الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

نتنياهو يؤجل الضم لكسب أصوات المستوطنين

نشر بتاريخ: 28/06/2020 ( آخر تحديث: 28/06/2020 الساعة: 17:43 )

الكاتب: د. علي الأعور

على مدى ثلاث جولات انتخابية عاشت إسرائيل ازمة سياسية لم تعرفها من قبل وذلك بسبب شخص واحد اسمه نتنياهو حتى يتمكن من الالتفاف على التهم الموجهة له من قبل المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية " افيحاي مندلبليت وكان اشهرها ملف الرشوة والذي على اثره تم اجبار نتنياهو على حضور الجلسة الأولى لمحاكمته في المحكمة المركزية في القدس في شارع صلاح الدين وجلوسه على مقعد المتهمين لسماع التهم الموجه له رسميا من قبل المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية على أساس لا احد فوق القانون وجميع الجمهور الإسرائيلي سواسية امام القضاء.

ولكن المهم تمكن نتنياهو من تحقيق انتصارات كبيرة جدا في كسب الوقت وعدم تشكيل حكومة إسرائيلية من اجل تمديد الفترة الزمنية لمحاكمته وخاض ثلاث جولات انتخابية كان اخرها في الثاني من مارس الماضي وتمكن من عقد اتفاق سياسي مع قائمة ازرق ابيض لتشكيل حكومة طوارئ وطنية بعدد 34 وزيرا و ستة عشر نائب وزير مع تبادل في منصب رئاسة الحكومة مع بيني غانتس رئيس قائمة ازرق ابيض وتبادل في الوزارات والمناصب الوزارية لعدد من مسؤولي الليكود .

السؤال المهم : لماذا أراد نتنياهو تشكيل حكومة مع غانتس تحت شعار الضم وتطبيق السيادة الإسرائيلية على اكثر من 30 في المائة من مساحة الضفة الغربية من الأراضي الفلسطينية المحتلة مع ان الضم يتنافى مع فلسفة وفكر نتنياهو اليميني ؟

أولا: وجد نتنياهو ان قائمة ازرق ابيض وليبرمان والقائمة المشتركة يشكلون احدى وستون مقعد وباستطاعتهم سن ما يعرف بقانون نتنياهو في الكنيست الذي ينص على منع أي عضو كنيست من تشكيل حكومة متهم بقضايا فساد وجنائية وبالتالي لم يكن امام نتنياهو من مفر في تشكيل حكومة مع غانتس لمنع سن هذا القانون في الكنيست الإسرائيلي.

ثانيا: أراد نتنياهو الهروب من المحاكمة ولم يجد امامه مفر من تشكيل الحكومة الإسرائيلية مع غانتس حتى يتمكن من خلال رئاسته للحكومة من توجيه القضاء وتعيين وزير العدل ومنح فريقه للدفاع عنه مزيدا من الوقت لعقد جلسات المحاكمة والتي ربما تستمر سنوات.

ثالثا: وصل نتنياهو الى قناعة بانه لن يتمكن من تشكيل اغلبية يمنية لتشكيل حكومة بمفرده من حزب الليكود والمستوطنين وحزب يمينا والحريديم وبالتالي ارسل اريه درعي للتفاوض مع غانتس ومنحه تطمينات للقبول بتشكيل حكومة وطنية مع نتنياهو على الرغم من الوعود والعهود والتصريحات النارية التي اطلقها غانتس لليسار بانه لن يشارك في حكومة برئاسة نتنياهو.

وعلى الرغم من ان الاتفاق السياسي بين نتنياهو وغانتس يمنع غانتس من الاعتراض على الضم وخصوصا ضم الاغوار وشمال البحر الميت ومناطق ج في الأراضي الفلسطينية المحتلة الا ان نتنياهو وخلال شهرين كان يصدر التصريحات بانه ماض في الضم وسوف يطبق الضم في الأول من يوليو القادم ولكن اصبح واضحا للجميع بان قرار الضم هو قرار امريكي ترمبي وسوف يصدر من البيت الأبيض وليس من تل ابيب واخذ نتنياهو يضع مقياس ترموتر لمعرفة ردود الأفعال الفلسطينية والعربية الدولية والأمريكية واهمها رد فعل المستوطنين على خطوة الضم الرسمية التي كان ينوي نتنياهو تطبيقها في بداية الشهر القادم.

