الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

حركة حماس: تتجنب الصواب في تعريف الصراع في فلسطين في اللحظة الراهنة

نشر بتاريخ: 27/06/2020 ( آخر تحديث: 27/06/2020 الساعة: 11:54 )

الكاتب: العميد: أحمد عيسى

كانت حركة حماس قد فازت بأغلبية مقاعد البرلمان الفلسطيني في الجولة الثانية من الإنتخابات التشريعية التي جرت في مناطق السلطة الفلسطينية العام 2006، محمولة على مجموعة من الشعارات التي يحسب لقيادة حماس والفريق الذي قاد حملتها الإنتخابية النجاح في تصميمها لتصبح محددات للسلوك الإنتخابي للناخب الفلسطيني في تلك الجولة من الإنتخابات.

وكان من أهم هذه الشعارات الشعار الذي قدمته حركة حماس على هيئة سؤال استفزازي للوطنية الفلسطينية والذي كان نصه "إذا كانت أمريكا تقول لا لحماس! فأنت ماذا تقول؟"

اليوم وبعد مرور أربع عشرة عاماً على إنتخابات المجلس التشريعي، من الواضح أن حركة حماس تعيد توظيف هذا الشعار، ولكن بشكل مقلوب هذه المرة، إذ تردد على لسان الصف الأول من قيادتها، وكتاب أعمدتها اليومية منذ بداية شهر يونيو/حزيران الجاري "إذا كانت إدارة الرئيس ترامب لا تريد القيادة الفلسطينية الحالية، فنحن كذلك لا نريدها".

وفيما لكل سببه في رفض القيادة الفلسطينية، إلا ان هناك توافق لا يمكن إخفائه بين الطرفين على هذا الرفض، وقد يكون هذا التوافق قد تم عمداً أو خطأً أو جهلاً، إلا أن النتيجة التهائية تبقى واحدة في الحالات الثلاث.

وكانت الإدارة الأمريكية بإدارة الرئيس ترامب كعادة إدارات سابقة هي الأسبق من قيادة حماس في إعلان موقفها الرافض للقيادة الفلسطينية حين ترفض الخضوع لرؤيتها ومقترحاتها، الأمر الذي يعيد للأذهان دعوة الرئيس بوش الإبن العام 2002 حين دعى الشعب الفلسطيني للخلاص من الرئيس الراحل ياسر عرفات وإستبداله بقيادة فلسطينية جديدة، حيث استجاب لدعوته نفر من الشعب ها هم اليوم في موت سياسي، أما الإدارة الحالية فقد بدأت التحريض ضد القيادة الفلسطينية من خلال السيد دافيد فريدمان السفير الأمريكي لتل أبيب، إذ وصف في مقابلة له مع صحيفة نيويورك تايمز بتاريخ 3/6/2019، القيادة الفلسطينية الحالية قائلاً "القيادة الفلسطينية هي العقبة أمام تحسين حياة الفلسطينيين".

وفي ذات السياق خاطب السيد جاريد كوشنير مستشار البيت الأبيض الذي يترأس الفريق الأمريكي المشرف على إعداد صفقة القرن، وصهر الرئيس ترامب، الشعب الفلسطيني عبر موقع (Axios) بتاريخ 25/6/2019، بالقول "لا تصدقوا كل ما ينقله لكم البعض (يقصد القيادة الفلسطينية) التي وصفها في مكان آخر بتاريخ 3/7/2019 بأنها "لا زالت حبيسة أفكار ومعتقدات قديمة، فيما اللحظة الراهنة تتطلب أفكار جديدة".

من جهتها حركة حماس (ومن خلال صفها القيادي الأول ممثلاً برئيس المكتب السياسي السيد إسماعيل هنية، ونائبه الشيخ صالح العاروري، وعضو المكتب السياسي الدكتور محمود لزهار ونائب المكتب السياسي للحركة في قطاع غزة السيد خليل الحية والسيد ابو عبيدة الناطق الرسمي باسم كتائب القسام والسيد غازي حمد أحد أهم كتاب حماس)، قد بدأت منذ بداية الشهر الجاري الجهر بموقفها الرافض لمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني واصفة القيادة بالضعف والعجز وعدم القدرة على تلبية حاجات وطموحات الفلسطينيين، وتدعو بالمقابل الى تشكيل قيادة وطنية جديدة للشعب الفلسطيني.

