الجمعة: 26/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

التحولات في لبنان والسيناريوهات المحتملة

نشر بتاريخ: 29/06/2020 ( آخر تحديث: 29/06/2020 الساعة: 21:09 )

الكاتب:

زاهر أبو حمدة

تتعقد الأمور في لبنان. هذا طبيعي في صيرورة الشعوب والدول لا سيما مع مئوية اعلان دولة لبنان الكبير. بلد صغير متنوع التوجهات ومتعدد المذاهب انتقل من اقطاعيات عائلية الى مقاطعات حزبية طائفية وسطوات خارجية. وما جعل مجموعة الشعوب مجتمعة تحت علم ونشيد ودستور، لم يعد متوفراً في الوقت الراهن. ما وَحد جبيل مع بيت جبيل أو البترون مع عيترون أو بيت الدين مع بيروت وبعلبك؛ هو قرار غربي نفذه مندوب الاحتلال الفرنسي هنري غورو، عبر جلوس البطريرك الياس الحويك عن يمينه والمفتي الأكبر الشيخ مصطفى نجا عن يساره في قصر الصنوبر. حينها كانت تركيا تلملم تفككها، وإيران لم تبرز، وكذلك الدول العربية الكبرى لم تتضح ملامحها ومحتلة جغرافيا ومصادرة قراراتها السياسية، والأهم قرار لبنان الكبير تمهيد لوهب فلسطين للحركة الصهيونية، عبر تقسيم المنطقة ورسم الحدود بينها. ولو لم يكن لبنان ملاصق لفلسطين المحتلة لمّا كان له هذا الصيت، وكان مثل دول على الخريطة من دون فعل لها وفيها وعليها.

دخل لبنان متاهة اللاخروج إلا بتغيير جذري في موازين القوى داخليا أو خارجيا، لأن الأزمات المتلاحقة حاليا أصلها سياسي وليس اقتصاديا بحتاً. بالتالي السيناريوهات المحتملة:

- مؤتمر تأسيسي جديد: الذهاب إليه يحتاج شبه اجماع لا سيما من الكتل الكبيرة في البرلمان، وهو ضرورة لقيام جمهورية جديدة وهذا ما أشار اليه الرئيس ميشال عون، بعد جلسة الحوار في بعبدا عبر بيان صادر عن رئاسة الجمهورية، وألمح إليه أكثر من مسؤول لبناني وازن في السر والعلن. يمكن أن يتفق الأفرقاء على المثالثة (مسيحي/ سني/ شيعي) بدل المناصفة (مسيحي/ مسلم). ولذلك يمكن أن نرى مستقبلا نائبا شيعيا للرئيس، أو تُنزع بعض المناصب من الموارنة كقيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان. اتفاق الطائف لم ينفذ كله، وعمليا انتهى. وإذا لم يذهب المؤتمر التأسيسي الى المثالثة سيذهب الى المواطنة الشاملة مع قانون انتخاب نسبي يعتمد لبنان دائرة واحدة خارج القيد الطائفي، وهنا سينتقل الحكم الى المسلمين باعتبارهم الغالبية السكانية. ولكن إذا طـُبقت المواطنة لن يعود أحد يتحدث بطائفته لا سيما إذا كُفت أيدي وألسنة رجال الدين.

- حرب أهلية: ستكون مختلفة عن سابقتها. اغتيالات، تفجيرات، فتن، دعاية إعلامية وحرب نفسية، حسم سريع مع استنزاف للطرف الأقوى أي تحالف المقاومة. هذا السيناريو يريده أعداء المقاومة في الخارج ويحاولون جرها إليه. ومعروف أن هكذا حروب تبدأ بزعزعة الاستقرار وتتدحرج سريعا من دون القدرة على السيطرة والتحكم بالشارع إذا رست سفن الأسلحة عند الشواطئ اللبنانية، وسيفتح المجال لتدخلات خارجية ميدانية غير متوقعة مثل تركيا وروسيا.

- عدوان إسرائيلي: الحرب مع إسرائيل أتيه وإن تأخرت. إسرائيل لن تقبل بوجود تهديد وجودي لها على حدودها، وكلما تباطأ جنرالات الكرياه بافتعال الحرب لقصم ظهر المقاومة، ازدادت قوة وتمكنت بعتاد أقسى. في المقابل، قرار الحرب ليس إسرائيليا فقط. الولايات المتحدة وبعض الأطراف الإقليمية يمكن أن تحرض عليها وتمولها لأسباب أميركية وتنفيذ مشروع مخطط له؛ هكذا حصل عام 2006. ويمكن لموضوع النفط والغاز أن يكون شرارة لذلك. وما نلمسه حاليا، إعادة نموذج حصار غزة. بعد التجويع وتأليب البيئة الحاضنة على حاملي السلاح وتحميلهم مسؤولية الأوضاع المعيشية، كان أكثر من عدوان على المقاومة هناك، فلماذا لا يتكرر في لبنان؟

في مقابل الرغبة الإسرائيلية الأميركية، لا بد لتحالف المقاومة أن يبرز قوته في وجه محاولات تركيعه. ويمكن أن يوجه رسائل عسكرية من الحدود اللبنانية أو السورية، فقانون قيصر يفتح الساحتين على مفاعيل وحدة مصير للشعبين. وهنا الرسائل تتحول لمواجهة قصيرة أو كبرى.

وفي المحصلة، السيناريو الثاني والثالث سينتهي بتنفيذ السيناريو الأول وهو اتفاق اللبنانيين على عقد اجتماعي جديد، يحفظ مصالح الدولة والشعب وإن كان التوجه الاقتصادي السياسي شرقا أو غربا. ويمكن أن يبقى الوضع على ما هو عليه إذا حصلت في لحظة ما تسوية إقليمية ودولية تنقذ لبنان لا سيما إذا انفجرت الأوضاع في فلسطين.