السبت: 27/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الثالثة لنا وليست علينا..

نشر بتاريخ: 22/06/2020 ( آخر تحديث: 22/06/2020 الساعة: 09:47 )

الكاتب: فهمي سالم الزعارير




في العام ١٩٩٠، كان شَرَكُ أمريكا للعراق، التي أوحت لصدام عبر سفيرتها هناك، أن الخلاف العراقي الكويتي حول حقول النفط هو شأنٌ ثنائيٌ ليس من اهتمام أمريكا حتى لو دخلت القوات العراقية الكويت، وما أن حدث ذلك حتى هيأت أمريكا تحالفاً دولياً لإنهاء سطوة العراق المنتصر في حرب الثماني سنوات مع إيران، مذ ذاك التاريخ لم يُسمح للعراق أن تقوم له قائمة حتى اليوم.
في الجانب الفلسطيني كانت زيارة الشهيد أبي عمار للشهيد صدام في بغداد، لائحة إتهام وإدانة لمنظمة التحرير والفلسطينيين، لم تنفع ولم تشفع كل المبررات لاثبات أن منظمة التحرير لم تُناصر شقيقاً ضد شقيقٍ آخر، وتم إغفال مبادرة فلسطين للخروج من الكويت، وكل المواقف التي تدحض الرواية الاتهامية للمنظمة وزعيمها.
جرى أن أُدخلت المنظمة والفلسطينيين لقائمة عقوبات بدأت بطرد مئات الآلاف من الفلسطينيين من الكويت ودول الخليج، وفُرِضَ حصارٌ ماليٌ شديد على منظمة التحرير، شعر بها أكثر من شعر قيادة منظمة التحرير في تونس (في حينه لم يكن إقتصاد القدس والضفة والقطاع يعتمد على النظام السياسي الرسمي الفلسطيني)، تجاوزت الأزمة في تونس ومن تحت سلطاتها ومسؤولياتها حد عدم دفع الرواتب ووصلت الحاجة لصرف الأغلبية لمدخراتهم حد بيع الكثيرين لمقتنياتهم الخاصة.
وبعد إستكمال إخراج العراق من أرض الكويت، وقبل نهاية السنة الرابعة من عمر الانتفاضة الأولى المباركة، هيّؤوا المكان لمؤتمر مدريد وخلت المقاعد لوفد فلسطيني مستقل، برغم كل ما قدمت منظمة التحرير من الاستعدادية لمفاوضات تكفل السلم والأمن الإقليمي بعد أن كانت أمريكا قد فتحت حوارا مع المنظمة في تونس ١٩٨٨، في النهاية تم توقيع إتفاق إعلان المباديء في ١٣/ ٩/ ١٩٩٣، عبر مفاوضات سرية قادتها منظمة التحرير نيابة عن شعب فلسطين كممثلٍ وحيدٍ له، وكان الإعتراف الأهم في تاريخ دولة الاحتلال والذي فتح لدولة الاحتلال علاقات وتعاون مع دولٍ من أوروبا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا بما فيها الصين والهند، وشُرّع وجودها على أراضي النكبة ١٩٤٨ كاملة، وهذه هي الأولى.

أما الثانية فكانت في العام ٢٠٠٦، دفعت الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي لإجراء انتخابات تشريعية فلسطينية، وضغطت أمريكا حد الإلزام لاجراء الإنتخابات بغض النظر عن أي تحذيرات، فجرت الانتخابات في الشهر الأول من عام ٢٠٠٦ وفازت بها حماس، التي لم يشترط عليها أحد الالتزام بالاتفاقات الموقعة أو الالتزام بمنظمة التحرير أو حتى القانون الأساسي للسلطة التي ترشحت لقيادتها، وطبيعي أن تُشكل الأغلبية البرلمانية الحكومة، وما أن تشكلت الحكومة برئاستها، حتى ظهرت الرباعية الغائبة ووضعت شروطها ودونها حصار مالي، أدى لوقف صرف النسبة الأعظم من الرواتب لعامٍ ونصف، حيث لم تنجح حكومة الوحدة الوطنية (التي شُكلت لتلك الغاية) من تخفيف العقوبات، ودخلت السلطة الفلسطينية وأذرعها التنفيذية في حال من الضعف والارتباك وانعدام الانضباط، ومنها القوى الأمنية على إختلاف تشكيلاتها، التي كانت ضحية مناوشات حزيران ٢٠٠٧، فوقع الانقلاب ووقع الانقسام بين الضفة والقطاع، والذي بعد ١٣ عاما يقترب من الانفصال أكثر من الوحدة.

الثالثة ما الذي يحصل ٢٠٢٠..
منذ فترة طويلة تخصم دولة الاحتلال أموالاً بغير حق لبعض العملاء بقراراتٍ قضائيةٍ إحتلالية، ثم خصمت ما يُدفع للشهداء والأسرى، بداعي الارهاب، ذاتهم التي وقَّع الاحتلال مع إخوتهم إتفاقيات متعدده، واليوم يتم التهيؤ لتنفيذ شق الضم من رؤية ترامب، والقاضية بضم حوالي ٣٠٪ من أراضي الضفة (الأغوار والمستعمرات)، والتي ربما تُقسّم لمراحل أولها المستعمرات مع مجالٍ حيوي، في هذا الظرف وبعد أن عانت السلطة من سوء السمعة عامة، وانحصرت أهداف قادة سلطة الأمر الواقع في القطاع المكلوم بتحسين ظروفٍ حياتيةٍ إنسانيةٍ بطلها العمادي مندوب قطر، وفي ظرفٍ إقتصاديٍ حرج، خصوصا مع اعتماد مئات الآلاف على راتب السلطة، وبرمجة الموظف بالقروض البنكية طويلة الأمد، الآن يتم وقف تحويل المقاصة، للضغط على قدرة المواطن على الصمود، في ظل التحدي الوطني الكبير المتمثل في الضم.

ما الذي يمكن أن يحصل..
يهدف الاحتلال في هذا الحال لإضعاف الثقة بين المواطن والسلطة، والذي لا يأخذ بالاعتبار إنجازات ومحاولات الحكومة الحالية، بل ينظر المواطن الى مدى قدرته على الإيفاء بالتزاماته وواجباته الحياتية، متكئا على سلبيات تقع طبيعيا في السلطة عموما، يظن الاحتلال أنه بهذا يمكن تمرير خطة الضم بيسرٍ ودون ثمن، وإذا كان من حق عدوك أن يُفكر، فإن من واجبنا أن لا نَسقُط للمرة الثالثة في نفس الشَرَك.. كيف يمكننا أن نواجه كي تكون الثالثة لنا وليست علينا، وأن لا نُلدغ من ذات الجحر ثلاث مرات،
سأحاول الاجتهاد في مقالة تابعة ..