قد يجادل البعض هنا أن لا جديد في موقف حركة حماس من المشروع الوطني الفلسطيني وقيادته، لا سيما وأن هذا الموقف هو ديدن الحركة منذ إنطلاقتها العام 1988، إذ قدمت نفسها قولاً وعملاً بديلاً عن المشروع الوطني الفلسطيني، وطالبت كل مكوناته وفصائله اللحاق بها وبمشروعها دون اعتراض أو نقاش باعتباره البديل الرباني المقدس الذي لا يجوز مخالفته أو الإختلاف معه.

وعلى الرغم من وجاهة هذه المجادلة، إلا أن هذه لمقالة ترى أنه لا يخفى على كل ذي بصيرة أن الجديد المتضمن في موقف حركة حماس هذا، يكمن في توقيت الإعلان عنه، وفي الجهة أو الجهات التي يخاطبها، وفي تطبيقاته العملية لا سيما في الضفة الغربية، وأخيراً في توافقه مع موقف الإدارة الأمريكية الذي كانت الحركة قد أعلنت أكثر من مرة وفي أكثر من مكان رفضها له وإستعدادها لمقاومته وإفشاله.

فمن حيث التوافق مع موقف الإدارة الأمريكية فقد جرى توضيحه في فقرات سابقة من هذه المقالة، أما من حيث الجهات التي خاطبها الموقف فقد وضحها السيد خليل الحية نائب رئيس المكتب السياسي للحركة في غزة في خطابه الذي ألقاه في المؤتمر الشعبي لمواجهة قرار الضم وصفقة القرن الذي انعقد في غزة يوم الأربعاء الموافق 17/6/2020، حيث خاطب ابتداء الرئيس محمود عباس وطالبه أن يسارع في عقد إجتماع وطني على أعلى المستويات لمواجهة قرار ما وصفه بسرقة الأراضي الفلسطينية، ثم خاطب حركة فتح، ومنتسبي الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية، وإنتهاء خاطب الشعب في الضفة الغربية قائلاً " نحن سندكم ونقف في ظهركم ولا مجال للإنتظار".

ومن حيث المعاني أو التطبيقات العملية لهذا الموقف، لا سيما في الضفة الغربية، فمن الواضح أن حركة حماس وغيرها من الأطراف لن تنتظر طويلاً كي يحدث الإنهيار التدريجي للسلطة الوطنية في الضفة الغربية كما يبدو في خطة حركة فتح لمواجهة الضم وصفقة القرن، إذ ستسعى الى التسريع بحدوثه من خلال تنفيذ عمليات عسكرية نوعية في الضفة الغربية وإنطلاقاً منها خاصة وأن أكثر من نصف المجتمع أي ما نسبته 52% من الشعب في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية تؤيد العودة للعمل المسلح إذا ما نفذت إسرائيل قرار الضم، حيث يعتقد ما نسبته 66% من المجتمع أن الحكومة الإسرائيلية ستطبق قرار الضم، وذلك وفقاً لإستطلاع الرأي الأخير الذي نفذه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، الأمر الذي يتجلى بوضوح في تصريح السيد ابو عبيدة المتحدث باسم كتائب عز الدين القسام يوم الخميس الموافق 25/6/2020 حيث اعتبر قرار الضم بمثابة إعلان حرب على الشعب الفلسطيني.

أما من حيث التوقيت، فكان من اللافت تزامن هجوم قيادة حماس على القيادة الوطنية الفلسطينية (التي رفضت خطة صفقة القرن وأعلنت تحللها من الإتفاقات المبرمة بينها وبين كل من الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأمريكية بما في ذلك الإتفاقات الأمنية، المواقف التي ثمنتها حركة حماس) مع بلوغ مسيرة تسوية الصراع العربي الإسرائيلي من خلال المفاوضات، لا سيما على المسار الفلسطيني الإسرائيلي إلى نهايتها، خاصة بعد كشف إدارة الرئيس ترامب عن خطة صفقة القرن التي اتضح أنها لا تنوي تسوية الصراع بل تسعى الى فرض الإستسلام على الشعب الفلسطيني وإزاحته عن مسرح التاريخ.

