الخميس: 25/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

في التعليم الإلكتروني – فقط

نشر بتاريخ: 26/07/2020 ( آخر تحديث: 26/07/2020 الساعة: 15:43 )

الكاتب: د. يحيى السلقان

لم يكن ومنذ البداية هدف التعليم الالكتروني، وأقصد به التعليم عن بعد بإستعمال أدوات تكنولوجية، أن يكون بديلاً عن التعليم المتكامل والذي يشمل: النقاش واللقاء والتدارس، وفي بلادنا التلقين في غالب الأحيان، والتعليم والتسلسل والمشاركة وما إلى ذلك. وأن الهدف الرئيسي كان ولم يزل للتعليم الإلكتروني هو مساندة التعليم المتكامل والمساعدة في غالب الأحيان كأداة للتعلم ومساندة الأفراد والطلاب لتعزيز المعرفة والتدريب على مقدراتهم على التعليم الذاتي.

وللدقة لا بد هنا من التمييز بين عدة أدوات وبرمجيات تكنولوجية تستعمل في العملية التربوية والتعليمية:

أولاً: أنظمة إدارة الطلبة Student Information System والتي تهتم بالأساس بتنظيم وإدارة جدول وعلامات الطلاب وأحياناً واجباته.

ثانياً: أنظمة إدارة المدرسة أو المؤسسة التعليمية School Management System والتي تهتم بالإضافة إلى أنظمة إدارة الطلبة إلى الإدارة المالية، إدارة شؤون الموظفين، القبول، والمواصلات والمكتبة والنشاطات اللامنهجيه وما إلى ذلك.

ثالثاً: أنظمة ادارة العملية التعليمية Learning Management System والتي تختص بالمحتوى وإدارة الصفوف وأحياناً واجباتهم واختباراتهم.

رابعاً: لقد نشأ في الفترة الأخيرة وبحكم ضرورة التباعد بسبب الجائحة استعمال أدوات الإجتماع الإفتراضي واللقاء بالطلبة عبر الإنترنت باستعمال أدوات مثل Zoom أو Skype أو Google Meet أو Microsoft Teams.

لن اتطرق في هذه العجاله لأنظمة إدارة الطلبة أو المدرسة (أي البندين الأول والثاني) حيث سيتم التركيز على أنظمة العملية التعليمية وأدوات اللقاء الإفتراضي بشكل أساسي.

مما لا شك فيه ونحن على أبواب إفتتاح العام الدراسي واستمرار العمل ببروتوكولات من أساسها التباعد الإجتماعي فإن إدارة العملية التعليمية ووسائل التواصل مع الطلبة تغدو أكثر أهمية من ذي قبل أو من غيرها من الأنظمة الأخرى.

إن إدارة العملية التربوية والتعليمية باستعمال الوسائل التكنولوجية فقط هو تحميل التكنولوجية أكثر مما تستطيع أن تحتمل في الوقت الحالي، وأنا أدرك بأن الجائحه قد داهمت العالم وبالأخص الدول الأقل جهوزية الأمر الذي لم يكن بالإمكان وضع أسس "متكاملة" نحو النهوض والإستمرارية بالعملية التربوية كما هو منشود ومخطط لها.

وقبل أن أضع بعض المقترحات لا بد من التطرق للعامل النفسي للطلبة وخاصة لطلبة المدارس أكثر منهم لطلبة المراحل المتقدمة من الجامعات. إذ لم يكن في حسبان أحد أن يبتعد الطلبة عن مدارسهم ما يقارب ستة أشهر متتالية وفيها ابتعدوا عن كل وسائل "الترفيه" أو الرياضة أو في كثير من الأحيان الخروج من البيت والإبتعاد الإجتماعي عن الأصدقاء وبناء العلاقات الإجتماعية. هذا ما يضع أمامنا كأباء ومتخصصين وأيضاً مواطنين مثلنا مثل الطلبة سؤال كبير: ما هو الأثر التراكمي لهذا التباعد وهل من الحكمة بمكان التعمق أكثر فأكثر في التباعد الإجتماعي بما له وما عليه من ألآثار النفسية السلبية؟

وكيف ستكون استجابة الطلبة للتعليم عن بعد فقط وما هي الآثار والنتائج التعليمية في ظل الواقع النفسي هذا؟

بناءاً على ما تقدم ولعدم الإطالة هنا فإنني أضع بين الأسس التالية للتعامل مع التعليم الإلكتروني واستعمال وسائطه:

أولاً: عدم استعمال منصات التواصل الإجتماعي كالفيس بوك كأداة تعليمية أو حتى أداة رسمية للتواصل المدرسي أو للنقاش أو لتسليم الواجبات الخ...

ان وسائل التواصل الإجتماعي قد زاد استعمالها بشكل ملحوظ خلال فترة الجائحة وهي من أكثر الوسائل لإضاعة الوقت الذي قلت أهميته في أيامنا هذه، وأن جيل طلبة المدارس من 1-12 لديهم القابلية للإستعمال المفرط لهذه المنصات. وبالتالي فإن "حشو" المدرسة والعملية التعليمية في هذه المنصات هو أمر قد تمتد عواقبه إلى ما بعد الجائحة.

