الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

إسرائيل تحتاج الى سلطة فلسطينية بنسختها الثالثة والاخيرة!!!

نشر بتاريخ: 29/06/2020 ( آخر تحديث: 29/06/2020 الساعة: 17:04 )

الكاتب: المحامي صلاح علي موسى

هل حقا تحتاج اسرائيل الى سلطة فلسطينية بعد رفض السلطة الوطنية لصفقة القرن ووقف التنسيق الامني وقطع الاتصال والتواصل مع اسرائيل كدولة محتلة، نعم اسرائيل تحتاج الى هذه السلطة حتى وان واجهت اسرائيل بكافة الساحات وصمدت امام كل الضغوطات الامريكية والاسرائيلية ومن بعض الدول العربية ايضا. قد يقول البعض ولماذا، وعن اي سلطة تتحدث خاصة وان اسرائيل نجحت في تحويلها الى سلطة ذات دور وظيفي محض، فبعد ان انشأت السلطة بنسختها السياسية ومن ثم انتجت سلطة بنسختها الثانية كسلطة وظيفية خدمية ذات دور امني واداري محض، فهل بعد هذا الانجاز وما حققته اسرائيل في صفقة ترامب، تريد السلطة!!!!. نعم انها تريد سلطة بنسختها الثالثة والاخيرة فالتكتيك الاسرائيلي كان وما زال يقوم على فكرة انه لا يوجد شريك فلسطيني للمفاوضات، ترجمت هذه الفكرة من خلال ما قامت عليه صفقة القرن، لا يوجد شريك فلسطيني، لذا دعونا نطرح الصفقة ونفرض على الفلسطينين( السلطة الفلسطينة بنسختها الثانية) الحل، انهم في البداية سيعارضون الا انهم في النهاية سيرضخون كما حصل في مرات عديدة، اي ان الفرضية قامت على ضرورة وجود جسم تمثيلي هزيل حتى يرضى او على الاقل حتى يستوى الادعاء الاسرائيلي والامريكي وحتى العربي بان هناك طرف فلسطيني موجود عاجلا ام اجلا سيوافق او يرضى بالامر الواقع.

ان الفرضية الاسرائيلية تقوم على ان وجود "سلطة او جسم منظم يعني ان اعباء ادارة حياة الفلسطينين ستكون من مهام هذه السلطة، حتى وان رفضت الصفقة وقاومتها وحاربتها، فان اسرائيل سترضى بهذا الجسم الذي يقاومها لان هذه السلطة في النهاية لا مفر لها من تحمل اعباءها الوطنية تجاه ابنائها الخاضعين للضم او الذين يبحثون عن لقمة عيشهم.

اي في الحالتين ان وافقت السلطة على الصفقة او غضت الطرف عن الضم الجزئي او رفضت الصفقة فليس لها من مفر الا التعامل مع الواقع، لذا لاحقت اسرائيل اموال الاسرى والشهداء والجرحى ووافقت على منح قرض للسلطة لتمكينها من الاستمرار ودفع الرواتب وتسديد احتياجاتها. تصمم اسرائيل على تجفيف مكونها السياسي والوطني وتغذي شريان البقاء الوظيفي.اي ان اسرائيل تريد ان تعيد انتاج السلطة بنسختها الثالثة والاخيرة لاسدال الستار عن القضية الفلسطينية وتصفيتها. الا ان الموقف الحاسم والحازم من الرئيس ابو مازن سيفشل هذا التوجه ولن يسمح لاسرائيل بالوصول الى مبتغاها السياسي هذا.

ان كانت اسرائيل تريد السلطة كما تريد ونحن نريد السلطة التي تحملنا الى الحرية والاستقالال على هذا الاساس نكون قد وقعنا في الفخ كما اسلفنا اعلاه، اذن ما العمل؟ فان كان البديل حل السلطة بالمفهوم الكلاسيكي سيقود الى كارثة وطنية وانسانية وسياسية بامتياز سيما وان العديد من القيادات تعتبر ان السلطة انجاز وطني غير مسبوق فكيف لنا ان نحلها او ان نبقيها وندفع الثمن في الحالتين.

حسناً، ان كان هذا قدرنا فعلينا ان نسلم وننسحب، الا ان هذا ليس قدرا علينا ولن نسمح كشعب فلسطيني ان يكون قدرا فعلينا ان نبقى نقاوم دون تراجع كي لا تحقق اسرائيل اهدافها بالضم وبوجود سلطة كما تريدها اسرائيل بل ان اننا نعزز صمود شعبنا، حيث اعلن الدكتور اشتية عن حزمة مشاريع لاهلنا في الاغوار، فهل نمضي الى حيث اسرائيل تريد ذلك؟!! بالضبط هذا ما قاله جانتس ان الفلسطينين حتى وان حصل الضم يجب ان تكون لهم حرية الحركة والحصول على الخدمات الاساسية! ان ما يقوله هو ما نرنو اليه ونقصده، اي ان السلطة الوطنية هي من ستتحمل هذه الاعباء، انهم يريدون الارض دون السكان، ولتتحمل السلطة هذه الاعباء، فكيف للسلطة ان تتخلى عن ابناء شعبها اذن؟

