السبت: 04/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

دلالات حضور الطفل الدوابشة ووالدة الشهيد الحلاق.. مهرجان أريحا

نشر بتاريخ: 23/06/2020 ( آخر تحديث: 23/06/2020 الساعة: 15:36 )

الكاتب: هبه أ. بيضون

من منا لا يذكر الطفل أحمد الدوابشة، الذي حرق المستوطنون منزل عائلته وهم متواجدون فيه جميعاً قبل ما يقارب خمس سنوات، كان الطفل أحمد هو الناجي الوحيد من بين أفراد العائلة البالغ عددهم أربعة أفراد.

على الرغم من الحروق التي لا زال يعاني منها الطفل أحمد، وبالرغم من الآلام النفسية التي رافقته ولا زالت منذ إستشهاد والديه وأخيه الرضيع، إلا أنه تقدم الصفوف رافعاً العلم الفلسطيني في حر أريحا اللّهاب.

قد يكون حضور أحمد مر مرور الكرام لدى البعض في خضم الحشد الكبير الذي كان في أريحا يوم الأثنين الموافق 22 حزيران، وفي خضم تسليط الأضواء على الضيوف من ممثلي الدول والمنظمات الدولية الذين حضروا لمؤازرتنا ودعم موقفنا، وللتعبير عن رفضهم الصارم لجريمة الضم التي ينوي نتنياهو القيام بها في بداية تموز كما قال وكما أكد جانتس، إلا أن هناك من التفت إلى حضور الطفل أحمد والتقط له صورة جانبية تظهر فيها الحروق التي لا زالت ظاهرة بوضوح في وجهه وهو جالس يرفع العلم الفلسطيني في يده المجعدة من لهيب النيران التي أكلتها عند وقوع الجريمة.

ومن جانب آخر، فقد حضر المهرجان والدة الشهيد إياد الحلاق الذي ارتقى مؤخراً على يد جنود الإحتلال تحت ذريعة أنه كان مسلحاً، وكما نعلم جميعاً بأن الشهيد كان من ذوي الإحتياجات الخاصة ولم يكن يحمل إلا قلب طفل يبلغ من العمر سبع سنوات في جسد رجل بلغ من العمر ما يقارب الثلاثين عاماً.

إن حضور الطفل ووالدة الشهيد للمهرجان لم يأت من فراغ، بل جاء يحمل رسالات لتوصل إلى العالم من خلال سفرائه وممثليه، ومن خلال وسائل الإعلام التي غطت المهرجان، والتي اقتصرت حسب علمي – وقد أكون مخطئة في ذلك- على تلفزيون فلسطين والإعلام المحلي فقط.

لقد أراد الطفل أحمد الدوابشة بحضوره تذكير العالم بوحشية وهمجية المستوطنين وعنصريتهم وعدم إنسانيتهم، ليرى العالم حروقه التي مضى عليها سنوات دون أن تختفي، وقد لا تختفي نهائياً على الرغم من العلاج المستمر الذي يتلقاه وعمليات التجميل التي خضع وسيخضع لها مستقبلاً، وقد تركت أثاراً جسدية ونفسية مؤلمة، في حضوره أيضاً رسالة تحدي للنظام العنصري الذي يتواطأ مع المجرمين من مواطنيه ومع المستوطنين في جرائمهم ضد أبناء شعبنا بغض النظر عن إن كانوا نساء، شيوخاً أم أطفالاً، في حضوره إصرار وعزيمة وتصميم على أنه مهما فعلتم بي وعلى الرغم من الوضع الذي أعانيه، فإن ذلك لم يثنيني عن القيام بواجبي نحو وطني والمطالبة بحقي، فنحن صامدون لا نستسلم، ونرفع رايتنا وعلمنا الفلسطيني على أرضنا الفلسطينية التي هي حق لنا ولن نتنازل عنها.

أما بالنسبة لوالدة الشهيد، الأم المكلومة الصابرة التي فقدت وحيدها برمشة عين، وحيدها الذي لا يعرف إلا الحب والسلام والعطاء والبراءة، والذي قتل بدم بارد بسلاح مدجج بالرصاص في يد جندي عنصري حاقد جبان، فقد اعطيت الشرف وكرمت بإلقاء كلمة فلسطين أمام هذا الحشد الغفير وأمام الضيوف العرب والأجانب الذين حضروا للتأكيد على رفضهم إعادة إحتلال الأرض الفلسطينية، جاءت أم الشهيد إياد لتوصل رسالة تذكر العالم فيها بالظلم الذي وقع على إبنها الشهيد وعلى الكثيرين أمثاله من الشباب والأطفال والرجال والنساء والشيوخ الفلسطينيين، جاءت لتقول للعالم إن الأم الفلسطينية ليست كأمهات العالم، فهي لا تنوح ولا تمضي سنوات في حالة حداد وحزن وصدمة كباقي الأمهات، ولكنها تعبر عن حزنها بطريقة مختلفة لا تخلو من العنفوان والعزة والكرامة، فهي إمرأة قوية صابرة صامدة محتسبة أمرها لله، إمرأة تتقدم الصفوف وتقوم بواجبها النضالي مباشرة بعد أن تكون قد فقدت أغلى ما عندها وهو إبنها، مقتنعة بقدرها وبقدره ومؤمنة بالقضاء وفخورة بشهيدها الذي قضى ظلماً ودفاعاً عن أرض فلسطين.

إن تكريم أم الشهيد إياد حلاق بإلقائها كلمة فلسطين جاء أيضاً ليؤكد للعالم أجمع بأن فلسطين وقيادتها وشعبها لا تنسى شهداءها، وفي ذلك رسالة وفاء للشهداء كما الأسرى وتأكيداً على أننا لا نتخلى عن شهدائنا وأسرانا وجرحانا ولا عن عائلاتهم مهما تعرضنا له من ضغوطات.

إن حضور هؤلاء الرموز في هذا المهرجان الوطني الكبير الذي دعت له ونظّمته حركتنا العتيدة فتح، لا يقل أهمية عن حضور أي ممثل أو سفيرلدولة أو نظمة، وفيه من القول البليغ الكثير من معاني التحدي والشجاعة والصبر والصمود والتمسك بالأرض وبالحق ودعم القيادة الشرعية وإستعداداً للمواجهة في شتى أشكالها من أجل إحباط وإفشال مشروع الضم الصهيوأمريكي.