ثانياً: ان توفرت لدى بعض المدارس أدوات وأنظمة كالإدارة المدرسية أو إدارة الطلبة مثلما تم ذكرهما سابقاً فمن التبسيط الكبير للأمور ألقيام "بالصاق" اليات لتوزيع المحتوى على الطلبة عبر هذه البرامج. ويجدر هنا البحث عن أنظمة مجربة وسهلة الإستعمال للطلبة وللأباء كما المدرسين وليس فقط توزيع فيديو أو تسجيل صوتي أو ملف عرض المعلومات Presentation وبالتالي تقتصر التجربة على الاستعمال الميكانيكي للأنظمة ذات تأثيرالتربوي المحدود.

ثالثاً: انني أرى أن يتم اللقاء الوجاهي في المدرسة وعدم الإقتصار على أدوات اللقاءات الإفتراضية مثل Zoom وغيرها. ورغم عدم التخصص في الشؤون الصحية لكنني أعتقد بأنه من الممكن ايجاد اليات وتوزيع الطلبة والمدرسين على المدارس والصفوف بحيث يضمن اللقاءات الوجاهية ثلاثة أيام في الاسبوع مثلاً كما هو مقترح حالياً من الوزارة حتى ولو أدى ذلك غلى اختصار العطلة الأسبوعية ليوم واحد بدلاً من يومين. والإلتزام بذلك إلى أبعد الحدود.

رابعاً: عند استعمال أدوات اللقاءات الإفتراضية فمن المهم بمكان أن تكون كل هذه اللقاءات في مواعيد محددة ومعروفة ويفضل في مواعيد الحصص المدرسية وتقع ضمن ساعات الدوام الإعتيادية للمدرسة أو المؤسسة، والإبتعاد عن اللقاءات بعد ساعات الدوام حتى يشعر الطالب أنه في عملية تربوية يكون جزءاً منها اللقاءات عبرالانترنت.

كما ويجدر الإشارة هنا إلى ضرورة فتح كاميرات الطلبة أثناء اللقاء الإفتراضي لسهولة مشاركتهم وانخراطهم في "الحصة" أو "المحاضرة" وكذلك ابتعاد الأهل عنهم أيضاً.

خامساً: انني أدرك بان صياغة المحتوى ونشره للطلبة يشكل عبئاً إضافياً على كاهل المعلمين وعليه فليس بالضرورة أن تكون محاضرة الصفوف المسجلة من نفس المدرس/ة لذات الصف، وبذلك يتم توزيع ومشاركة تأليف المحتوى بانصاف على المدرسين والمدرسات. فلو تشارك على سبيل المثال نصف اساتذة الرياضيات لصف ما بتأليف محتوى ذلك الصف لتمكنت كافة المدارس من انتاج والإستفادة من ذاك المحتوى في فترة وجيزة وبجودة عالية.

سادساً: عند اختيار أنظمة إدارة التعليم ان لا تقتصر عملية الإختيار على المدرسين أو الإداريين وانما توسيع دائرة الإختيارعلى الأخصائيين التربويين واخصائيين تكنولوجيين وطلبة وأهالي أيضاً. قد يتسائل البعض بأن هذا أمر بحاجة إلى وقت وأنا أدرك ذلك ولكن لا بأس من دراسة الأمر لاسبوع أو اسبوعين اضافيين والخروج بأفضل الحلول المتاحة بدلاً من الإسراع أو "الصاق" أدوات ليتم اكتشاف نواقصها فيما بعد متأخراً. إنني أرى بأن إدارة عملية الإختيار لا تقل أهمية عن الإختيارلنظام إدارة التعليم ذاته.

وفي هذا السياق لا أرى ما يمنع من اعتماد عدة أدوات، إذ أن ما هو ضروري لطلبة الصف الأول والثاني قد تختلف عن ما هو عليه للصفوف العليا الأخرى كالسابع والثامن أو العاشر مثلاً.

سابعاً: لقد أصبحت الأسرة وخاصة الأمهات في مركز العملية التربوية، وكلما زاد الإعتماد على التعليم عن بعد كلما زادت دور الأسرة في العملية التربوية أكثر فأكثر، وعليه أرى أن مشاركة أولياء الأمورفي الإختيار والمتابعة أمر هام.

وأخيراً فإن التكنولوجيا والأنظمة المتاحة ما هي إلا أدوات ولن تكون بأي حال من الأحوال بديلاً لعملية تعليمية تكاملية. واقعياً إن الإعتماد "الزائد" على التكنولوجيا يحتاج إلى إمكانيات مادية واقتصادية كضرورة زيادة سرعات الإنترنت وتوفر الأجهزة للإتصال كالحاسوب وغيره وأحياناً أكثر من جهاز في البيت الواحد إن تواجد أكثر من طالب وهي في أحياناً كثيرة غير متوفرة لدينا سواءاً في المنزل أو في المدرسة.

ان صحة العملية التربوية هي أشمل من هذه الأدوات وباعتقادي نحن أمام تحدِ يجدر التفكير به خارج الإطار وخارج المألوف للحفاظ على مخزوننا الوطني الا وهو الإنسان السوي – نفسياً وصحياً ومجتمعياً أيضاً.