اننا في كلتا الحالتين امام معضلة سياسية وقانونية واقتصادية ووطنية فان قبلنا في الصفقة وما هو مطروح خيانة وطنية وان رفضنا الصفقة وقاومناها نكون نحقق للاسرائيلي والامريكي وبعض العرب الغطاء السياسي والانساني والقانوني لتنفيذ صفقة القرن، حيث يقولون وما زالوا يدعون ان هناك طرف فلسطيني غير متعاون، يقول المحتل وامريكا من وراءه نحن نمضي بالتنفيذ وعندما يرغب في اللحاق في التسوية يمكنه الانضمام في اي لحظة!!! حيث ان السلطة على الارض تقوم بمهامها الوظيفية وهذا ما قاله الاخ صائب عريقان اننا لن نرضى ان نكون سلطة لادارة حياة الناس وسنغير من دورها الوظيفي بل على العكس فان المجتمع الدولي يدفع لها حتى تتمكن من البقاء لاداء دورها في حماية شعبها.

هنا نتساءل، هل يمكن لنا حل السلطة؟ ام تغيير دورها الوظيفي او شكلها السياسي الناظم ان اسعفنا التعبير في هذا المقام، وكيف ذلك؟ وما هي محاذرها ونتائجها؟ وبالطبع ستثور اسئلة عديده منها من سيقوم بالاعباء والمنظومة السياسية والامنية والمالية والاجتماعية الكبيرة في الضفة وغزة والقدس والشتات(خاصة مخيمات لبنان)؟ من سيدفع الرواتب؟ ومن سيحافظ على المجتمع من الجريمة؟ وماذا عن المنظومة المصرفية من بنوك؟ وماذا عن التمدد العمراني وتعزيز صمود الناس؟

كلها اسئلة مشروعة ودقيقة ومحقة سواء الاستراتيجي منها او الحياتي التفصيلي، لذا فاننا نرى اننا امام المسارات التالية وامل ان القيادة تفكر بهذا المسار، وان كانت تفكر بذلك فهذا رائع وان لم تكن قد بلورت تصورها فاننا نطرح التصور التالي:

ان تبذل جهد عميق وواسع النطاق للحصول على اعتراف اوروبي بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران من العام 1967 كما فعلت السويد، مما يعني ان الوضع القانوني لفلسطين قد تغيير من سلطة الى دولة، وبالتالي فان مفهوم العلاقات السياسية والاقتصادية والامنية مع الاتحاد الاوروبي كله سيتغير، اي انه سيكون اقرار ضمني وصريح من الاوروبين ان فلسطين دولة محتلة.

ان هذا سيمكن ويسهل على القيادة الفلسطينية من تقديم طلب لعقد مؤتمر للدول المتعاقدة السامية لاتفاقيات جنيف الاربعة على طريق اعتبار فلسطين دولة تحت الاحتلال، هذا الامر سيكون له اعتباراته القانونية والسياسية العميقة، بحيث تصبح صفقة القرن غير ذي صلة بحيث لا تعود اوسلو هي المرجع باعتبار الاراضي الفلسطينية المحتلة متنازع عليها ولا يوجد سيادة لاحد عليها، بل تصبح السيادة بحكم الاعتراف والاقرار الدولي بفلسطين كدولة تحت الاحتلال ذات حدود محددة ومعترف بها دوليا.

ان اعتبار فلسطين دولة تحت الاحتلال يتيح لها التقدم بطلب للدول المتعاقد السامية على اتفاقيات جنيف لفرض عقوبات على دولة الاحتلال، اي ان فلسطين تخرج من اعتبارها دولة حصلت على عضو مراقب في الامم المتحدة الى دولة تحت الاحتلال بموجب القانون الدولي الانساني.

ان اعتبار فلسطين دولة تحت الاحتلال سيمكن فلسطين من تفعيل الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة والطلب من مجلس الامن التحرك لوقف الاحتلال، وفي حال رفضت الولايات المتحدة ذلك، يحق لفلسطين تفعيل ما يعرف بالاتحاد من اجل السلم، وسيمكنا من فرض عقوبات على اسرائيل.

هذه الخطوات ستمكن محكمة الجنايات الدولية من تناول الموضوع من زاوية قانونية مختلفة بحيث تنظر في طلب التحقق المقدم من دولة فلسطين (عضو مراقب) مع مرجعية قانونية تقوم على اوسلو الى دولة محتلة بموجب القانون الدولي الانساني وبموجب ميثاق الامم المتحدة.

