الثلاثاء: 16/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الفلسطينيون في لبنان

نشر بتاريخ: 11/07/2020 ( آخر تحديث: 11/07/2020 الساعة: 18:24 )

الكاتب:

هبه أ. بيضون

عندما لجأ الفلسطينيون إلى لبنان عام 1948، أدخلوا معهم تدفقات مالية ضخمة ساهمت في نهضة لبنان. تم تجنيس جميع الأثرياء الفلسطينيين المسيحيين، وعدد من أثرياء المسلمين. أما بقية الفلسطينيين من اللاجئين فقد تم حجرهم في المخيمات، وتم وضع العديد من القيود على حياتهم اليومية وإتخاذ إجراءات مشددة بحقهم، بزعم تجنب تخليهم عن حق العودة وتجنب توطينهم، ما قد يؤدي إلى تخليهم عن حقهم في فلسطين.

بادىء ذي بدء، نحن لا ننكر فضل الدول المضيفة علينا، ونقدر ونثمن دورهم في دعمنا ومساندتنا منذ إنطلاقة ثورتنا المعاصرة، وفي أحلك الظروف وأصعبها حتى الوقت الراهن، خاصة لبنان الشقيق الذي تحمل الكثير من أجل قضيتنا بسبب مكوثنا سنوات على أرضه وإنطلاق عملياتنا العسكرية المباركة ضد الإحتلال الصهيوني من أراضيه، ودعم معظم المسيحيين للحركة الوطنية الفلسطينية في لبنان وأخص بالذكر هنا التيار الوطني المسيحي والتيار الوطني الدرزي اللذان تحالفا مع حركات المقاومة الفلسطينية ودعماها.

وعلى الرغم من أن ذلك يعتبر واجب الأخوة العرب جميعاً في دعمنا ودعم القضية المركزية للأمة العربية ما يجمع عليه جميع الدول الشقيقة دون إستثناء، إلا أننا لا يمكن لنا أن نكون ضيوف ثقال الظل ونطلب أكثر مما يمكن للبلد أن يتحمله.

إن سياستنا كفلسطينيين، كما كانت دائماً، عدم التدخل بالشئون الداخلية لأي دولة أخرى، ولكن عندما يتعلق الأمر باللاجئين الفلسطينيين في هذا البلد أو ذاك، فإنه يصبح لزاماً علينا أن نتحدث بالموضوع وأن نرفع أصواتنا عالياً لنسأل ونتساءل ونستوضح ونحتج، بل ونعطي رأينا ونضغط ونتدخل ونطالب بتغيير الوضع وتحسينه، خاصة عندما يتعلق الأمر بقوت شعبنا اليومي ونوعية حياته.

لا زال الفلسطيني في لبنان ( يتمتع) بالقيود المفروضة عليه منذ ذلك الوقت، تحت ذريعة المحافظة على حق العودة ومنعاً للتوطين، ولكن كيف يكون ذلك وما هو الجدل الذي من الممكن إثارته حول الموضوع، سأتناول هنا فقط موضوعين أساسيين من تلك القيود وهما التملك والوظائف.

إن الفلسطيني في لبنان ممنوع من التملك، وإذا أراد أن يتملك يتبع إحدى طريقتين: الأولى هي إما أن يسجل العقار بإسم شخص لبناني وغالباً ما تكون زوجته لو كان متزوجاً من لبنانية، أو من شخص آخر يكون ثقة بالنسبة له، وإما أن يتملك بإسمه دون تسجيل رسمي للعقار، وفي الحالتين فإنه يخاطر بفقدان العقار في حال أن الشيطان لعب بعقل الشخص المؤتمن الذي سجل العقار بإسمه، وفي الحالة الثانية، لو أن السلطات اكتشفت أمره. وكما سبق وذكرت فإن تبرير المنع من التملك هو للمحافظة على حق العودة ومنع التوطين، حيث أن هناك إعتقاد بأنه لو تملك الفلسطيني منزله الخاص وعاش في ظروف جيدة ومستقرة وآمنة ومريحة، فإنه سينسى فلسطين، ولن يفكر في حق العودة، وهذا التفكير ليس دقيقاً ولا يمكن تعميمه، قد يكون هناك حالات فردية أو إستثنائية ممن لا يريدون العودة إلى فلسطين، ولكن من يريد العودة لن يتأثر بإمتلاك بيت أو عقار، بدليل أن الفلسطيني في سوريا القومية العروبية له حق التملك، ولكنه لم ينس فلسطين ولم يتراجع ولم يتنازل عن حقه في العودة.

