الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

ما بين إشكاليّة حـل الدّولتين وجـدلية الدّولة الواحدة والكونفدراليّة.. فـلسطين إلى أين ؟

نشر بتاريخ: 08/08/2020 ( آخر تحديث: 08/08/2020 الساعة: 18:25 )

الكاتب: الدكتور عماد البشتاوي

ليس من باب التّرف الفكريّ و السّياسيّ الدّخول في عمليّة نقاشٍ وتقييمٍ للمشروع الوطنيّ الفـلسطينيّ، أو محاولة الإجابة عن سؤال: (فـلسطين إلى أين؟) ، و في الوقت نفسه ليس من المنطقيّ (تقديس) تحـوّلات المشروع الوطنيّ الفلسطينيّ وتغيّراته دون نـقـد. فإذا كان حلّ الدّولتين يواجه صعـوباتٍ وتحدّياتٍ حقيقيّةً، فمن المنطقيّ أن نتداعى ـ شعبًا وأحزابًا و نُخبةً ـ لبلورة تصوّر لمستقبل فـلسطين .

ففي البداية علينا الإقرار أنّ البحث عن حلول للقضيّة الفلسطينيّة، سواء أكانت تدرجـيّة مؤقّـتة أو شاملة ودائمة، هي عمليّة في غاية الصّعوبة والتّعـقيد,بحكم الظّـروف الذّاتيّة و الموضوعـيّة،لا سيّما و أنّـنا نواجه استعمارًا استيطانيًّا إحلاليًّا ـ تتداخل مصالحه مع دول استعماريّةٍ كبرى مهيمنةٍ عـلى المنطقة والعالم ـ مُؤسّسًا و مُؤصّلًا لوجوده بأفكارٍ تاريخيّةٍ دينيّةٍ .

من خلال عـرضٍ سريع لمراحل تطوّر المشروع الوطنيّ الفـلسطينيّ, نلاحظ أنّـه ـ في بداية نضالنا الوطنيّ مع مطلع القـرن العشرين ـ كنّا نرفع شعار: فـلسطين هي( سوريا الجنوبيّة ) أو( جنوب سوريا )، أي أنّـنا جـزء من سوريا الطّبيعيّة( بلاد الشّام)، وبعد فترةٍ وجيزةٍ تحوّلت الحركة الوطنيّة باتّجاه فكرة (فـلسطين التّاريخيّة) .

و في فترة الاستعمار البريطانيّ توالت محاولات إدماج المهاجرين اليهود في النّظام السّياسيّ الفـلسطينيّ، من خلال فكـرة (حكم ذاتيّ) لليهود في السّاحل الفـلسطينيّ؛ حيث كان وجودهم وتمركزهم هناك مع بداية الهجـرات اليهوديّة إلى فـلسطين، ثمّ طُرِحَ مشروع (تقسيم فـلسطين) بصيغته الأوليّة بالمفهوم البريطانيّ, قبل أن يتحوّل ذلك بعـد حوالي عشر سنوات إلى قرارٍ أمميّ صادرٍ عن هيئة الأمم المتّحدة، يطالب بتقسيم فـلسطين إلى دولتين: يهوديّة وعـربيّة ـ تحاشى القـرار استخدام كلمة دولة فـلسطينية). رفض العـرب والفـلسطينيون قـرار التّقسيم في البداية, لكن وبعد أشهـرٍ قـليلةٍ ـ بعد الحرب العـربيّة الإسرائيليّة وإنشاء إسرائيل، ومن ثمّ انطلاق المفاوضات العـربيّة الإسرائيليّة في رودس، أصبحنا نطالب بتنفيذ قرار التّقسيم .

بعد إنشاء منظّمة التّحـرير الفـلسطينيّة عام 1964 تجاوزنا قـرار التّقسيم، وعُـدْنا أدراجَنا بالحديث مرّة أخرى عـن(فـلسطين التّاريخيّة)، و بعد أشهر قليلة بعد نكسة حـزيـران عام 1967, طَرحت منظّمة التّحرير الفـلسطينيّة مفهومًا جديدّا للنّضال الفـلسطينيّ (دولة فـلسطينيّة ديمقراطيّة عـلمانيّة ) لجميع مواطنيها, سرعان ما تراجعـنا عنها بعد بضع سنين, و تحديدًا في عام 1974 إلى فكرة إقامة سلطةٍ وطنيّةٍ فـلسطينيّةٍ عـلى أي جـزء يتمّ تحـريـره .

في منتصف الثّمانينيّات وجـدنا أنفسنا – وبتنسيـق كامل مع الأردن ـ أمام طـرح جديد بعنوان (كونفدراليّة فـلسطينية أردنيّة)، لكن وبعد أشهر معدودات يتوقّف التّنسيق الأردنيّ الفـلسطينيّ، بل و نتفاجأ بقرار فكّ الارتباط الأردنيّ بالضّفّة الغـربيّة, استتبع ذلك انعقاد المجلس

الوطنيّ الفـلسطينيّ في الجزائر, وإعلان الاستقلال الفـلسطينيّ في الضّفّة الغـربيّة و قـطاع غـزّة عام 1988, بناء على قرار مجلس الأمن رقم( 242) .

