الجمعة: 26/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الضم اغتيال سياسي للحلم الفلسطيني

نشر بتاريخ: 28/06/2020 ( آخر تحديث: 28/06/2020 الساعة: 17:06 )

الكاتب:

د.سعيد شاهين

أكاديمي وباحث

تشكل عملية ضم الاغوار والتجمعات الاستيطانية في الضفة الغربية المحتلة اذا ما تمت أكبر تحدٍ للإرادة الدولية وصلف صهيوني استعلائي ينفي أي احترام أو إقرار بوجود للقانون الدولي، الذي طالما ادعت إسرائيل أنها تحترمه لأنها دولة قانون، ويؤكد الشروع في هذا العدوان أن منطق العنجهية والقوة الفائضة هو أعلى من الحقوق والقانون ويشكل ضربة قاسمة لما يسمى بعملية السلام. ومع بداية التنفيذ المزمع في ، المقبل ستسدد دولة الكيان الإسرائيلي الاحتلالي لكمة قوية في وجه الجهود الدولية والعربية، وبصق في وجه م.ت.ف، التي وقعت اتفاقية أوسلو وتنازلت بموجبها عن كثير من الثوابت الفلسطينية اقدسها أن فلسطين لا تقبل القسمة منذ قرار التقسيم 181 ،والذي رفض عربياً حينها لتتنازل م.ت.ف احتراما لقرار دولي مجحف هو 242 و338 لأجل إنهاء الصراع و إحلال السلام، حيث قد سبق ذلك ضم القدس والجولان السوري المحتل والإبقاء على مزارع شبعة اللبنانية كشعرة معاوية لجر لبنان الى سلام ذليل كما فعلت اسرائيل مع أشقائها العرب. أن عملية الضم تعني قتل أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية، وإعلان حقيقي من قبل دولة الاحتلال لتصفية القضية الفلسطينية بشكل كامل وانهاء كل ما أطلق عليه بملفات الحل النهائي ومنها القدس والمياه واللاجئين بشكل أحادي الجانب، وهذه الخطوة ستدفع إلى إعادة الصراع إلى المربع الأول ما قد يفجر المنطقة ويقودها إلى دوامة عنف جديد، سيكون ضحاياه بالدرجة الأولى أبناء الشعب الفلسطيني. وتسعى اسرائيل بعد تنفيذها للضم إلى تحويل السلطة الفلسطينية إلى جهاز يرعى مصالح الإحتلال الأمنية والإدارية والإنسانية عوضا عن سلطات الإحتلال، التي يفترض بها بموجب القانون الدولي أن تتحمل تبعات احتلالها لشعب آخر في كافة المجالات ، في حين أن السلطة الفلسطينية تقوم بكل الأدوار ، بحيث بات احتلال الأرض الفلسطينية أمر غير مكلف بل ومربح بشكل لافت لإسرائيل. وتعتبر محاولة الدفع بالسلطة الفلسطينية للقبول بالعمل كشرطي لحماية دولة الاحتلال ومستوطنيه أمر منبوذ ومرفوض جملة وتفصيلا أوساط القيادات الفلسطينية، والتي قد تقود إلى انخراط أبناء الأجهزة الأمنية في عمل مسلح لإفشال خطط الإحتلال ودفع دولة الإحتلال الإسرائيلي إلى جادة الصواب. سلطات الإحتلال تقوم بدراسة أي خطوة غير محسوبة ( كما تصفها) من قبل الفلسطينيين وتصريحات قادة الاحتلال والمستوى الأمني تؤكد أن لا تغيير حقيقي في موقف القيادة الفلسطينية فيما يخص إمكانية اندلاع مواجهات مفتوحة مع إسرائيل. ولا يخفى على أحد الموقف الأمريكي الداعم والراعي والمشرِع والمنحاز إلى جانب إسرائيل من قبل الإدارة الأمريكية التي يهيمن عليها شخصيات يهودية وأمريكية تدين بالولاء المطلق لإسرائيل ويعرف بالتيار المتشدد (الصهيونية المسيحية الأمريكية). عملية الضم تأتي ضمن سياق ما يعرف بصفقة القرن الإسرائيلية الأمريكية، والتي تؤسس إلى بناء نظام فصل عنصري برعاية أمريكية كونها الدولة الاقوى في العالم بمفهوم حلفاء امريكا والعالم حتى هذه اللحظة حتى يتشكل النظام الجديد المنشود متعدد الأقطاب. لن يقبل الشعب الفلسطيني العيش في جيتوهات معزولة أو تحديدا جزر مقطعة الأوصال تحت رحمة الاحتلال، سعياً من الإحتلال لتحقيق نظام فصل عنصري بغيض يرمي إلى الاستيلاء على الأرض وحبس الشعب الفلسطيني في سجون كبيرة، وذلك ضمن نظريته والتي تصفنا بالنفايات البشرية الرخيصة، والتي لابد من التخلص منها حتى يتسنى لهم تحقيق حلمهم في إقامة دولة صهيونية يهودية نقية.

الفصائل والقوى السياسية الفلسطينية توعدت بمواجهة خطة الضم من خلال بيانات وتصريحات لا تسمن ولا تغني لأن العشرين سنة الأخيرة من عمر أوسلو شهدت تحولات جذرية في بنية التفكير الوطني لدى شرائح واسعة من الشعب الفلسطيني على الأقل في الضفة الغربية لم تحرك فيها ما يدفعها إلى الخروج ومواجهة هذه المخططات، حيث امتازت ردات الفعل الجماهيرية على إعلان القدس عاصمة لدولة الاحتلال بالفتور الغير مسبوق كما هو الحال على بالنسبة للضم. وهذا يعود الى ايمان السلطة الفلسطينية أن الخيارات الدبلوماسية قد تجلب لنا الدعم السياسي للتصدي لسياسات الإحتلال رغم البيانات المحذرة من عملية الضم والتي صدرت من أكثر من عاصمة ومنها عواصم الاتحاد الأوروبي وسبقها آلاف من البيانات ،التي لم تمنع إسرائيل من تنفيذ مخططاتها بل أعطتها دفعة لتمرير مخططاتها والواقع أثبت أن المشروع الاستيطاني في توسع والحلم الفلسطيني في تراجع على أرض الواقع ، وليس كما يروج أن الفلسطيني حقق نجاحات كبيرة ومرغ انف اسرائيل في التراب على الساحات الدولية . هذه النجاحات هي افتراضية في فضاء سياسي افتراضي لا وجود له على أرض الواقع من ناحية السيادة ، وهذا معروف لكل أبناء شعبنا ومؤسساته .

تصريحات بعض القيادات من غزة الجريحة والمحاصرة اعتبار عملية الضم بمثابة إعلان حرب، هي أيضاً لن تخيف إسرائيل ولن تلجم مساعيها في الوقت الذي تعلم فيه ان حركة حماس تتلقى المساعدات لابقائها حية بموافقة الإحتلال من خلال السفير القطري. ردود الفعل العربية لن تغير من الواقع شيئاً، لأن اسرائيل باتت واثقة أن العرب باتوا أكثر ضعفا وانقساما وتواطؤاً مع قضية فلسطين باستثناء الموقف الأردني ، الذي يدرك حجم مخاطر الضم على الاردن سياسيا . ويبقى السؤال هل بمقدور الفلسطيني أن يواجه هذا المشروع التصفوي بمفرده؟، والإجابة نعم إذا ما تحققت الوحدة الوطنية وتغلبنا على الإحباط والخنوع لمصلحة الفصيل على حساب الوطن. كان الله في عون فلسطين وشعبها.