أعتقد أن هذا الموضوع يتطلب إجراء إستفتاء في دول اللجوء والشتات للخلاص بنتيجة تستند إلى البحث العلمي حول مدى تمسك الفلسطيني بحق العودة في حال عاش بظروف معيشية أفضل وتملك عقار في بلد اللجوء.

وهنا أتساءل عمّا يمكن أن يكون عليه السبب الحقيقي وراء هذا المنع من التملك، هل يمكن أن يكون هناك حسابات ديمغرافية !

إن لبنان مبني تاريخياً على التوازنات الطائفية، ويشكل السنة والشيعة ثلثي عدد السكان، ويشكل الموارنة مع بقية الطوائف المسيحية الثلث الباقي.

وبما أن أغلب الفلسطينيين إن لم يكن جميعهم هم من السنة، فإن هناك تخوفاً من توطين الفلسطينيين من قبل تيار من المسيحيين اليمينيين في لبنان، وذلك كان الحافز الحقيقي الذي يعلو الإعتبارات القومية وحق العودة، لأن ذلك يعني تعزيز صفوف الطائفة السنية، ما يؤدي إلى تغيير ميزان القوى في لبنان. بكلمات أخرى يمكن القول إنه من وجهة نظر إسلامية، فإن أساس التعاطي مع الفلسطينيين هو حق العودة، أما من وجهة نظر مسيحية (جزئية)، فإن الفلسطينيين يشكلون خطراً على التوازن الديمغرافي، بالإضافة إلى ما عرف عن بعض القوى اللبنانية السياسية المسيحية عن تماهيها مع الغرب وتحالفها مع إسرائيل، وتلك القوى المسيحية ذاتها هي التي تسببت بإندلاع حربين أهليتين إنتهت الأخيرة بإتفاق الطائف قبل ما يقارب 21 عاماً، والذي نص على تقاسم السلطة في لبنان مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، على الرغم من أن المسلمين يشكلون ثلثي عدد السكان أي الأغلبية، وكان الهدف من ذلك هو طمأنة المسيحيين الخائفين من إبتلاعهم من قبل محيطه العربي والإسلامي.

وبناء عليه، نجد أن هناك توافق على تقييد حقوق الفلسطينيين لأسباب سياسية من ناحية، ومن ناحية أخرى بسبب معاداة ذلك التيار المسيحي للفلسطينيين وتحالفه مع الغرب ومع إسرائيل، ما جعلهم يعادون المقاومة الفلسطينية المسلحة، بإعتبار أن الفلسطينيون يشكلون خطراً ديمغرافياً يهدد توازن الحكم في لبنان كما سبق وذكرت. إذن، يمكن القول إنها دهاليز السياسة في لبنان التي لا تريد أن يندمج الفلسطيني في المعادلة اللبنانية.

من وجهة نظري، لا أجد هذا الطرح منطقياً، وذلك لأن التملك لا يعني التجنس أو التجنيس، ولا يعني حق المواطنة، ولا يعني التمتع بالحقوق السياسية للفلسطينيين، ولا يعطي حق الترشح في الإنتخابات، ولا حق الإنتخاب، ولا حق الوصول إلى مناصب رفيعة في الدولة كما هو في سوريا، وبالتالي لن يؤثر مستقبلاً على ما أسميه الديمغرافيا السياسية في لبنان والتي يتخوف المسيحيون من تغيرها، فكيف يمكن لمن لا يدخل في الإحصاء الرسمي لعدد السكان في البلاد إلا تحت فئة معينة بعيدة كل البعد عن الفئة المتمتعة بحقوق المواطنة، أن يشكل خطراً سواء كان سياسياً أو ديمغرافياً على البلد!!

