الكاتب: د. أحمد رفيق عوض
توسيع حلف أبراهام يفترض مسألتين ضروريتين، الأولى وقف إطلاقالنار وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، أما الثانية، فهو "الكلام"الغامض عن دولة فلسطينية دون "الكلام" عن إنهاء الاحتلال، ولهذا،تجد الرئيس الأمريكي يتدخل بطريقة غريبة، ولم تحصل فيالعلاقات بين الدول، من أجل تبرئة نتنياهو وإبعاد وصمة العار عنه،لتأهيله مرة أُخرى لخوض انتخابات جديدة والحصول على تفويضجديد من الجمهور الإسرائيلي، ونحن لا نعرف أبراهام، نحن نعرفالنبي إبراهيم الذي كشف زيف مدينة كاملة وحطّم أصنامها وهو مايزال شاباً غض الإيهاب، فحكموا عليه بالحرق حياً فأنجاه اللهتعالى، فأصبح حكاية لا يمحوها الزمن، ولكن تجارب النبي العظيملم تنتهي في أنه هزّ أركان مدينة وثنية كاملة، بل بحث عن معنىالله بعقله، فأتاه الوحي في قصة عكست قلق الإنسان الدائم وبحثهعن خالق الخلق باعتباره واجب الوجود، ولم تتوقف سيرة النبي إبراهيمورحلته الروحية التي لا مثيل لها، فقد أمره الوحي في الحلم أن يذبحابنه كدليل على إيمانه وصبره وتسليمه، فما كاد أن يفعل حتى تمافتداء النبي الوليد بذبح عظيم من السماء، وهي تجربة إنسانيةفريدة من نوعها، قدّمت للجنس البشري كله ماهيّة العلاقة بينالإنسان وخالقه، وانتهى إبراهيم في رحلته الروحية الموحية التي تقدمالنموذج الكامل للإنسان الباحث المفكر والمتأمل إلى أن يسأل عنكيفية الخلق، وكان أن تم تقديم الإجابة الإلهية النهائية أن الروح ترجعإلى خالقها محبةً واختياراً وخضوعاً وانقياداً، لهذا، أُعطى إبراهيمصحفاً كجائزة على بحثه وإيمانه وصبره، هذا هو النبي إبراهيم الذينعرفه، نبياً وإنساناً ومناضلاً ومضحياً بجسده أولاً ثم بجسد ابنه منأجل مرضاة الله لليس إلا، وبالتأكيد، فإن نبياً مثل هذا لن يقبل الظلمولا الضيم ولا غمض الحقوق ولا ضياع الأوطان، من حطم أصنامالمدينة ذات يوم لن يقبا أن يٌقيم أصناماً جديدة أُخرى.
توسيع حلف أبراهام يَقصد دمج إسرائيل في المنطقة وقبولها والتعاملوالتعاون معها دون الالتفات إلى حقوق شعب كامل يتم تجاهله وقمعهوحصاره وتجريده من كل الحقوق الإنسانية بحدودها الدنيا، ونحن هنالا نقدم الدروس أو النصائح لأحد، ولكننا نحذر من أن الترتيب الرديءيقود إلى نتائج رديئة، من الواضح أن هناك تحركات دولية وإقليمية منأجل حلِّ ذي إطارٍ واسع تشارك فيه دول إقليمية أيضاً من أجل إعادةتشكيل المنطقة العربية والإسلامية عن طريق ما يسمى الآن السلام منخلال القوة، يعني بعد 22 شهراً من الحرب الضروس التي شنتهاإسرائيل على ثمانِ جبهات وليس سبعة، فإن إسرائيل مدعومة بالولاياتالمتحدة الأمريكية تريد أن تحصد ذلك سياسياً، من خلال توسيع دائرةالتطبيع مع العرب والمسلمين، وفي طريق تحقيق ذلك، لابد من تسويةالصراع الفلسطيني الإسرائيلي بوعودٍ كاذبة وترتيبات أمنية قاسية ومشاركة دولية إقليمية تضمن الإشراف والرقابة والمشاركة في عمليةتغيير هائلة للبنية الاجتماعية والهيكلة السياسية والوعي والاتجاهات،وهذا يعني أن ما يسمى توسيع حلف أبراهام يفترض تغييراً نوعياً فيالمجتمع الفلسطيني يشمل إعادة الخيارات السياسية والهدوء الأمنيوالسيطرة على منابع التمويل وإعادة الأولويات من خلال برمجة أُخرىللوعي، وتفصيل هذا الكلام يعني الانقلاب على كل ما تم إنجازه حتىالآن، لا دولة ولا نهاية للاحتلال ولا تواصل جغرافي، يرافق ذلك تدخلإقليمي وضم وطرد وهندسة ديموغرافية جديدة وجغرافية مختلفة، منخلال مستوطنات جديدة وشبكة طرق تخدم الأهداف الاستعمارية.
توسيع حلف أبراهام يفترض أن يكون نتنياهو في السلطة حتى عام2028، ويفترض أن يتخلص من اليمين المتطرف واليمين الحريدي،ويفترض أيضاً أن يُبرَّأ أولاً ثم أن يأتي بالأمن والسلام معاً، ليتحولبعد ذلك إلى أول رئيس وزراء إسرائيلي يفعل ما لم يفعله حتى بنغوريون نفسه.
لماذا يتدخل ترامب لصالح نتنياهو بهذا الشكل الحديث والعنيد إلىدرجة التهديد بالتمويل أو الدعم العسكري؟! ما الذي يدفع رئيس دولةعظمى إلى مثل هذا الموقف الغريب؟! هل هو الطموح الشخصي بأنيكون صانع سلام عالمي؟ أم هو ضغط اللوبيات اليهودية والصهيونية؟أم هي دوافع دينية يرى ترامب من ورائها أن يكون شخصية محوريةتوراتية في تاريخ "شعب مقدس" كما يدّعي؟ أم هي دوافع اقتصاديةبحتة يريد من خلالها أن يجعل منطقتنا منطقة هادئة لاستغلالواستنزاف ثرواتها بهدوء، وتحويلها إلى محور اتصالات عالمية تغيرطرق التجارة العالمية؟ أم أن الدوافع هي كل ما سبق ذكره آنفاً؟
أعتقد شخصاً أن هناك إنضاج لتسوية جزئية في قطاع غزة تريدهاكل الأطراف، ترامب يريدها ليستكمل نجاحاته الدبلوماسية في الهندوباكستان وإيران والكونغو ورواندا، الجمهور والمعارضة الإسرائيلية تريدها، حتى أعضاء من حكومة نتنياهو يريدونها، ويبدو أن المستوىالعسكري أيضاً يمهد للتسوية بالقول إن أهداف حملة عربات جدعونقد تم تحقيقها باحتلال ثلاثة أرباع القطاع، وأن استمرار هذه الحملةسيضر بالأسرى، وكأنهم اكتشفوا ذلك الآن، فهل محاولة تبرئة نتنياهوهي جائزة تقدم له من أجل القبول بهذه التسوية المُرة جداً في بلعومه؟
مهما كانت الأسباب، فإننا نحن الشعب الفلسطيني لن نكونالخاسرين في أي صفقة يتم التوصل إليها إقليمياً، قد نُظلم وقدنستبعد وقد تغمط حقوقنا، ولكننا بالتأكيد نؤمن بالنبي إبراهيم الذيقال للملك الكافر المعاند (إن الله يأتي بالشمس من المشرق فاِت بها منالمغرب)، تماماً مثل يومنا هذا، هذا شعبي مظلوماً ومقهوراً، ولكنه باقٍ.