كما ان محكمة الجنايات الدولية لها الحق في فحص جريمة العدوان او نقل السكان من دولة الاحتلال للدولة المحتلة (المستوطنين) او احتجاز الاسرى من الدولة المحتلة خارج حدود دولتهم وهناك سلسلة طويلة عالجها نظام روما بخصوص محكمة الجنايات الدولية.

ان الاراضي الفلسطينية في القانون الدولي تعتبر تحت الاحتلال ولكنها لا تعتبرها دولة تحت الاحتلال وهذا فرق قانوني وسياسي هام وعميق، مع اهمية التنبه لعدم تحول هذه الدولة التي تخضع للاحتلال للتفاوض مع دولة الاحتلال على حدود هذه الدولة، او ان تقبل هذه الدولة بمفهوم الدولة المؤقته!!

باختصار يمكن القول ان اسرائيل تمكنت من الوصول الى نسختين من السلطة الفلسطينية الاولى كانت ذات طابع سياسي للتفاوض على ارض متنازع عليها! وبعد الانتفاضة الثانية والتوصل الى تفاهمات امنية مع اسرائيل ارادت لها بنسختها الوظيفية الثانية ان تخرج عن سياقها السياسي اما الان فانها تعمل عل اعادة انتاج النسخة الثالثة والاحدث والاخيرة بالنسبة لدولة الاحتلال وهي سلطة تسمى دولة ليس لها لا شكل ولا مضمون قانوني او سياسي ولا يحق لها العمل الا وفقا المنظومة الامنية والقانونية والمصرفية الاسرائيلية والامريكية، وما الخدعة التي اطلقتها امريكا من انها تعامل فلسطين كدولة في غسل الاموال ومكافحة الارهاب الا دليل على النسخة المحدثة التي ترغب ان تكون عليها السلطة بنسخة ممسوخة ومرتبطة بالمنظومة المصرفية العالمية بالشكل والمضمون لذا كنا قد دعونا في مقال سابق للتوقف بالعمل بهذه الالتزامات كي لا تكون علينا التزامات دولة في المجال المصرفي والمالي ونحن لا نستطيع ان نصرف للموظفين رواتبهم، اي مفارقة محزنة ونسخة بائسة يرغبون ان تكون لفلسطين!!!!!!.

ندرك ان هذه العملية قد تطول وقد تكون اسرائيل قد نفذت خلالها خطط الضم وفرضت امرا واقعا من نوع اخر، ويبقى السؤال ان لم تنجح السلطة في التحول الى مفهوم الدولة المحتلة ما هو البديل؟ نعتقد ان فك الارتباط مع اسرائيل يجب ان يرافقه برنامج وطني شامل لتغيير مهام الوزارات ومؤسسات منظمات التحرير والمصاريف التشغيلية واعادة الثقة للمواطن الفلسطيني حتى يتمكن من التحرك الحقيقي، فان بقيت السلطة تمارس ذات المواقف من خلال ادوات مستهلكة او قيادات ضعيفة فان مصير هذه المواجهة الفشل، لذا ان تمكن الرئيس ابو مازن من فك هذه المنظومة البيروقراطية باقل الخسائر الانسانية والسياسية يكون قد حمى شعبنا الفلسطيني من مؤامرة محكمة الاطراف ونعتقد انه قادر على ذلك ، فالثورة الجزائرية فشلت اكثر من خمس مرات خلال الاحتلال الفرنسي لها.

ندرك صعوبة مواجهة الحقيقة هذه، وندرك ان الطبيعة لا تعرف الفراغ، الا ان غياب جسم فلسطيني يدير حياة الناس سيحول دون مضي اسرائيل وامريكا في تنفيذ خطة القرن ولن تجد الاردن الا رافضا لاي بديل عن السلطة الوطنية لان اي قبول اردني يعني ان فكرة الوطن البديل تكون قد اسست لها اسرائيل وامريكا، فاذا كان الاردن يرفض الضم من حيث المبدأ فكيف له ان يرضى بدور وظيفي في حال قامت السلطة بفك وجودها الكلاسيكي.

رغم كل ما تم ذكره تبقى جملة من الاسئلة تحتاج الى اجابات شافية او معقولة تستجيب لقلق ابناء شعبنا ومستقبلهم فوق ارضهم، مثل من سيدفع الرواتب للموظفين ؟ كيف للاجهزة الامنية ان تعمل؟وهل ستستمر في العمل؟ ماذا سيكون مصير المنظومة المصرفية القائمة؟ ماذا عن التزامات السلطة تجاه المنظومة القائمة ؟ اين ستذهب املاك السلطة ولمن؟ اسئلة كبيرة وهامة تتزاحم بحاجة الى اجابات عملية مقنعة لابناء شعبنا؟ هذه الاسئلة سنحاول الاجابة عليها في مقال اخر. علينا ان نكون حذرين من النسخة الثالثة للسلطة من وجهت النظر الاسرائيلية فان كان ولا بد فالغياب التام عن المشهد للسلطة اقل وقعا من ضياع ما تبقى من فلسطين الحبيبة!!!!.