر على أقوى المنابر الإعلامية لتوظيفها في إيهام العالم بأنهم شعب تعرض لظلم تاريخي، وشُتت أفراده في أرجاء الأرض، إذ تم توظيف مختلف وسائل الإعلام لتسويق الفكر الصهيوني وبث سمومه في عقول العالم في الوقت الذي غاب فيه الحضور الفلسطيني والعربي والإسلامي.

أمعنت الحركة الصهيونية في مطامعها؛ لتطال سيطرتها الاقتصاد العالمي وسياسات دول عظمى في العالم؛ الذي أصبح العالم متهافتا على خدمة مصالح الحركة الصهيونية، ففي عام (١٩٤٧) صدر قرار هيئة الأمم بتقسيم فلسطين وبعد ثلاثين عاما من وعد بلفور، وأصبحت إسرائيل دولة من لا شيء ، ووقف العرب والمسلمون والعالم عاجزين أمام ذلك، ومارست الحركة الصهيونية وعصابات الهاجانا الترهيب بارتكاب الجرائم والمجازر، وفي المقابل صورت للعالم أن أفرادها يتعرضون للظلم والقمع والتنكيل، وخاضت الحروب الواحدة تلو الأخرى تحت شعارات حماية نفسها ووجودها، مستخدمة نفوذها الإعلامي وقوتها الاقتصادية وتوظيف القوانين والأنظمة لخدمة مصالح وجودها، واستمرت الماكينة الإعلامية الصهيونية في بثّ سمومها عالمياَ حتى تمكنت من غزو وسائل الإعلام العربية، وظهر الإسرائيلي في المناظرات التلفزيونية العربية الشهيرة، لا بل إن الفضائيات تعمدّت إفساح المجال للمتحدث الصهيوني للتفرد بوقت كافٍ ومريح لتزييف التاريخ وقلب الحقائق، في الوقت الذي تمنع فيه مناظيرهم من التعبير ويتعرضون للقمع الإعلامي والتقطيع ، وتغلغل الإعلام الصهيوني ليصل كل بيت عربي في كل دولة، وحلقات مسلسل " أُم هارون " خير شاهد على الغزو الثقافي والفكري، وصفحة المنسق تعمل وتكمل المشهد، وجاءت حملة مقاطعة صفحة المنسق، ومن زخم تداول الحملة على صفحات التواصل الاجتماعي شدني الفضول للدخول لصفحته وتصفحها ومراجعة أسماء المعجبين التي وصل عدد متابعيها أرقاما خيالية مقارنة بأي صفحة فلسطينية وطنية، وما أثار استغرابي أن من بين المعجبين بالمنسق شخصيات مرموقة ووازنة في عالم السياسة والحضور الاجتماعي .

راودني السؤال الآتي: ما الدافع الرئيس الذي جعل المنسق يحصد هذا الكم الهائل من الإعجاب الفلسطيني؟ ففي قراءة سريعة لعدد معجبي المنسق من أبناء شعبنا تكاد تصل نسبتهم إلى (30%) من الفلسطينيين الذين تزيد فئتهم العمرية عن (18) عاما من الذكور والإناث ولهم حق الاقتراع، على اعتبار أن كل من هم في هذه الفئة العمرية يمتلكون صفحات تواصل اجتماعي، وهذا أشبه بالخيال، فعدد من يحق لهم الانتخاب في فلسطين بمحافظاتها الشمالية والجنوبية حسب لجنة الانتخابات المركزية (2202738 ) ناخباً؛ ما يعني أن المنسق يحصل على إعجاب أكثر من أي فصيل فلسطيني!! فأين هو الحضور الوطني؟ وأين هي التعبئة والتوعية؟

أليس جديرا بالاهتمام أن نتفحص سر الإقبال على صفحة المنسق؟! أهو محتوى الصفحة؟ أم خدمات المنسق؟ أم أن السر كامن في احتياجات المواطن الفلسطيني؟ فصفحة المنسق سلعة في سوق العالم الافتراضي لا يشتريها أو ينجذب إليها إلا صاحب حاجة، وليس للمنسق ذنبٌ في عرض سلعته، الذنب ذنب من يشتريها!!!

عدد المنتفعين من خدمات المنسق من العمال الفلسطينيين في الداخل لا يتجاوز (120) ألف عامل، وأصحاب بطاقات رجال الأعمال لا يزيد عن (10) آلاف، وأصحاب تصاريح التجارة ليسوا أكثر من (40) ألف منتفع، إذن؛ المجموع الكلي لا يتعدى (200) ألف، فما الداعي لوجود (450) ألف آخرين من المعجبين والمهللين والمرحبين بالمنسق !!؟؟

ولماذا لم يتم الانتباه لصفحة المنسق من قبل؟ أليس المنسق هو جزء من المنظومة الأمنية والعسكرية للمحتل؟

أسئلة برسم الإجابة لكل فلسطيني حر، ولكل فصيل وطني فلسطيني، ولكل أسرة فلسطينية!!! مع التأكيد على أهمية أن نتجاوز مستقبلا نمطية التعاطي بمنطق رد الفعل، فلو كان هناك وعي شكّل الفعل منذ البداية لما كنّا مع معضلة نتعامل معها من جديد بمنهجية ردّ الفعل، وكأننا نأتي متأخرين دائما كما هو حال الممثل بطل فيلم نمس بوند!!