من ناحية إقتصادية، فإن هناك نوعين من الفلسطينيين: الكومبرادور وهي فئة التجار والمستثمرين، والفئة الثانية هي فئة الكادحين، الفئة الأولى هم هؤلاء الذين تؤمن لهم أموالهم قدرة إندماج أعلى في البلدان المضيفة وبما يتجاوز إعتبارات السياسة والأمن. أما الفئة الثانية فتضم هؤلاء الذين يبقون عند ضفاف العملية الإقتصادية والسياسية والأمنية، ولا يستطيعون الإندماج في دورة الحياة الإقتصادية والإستفادة بشكل كامل من خدمات التنمية الإجتماعية من صحة وتعليم وتوظيف ونقل وإسكان، هم يعيشون على هامش الدورة الإقتصادية بسبب عدم منحهم حقوق كافية للتملك، ما يعطل أي قدرة لهم على الإرتقاء الإجتماعي والطبقي. وهم أيضاً نوع من البدون الذين يمنع عنهم حق الإنتماء الإقتصادي لأسباب سياسية وجراء معايير وقيود تتعلق بحق العودة.

وبذلك فإن اللاجئين الفلسطينيين يمثلون الفئة الثانية التي لم تجنس، أما تلك الفئة المجنسة والتي تحدثت عنها في بداية المقال هم أصحاب رؤوس الأموال الذين يساهمون في الإقتصاد والذين أصبحت مواطنتهم وحقهم في التملك تحصيلاً حاصلاً، وهذا يعيدني إلى مربع دحض أن إعطاء الفلسطينيين في لبنان حق التملك يحوي على أي خطر على لبنان، بل بالعكس، سيقوم بنقل فئة الكادحين إلى درجة أرقى قد تكون بين فئة الكومبرادور وفئة الكادحين (كونهم ليسوا أصحاب أموال ولا مستثمرين) وبالتالي تفريخ طبقة وسطية تسهم إيجابياً في تحريك وإنعاش سوق العقار ما ينعكس إيجابياً على تنمية الإقتصاد اللبناني، دون أن يكونوا مواطنين ودون التمتع بأي حق سياسي يثير المخاوف.

ومن ضمن القيود المستمرة على الفلسطينيين أيضاً، إن الفلسطيني في لبنان ممنوعاً من حق العمل في أكثر من سبعين مهنة، والسبب هو لكي لا يأخذ فرصة اللبناني في المهنة، وهذا بحد ذاته ظلم لأن الفلسطينيين – كما هو معروف- شعب مثقف ومتعلم وذكي، ويمكن لهم بممارسة المهن التي امتهنوها أن يشكلوا إضافة نوعية سواء إلى الإقتصاد اللبناني أو حتى إلى المجتمع اللبناني، وسيخدمون المجتمع من خلال مهنهم، وليس بالضرورة أن يعمل في القطاع العام (الدولة) لكي لا يأخذ من فرص اللبنانيين، بل يمكن له العمل في القطاع الخاص أو أن يفتح مصلحته الخاصة كالعيادة أو الصيدلية أو المكتب الهندسي وغيره. أما السبب الحقيقي فهو الذي ذكرته عند مناقشة التملك في العداء التاريخي الذي تكنه فئة من المسيحيين الموالين للغرب ولإسرائيل للفلسطينيين والذين كانوا سبباً في وضع كل تلك القيود على الفلسطينيين.

وقد علمت أنه تم تشكيل لجنة منذ عامين بدعم من نبيه بري لدراسة وتحسين أوضاع الفلسطينيين في لبنان، ولكن كانت المفاجأة عندما قيل لي أنه - كما نشر في الصحف- لم يكن هناك تجاوب من قبل السفارة الفلسطينية في لبنان- لتحقيق إنجاز يسهم في تحسين أوضاع الفلسطينيين، لسبب ما أجهله.

ولكن، عندي معلومات تفيد بأن المسؤولين الفلسطينيين في لبنان لا يتوانوا في طرح هذا الملف ومناقشته وإعطائه الأولوية في كل إجتماع رسمي لهم مع الجهات المعنية في الدولة اللبنانية.

أعتقد أن هذا الملف شائك، وله جوانب متعددة، ويجب علينا نقله إلى منظمات حقوق الإنسان العالمية وربما إلى المنظمات الدولية للتأثير على الدولة اللبنانية في أن تبدي مرونة أكثر فيما يخص تحسين ظروف اللاجئين فيها.