وفي هذا الشأن ترى هذه المقالة أن هذا التزامن يكشف عن وجود تقدير لدى حركة حماس وربما لدى أطراف إقليمية ودولية تتقاطع مصالحها مع حركة حماس، مفاده أن المشروع الوطني الفلسطيني الذي تقوده منظمة التحرير الفلسطينية ويسعى الى إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية قد وصل الى محطته النهائية دون تحقيق غايته، الأمر الذي يُفقد وفقاً لتقدير حماس القيادة الفلسطينية أهليتها وأحقيتها في مواصلة قيادة المشروع الوطني الفلسطيني، لا سيما بعد ثبوت ضعف هذه القيادة وعجزها وهشاشتها، فضلاً عن أنها قد أصبحت سيئة السمعة والصيت، مما يعني أن مسألة إستبدال القيادة الحالية هي مسألة وقت لن يكون طويل.

وعلى ضوء ذلك ترى حركة حماس أنها أكثر أحقية من غيرها من أطراف فلسطينية وغير فلسطينية بتشكيل القيادة الوطنية الجديدة وفقاً لمقالة السيد غازي حمد الأخيرة التي حملت عنوان "الحل يكمن في قيادة وطنية جدية"، لا سيما وأن حماس قد أعادت تعريف ذاتها في وثيقة المبادئ والسياسات العامة المنشورة في الأول من آيار العام 2017، إذ أصبحت حركة تحرر ومقاومة وطنية فلسطينية إسلامية، بعد أن كان قد عرفها ميثاق العام 1988 بحركة المقاومة الإسلامية حماس.

كما ترى هذه المقالة أن تقدير حركة حماس الذي يجري إعادة إنتاجه بكثافة منذ بداية الشهر الجاري على لسان قيادة حماس السياسية والعسكرية، ينطوي على خطأ إستراتيجي في دقة تعريف الصراع الدائر في فلسطين في اللحظة الراهنة، فالصراع الدائر في فلسطين في اللحظة الراهنة هو صراع ما بين الشعب الفلسطيني الذي يسعى للتحرر من إحتلال وإستعمار عنصري إسرائيلي أمريكي، وبين هذا الأخير الذي يسعى لتسجيل إنتصار حاسم على الشعب الفلسطيني وإكمال ما لم يكتمل في العام 1948، الأمر الذي يعني وفقاً لما كتبه المبدع المصري (مصطقى حجازي)، أن صرف الصراع الى غير ذلك هو إهدار لطاقة المجتمع وإجهاد له ولمشروعه التحرري، أو إجهاض له.

فالصراع في فلسطين الآن ليس أبداً صراع على تغيير نظام سياسي بنظام آخر قد جاء دوره، أو صراع ما بين أيدولوجيات قد جاء موعد أن ترث إحداها الأخرى، هو صراع في مضمونه صراع قيمي ما بين شعب مظلوم وإستعمار عنصري فاشي ظالم يشهد العالم برمته على ظلمه وعنصريته، وقد وصل هذا الصراع الى ذروته بعد الكشف عن صفقة القرن وعزم الحكومة الإسرائيلية على ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية لسيادتها من جانب واحد، وذلك في لحظة يحاول فيها الفلسطينيين لملمة شتاتهم، وإستعادة معنى الوطن فيهم، الأمر الذي يعني أن نقطة البداية في هذا الصراع تكمن في إحياء المجتمع، وملمح النصر فيه تتجلي في إستعادة معنى الوطن، وظني أن هذه هي مفاتيح الحل، لا سيما وأن حركة حماس التي تدعو للإنقلاب على منظمة التحرير الفلسطينية ونشكيل قيادة وطنية جديدة للشعب الفلسطيني"قد فشلت في قيادة المشروع الوطني، كما فشلت في تقديم بديلاً سياسياً عن مشروع أوسلو، كما أنها لم تتمكن من تقديم نموذج جديد في إدارة شؤون الحكم، والأهم من ذلك أنها فشلت في تطوير ونقل بنيتها الفكرية وسلوكها السياسي والمجتمعي من الإطار التنظيمي المحدود إلى الإطار الوطني الأوسع وذلك طبقاً لقول للسيد غازي حمد العام 2017، في مقالته التي حملت عنوان (حماس إذ تدخل عامها الثلاثين.. ).