الأربعاء: 24/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

هاني الحسن وفكا المرحلة والتصدي

نشر بتاريخ: 07/07/2020 ( آخر تحديث: 07/07/2020 الساعة: 16:14 )

الكاتب: ياسر المصري





"ان الإخفاقات والانتكاسات التي تعرضت لها الدول العربية مَردها إلى الإفتقار للمنهج السياسي في إدارة الصراعات، وإن الحقيقة السياسية هي حقيقة نسبية وليست على غرار الحقيقة الأيديولوجية المطلقة"
كانت هذه العبارة من العبارات الأولى التي أطل بها المرحوم هاني الحسن على المستمعين إليه في تلك الندوة التي دعت لها اللجنة الوطنية العليا لدعم الإنتفاضة على مسرح قناة القصباء في الشارقة يوم 4/10/2001، وإن دل ذلك فإنما يدل على مدى قدرة الراحل إلى وجه ربه، من قدرة على قراءة الواقع وبناء الرؤية لخط السير إلى المستقبل وفق هذه القراءة الدقيقة وبما يحتاجه ذلك المستقبل من أدوات، ولعله دائم الإحتفاظ بالإمساك بتلك الأداة المُعرّفة لديه بأن الإنتصار الساحق لن يكون وفق معركة أو جولة من جولات الصراع، وإن البقاء بوجود العمق العربي السليم وفق منهج سياسي سليم كفيل بأن لا يجعل الفلسطيني والعربي لأن يدفع ثمن للإنتكاسات كما حدث في الإنتكاسة العسكرية العام 1967.
وهذا ما جعله في هذه الندوة لأن يلقى على المستمعين عبارته العميقة" لسنا مع البطل غير المنجز نحن مع المنهج السياسي الذي ينجز" وهذا بتعريفه بأن دالة التقييم والتقدم والمراجعة تقوم على أساس ما ينجز وليس على أساس ما يقال أو يشاع، وهذا ما جعله يطلق نداءه بما يتعلق بالعلاقات الداخلية مع باقي فصائل العمل الفلسطيني، بأن الخلاف الفلسطيني الداخلي لن يكون على المشروع الوطني بجوهره وحجمه وشكله، بل إن الخلاف القائم هو على الخط السياسي الذي يمكن من خلاله إنجاز المشروع الوطني، وكان تعريفه لذلك بشكل أوضح ما صرح به في أكثر من مناسبة لاحقة بأن الاتفاق على الخط السياسي كفيل لأن يقود إلى خط امني وتنظيمي صلب يستطيع مواجهة التحديات وجسامة الصعوبات والمؤامرات.
ولعل من العبارات المهمة التي صرح بها المرحوم وألقى بها بوعي وإدراك وفهم الدقيق للواقع، تلك التي صدح بها" إن أحد الأسباب التي دُفع من خلالها شارون ليكون رئيسا للوزراء هو أن يقوم بمهمة القضاء على السلطة لإنشاء سلطة جديدة تقبل التعايش مع الإستيطان" ومعنى ذلك من قبل هاني الحسن أن التسوية من جانب و مفهوم وما يريده الإحتلال في المرحلة القادمة منذ ذلك الوقت هو السعي لتقويض مشروع الفلسطيني السياسي بإقامة دولته المستقلة كنهاية طبيعية مفترضة لعملية التسوية التي انطلقت باوسلو ومرحلتيه الإنتقالية والنهائية.
وما تواجهه القضية الفلسطينية هذه الأيام من وجود مشروع قائم على أسس تصفيتها بشكل تنفيذي، ووجود تطبيع عربي مع كيان الإحتلال يخدم مشروع قائم على أساس استبدال وهم قيام اسرائيل الكبرى جغرافيا باسرائيل الدور والنفوذ والقوة في المنطقة وهي فاتحة لحدودها مع الدول العربية المجاورة، والتي لن يكون عائقا أمام هكذا مشروع سوى الفلسطيني الذي يمسك بثباته على تحقيق كامل حقوقه، عبر أنجاز تحقيق حقوقه المتعلقة بالإستقلال بإقامة دولته المستقلة المُعرّفة والمحددة وفق قرارات الشرعية الدولية، أو ذهابه باتجاه العودة إلى مبدأ التحرير القائم على أساس فلسطين كل فلسطين.
ولعل المعرفة الواقعية من قبل هاني الحسن لما بدأ بالذهاب إليه مشروع الإحتلال بإستقدام ارئيل شارون رئيسا للوزراء، كانت ترجمته الفعلية والحقيقة لهذه المعرفة في رده على المبعوث الأمريكي وليام بيرنز، وهذا الأخير الذي التقى بهاني الحسن للإستماع إلى وجهة نظر الجانب الفلسطيني بخصوص خارطة الطريق (24/10/2002) التي كانت مطروحة آنذاك من قبل الإدراة الأمريكية لوقف الإنتفاضة الثانية، حيث كان موقف المرحوم الثابت والصلب بأنه يرفض أن تتولى السلطة أي سلطات وتتخذ أي إجراءات ما دام الجيش الإحتلال يحتل مناطق السيادة الفلسطينية، وإن منبع وأساس هذا الرفض من قبل هاني انه كان يرى بشارون ووجوده كرئيس للوزراء هو المقدمة الفعلية لتخلي الإحتلال عن السلام والذهاب باتجاه خلق أجسام بديلة عن الجسم الوطني السياسي( السلطة) او تفريغ هذا الجسم من محتواه السياسي الوطني وحصره وحصاره في دور إداري خدماتي.
واليوم تستبدل خارطة الطريق المقدمة لحصار السلطة بما يسمى صفقة القرن، وهذه الأخيرة التي تسعى لإزاحة القدس عن أي طاولة للتفاوض وكذلك بضم أراض فلسطينية أخرى لكيان دولة الإحتلال، في كلا المسارين لم يكن هناك إلا إستهداف لكامل المشروع السياسي الفلسطيني القائم على أساس تحقيق الإستقلال بتجسيد الدولة المستقلة كاملة السيادة على كل الأراضي المحتلة العام 1967.
هم من بمثل هاني من كانوا دوما أصحاب الحظوة في نقش الحيز الذي يليق في مساحة وساحة الوجود السياسي الفلسطيني عبر كل المحطات واللحظات والمواقف التي كانت تحتاج لقامات غير عادية لمواجهة ظروف وتحديات غير عادية، لهاني صاحب الحفر العميق في نقش الثورة الممتدة بقاء الحياة النموذج والحس الباقي والقدرة الثاقبة التي نحتاجها في كل يوم يحل علينا بغيابه.