وكانت الرسالة الأقوى هي رسالة رئيس مجلس المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة " دافيد الحياني" والتي بعث بها الى الإدارة الامريكية والى الرئيس ترمب معلنا " رفض المستوطنين ومجلس المستوطنات الإقليمي لصفقة القرن وخطة الضم" ولم ينجح نتنياهو في اقناع زعماء المستوطنين بالقبول بخطة الضم على اعتبار انها تقود الى قيام دولة فلسطينية على الرغم من تعهد نتنياهو لهم بان " الدولة الفلسطينية سوف تكون دولة كنتونات متباعدة ومنفصلة جغرافيا وسوف تكون منزوعة السلاح وبعد موافقة إسرائيل على قيامها " الا ان المستوطنين رفضوا كل تصريحات نتنياهو حول شكل الدولة الفلسطينية المستقبلية وهي على مساحة خمسة عشر في المائة من مساحة فلسطين التاريخية.

اما ردود الأفعال الدولية وخاصة من قبل الأمم المتحدة وعلى لسان ممثلها في الشرق الأوسط " نيكولاي ميلادينوف" الدي اعلن وبقوة" ان الضم هو انتهاك صارخ للقانون الدولي " وكدلك تصريحات وتوصيات رئيس اركان الجيش الإسرائيلي ورئيس الشاباك من تحذيراتهم باندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة وتصريحات سفراء وممثلي دول الاتحاد الأوروبي في فلسطين ورؤساء دول الاتحاد الأوروبي " ميركل وجونسون وماكرون وشافيز" الذين اعلنوا رفضهم وتنديدهم بالضم وربما فرض عقوبات على إسرائيل لم تكن لها أهمية لدى نتنياهو ولم يقم لها وزنا سياسيا .

نتنياهو استنفذ أهمية تصريحاته للضم سياسيا وانتخابيا وحقق انتصار كبيرا على خصومه السياسيين والأحزاب الأخرى حيث تمكن من تفكيك قائمة ازرق ابيض وبالتالي نجح في الهروب من سن قانون نتنياهو بأغلبية في الكنيست ونجح في عدم سن قوانين أخرى خلال ستة اشهر ما عدا قوانين تتعلق بمكافحة وباء كورونا ونجح في ابعاد خصومه في داخل حزب الليكود عن وزارات ومناصب مهمة مثل " جدعون ساعر " وتخلص من ضغوطات " نفتالي بينت و" ايليت شاكيد" وفكك كتلة يمينا وضم الى صفه البيت اليهودي وبعث برسالة عن وفاة حزب العمل في جنازة رسمية بعد انضمام عمير بيرس الى حكومته .

واليوم ... نتنياهو لا يريد الضم حتى لا يخسر علاقته مع مصر والأردن ودول الخليج التي تسير في ركب التطبيع بشكل سريع جدا ولم يتوقعه شخصيا و اليوم يرفض نتنياهو الضم لانه يقود الى دولة فلسطينية وفقا لصفقة القرن ووفقا لفلسفة اليمين والمشروع الصهيوني الدي يرفض وجود دولة فلسطينية بين النهر والبحر.

نتنياهو اذكى من الحكام العرب من ان يقوم بالضم واذكى من ان يقوم بالضم لحل السلطة الفلسطينية وانهاء وجودها لانه يريدها ويعتبرها سلطة وظيفية ونتنياهو يريد انتخابات رابعة حتى يشكل حكومة يمينية صهيونية بأغلبية ساحقة في الكنيست الإسرائيلي تزيد عن سبعة وستون مقعدا بدون غانتس واشكنازي وعمير بيرتس.

نتنياهو سوف يعلن تأجيل الضم ليعود الى المستوطنين واليمين الإسرائيلي لانه سوف يتوجه في الأيام القادمة لحل الحكومة الإسرائيلية والتوجه الى انتخابات رابعة لكسب أصوات المستوطنين والتحالف معهم لتشكيل حكومة إسرائيلية جديدة يملك كل قراراتها وضم الضفة الغربية بأكملها وسوف يعلن صراحة رفضه لقيام دولة فلسطينية حتى ولو كانت في دوار المنارة وسط رام الله.

*باحث وخبير في الشأن الاسرائيلي