أمّـا السّؤال المحوريّ ـ ها هنا - وهذا ما قصدته من خلال هذا السّرد المختصر لتحوّلات ( المقـدّس ) في المشروع الوطنيّ الفـلسطينيّ ـ فهو: لماذا تخلّـينا عن كلّ (مقدّسات الشّرعيّة الدّوليّة) التي ذُكرت سابقًا؟ وسمحنا لأنفسنا بنقدها، بل والتّخلّي عنها, في حين ـ ومنذ أكثر من ثلاثين عامًا ـ و نحن متمسّكون بفكـرة حلّ الدّولتين، بناء على الشّرعيّة الدّوليّة المتمثلة بالقـرار رقم (242 ), و لم نحاول البحث عن بدائلَ لطالما- نحن باعتبارنا فـلسطينيّين- أبدَعْنا في إبداء المرونة والبـراغـماتيّة في التّعامل معها، هذا مع العـلم بأنّ القرار(242) هو أسوأ قرارات الشّرعيّة الدّوليّة بحقّ فـلسطين و القضيّة الفـلسطينيّة, بل وأكثرها هضمًا و ضياعًا لحقوقنا ـ على الأقلّ ـ من حيثُ المساحة الممنوحة لنا بموجب هذا القرار (22%) من مساحة فـلسطين التّاريخيّة .

فإذا كنّا نبحث عن شرعيّة دوليّة فهناك قـرار التّقسيم, وهو قـرار صادر عن هيئة الأمم المتّحدة, ويعطينا نصف مساحة فـلسطين التّاريخيّة، ومع ذلك تخلّينا عنه، وتمسّكنا بما هو أقلّ وأسوأ. وإذا كانت الذّريعة والتّذرّع بالظّـروف واختلال موازين القوى, فهل سنشهد تراجعًا أكثر وأكبر بعد هذا الانهيار الفـلسطينيّ والعـربيّ الذي نعـيشه ونعايشه في هذه الأيام؟

من الملاحظ ـ ومنذ فتـرة ليست بالقليلة - أنّ المقاومة الفـلسطينيّة بمختلف أشكالها و مُسمّياتها تعـيش حالة من الرّكود, عـلى الرّغم من رفع شعارات كبرى، وتشكيلة من أنواع المقاومات التي لم نمارسها من ذي قبل، مثل:الشّعبيّة والسّلميّة واستبدلناها ب (المقاومة بالدّبلوماسيّة)، و(المقاومة بالمفاوضات) التي من الممكن أنّـها نجحت جزئيًّا، لكن ليس بالصّورة المتخيّلة أو المطلوبة، والتي تجبر إسرائيل على التّخلّي عن حُـلمها التّوراتيّ المسنود بالقوة العسكـريّة من جهة، والمُتبنّى أمريكيًّا من جهة أخرى.

بناء على هذا المُعـطى، فكيف لنا أنْ نتوقّع أنْ تقبلَ إسرائيل بفكرة (حلّ الدّولتين)، أي قيام دولة فـلسطينية كاملة السّيادة في الضّفّة الغربيّة وغـزّة إلى جانب إسرائيل. تجدر الإشارة إلى أنّ الضّفّة الغـربيّة ـ بما فيها القدس بالنّسبة إلى اليهودـ هي صُلب الأرض التّوراتيّة وجوهـرها، فهل ستتنازل إسرائيل عنها ؟ولماذا وتحت أيّ ضغط ؟ وكلّنا يعـلم عـلم اليقين الظّروف التي نعيشها باعتبارنا عربًا و فـلسطينيين على حــدّ سواء.

ثَمّةَ عـقبة أخرى تواجه حلّ الدّولتين تتمثّل بالاستيطان، ووجود المستوطنين، وسيطرة إسرائيل المطلقة على أكثر من نصف الضّفّة الغـربيّة، بما يُسمّى (مناطق (ج)) حسب تسمية اتّفاقـيّة أوسلو, تجعل من الصّعوبة بمكان قيام دولةٍ فـلسطينيّةٍ بسيادةٍ حقيقيّةٍ قادرةٍ عـلى الحياة، بسبب افتقادها إلى المقوّمات السّياديّة والأمنيّة والاقـتصاديّة بحكم السّيطـرة الإسرائيليّة عليها من جهاتها الأربع, بالإضافة إلى سمائها وما تحت أرضها،(أي من جهاتها السّتّ وليس الأربع ), و تكتمل الصّورة أكثر إذا أُخرِجت القـدس الشّرقيّة من سيادة هـذه الدّولة، واستُبدِلت ببدائلَ ومناطقَ وقـرًى؛ لتكون عـاصمةً بديلةً، في حين أنّ إسرائيل لن تتخلّى عن القـدس لاعتباراتٍ سياسيّةٍ ودينيّةٍ و اقـتصاديّةٍ و سياحيّةٍ.

ومن العـقبات الـرّئيسيّة التي تحول دون تحقيق حلّ الدّولتين (دولة فـلسطينيّة كاملة السّيادة عـلى حدود الـرّابع من حزيران 1967) هي فكرة العودة:عـودة اللاجئين الفـلسطينيّين إلى وطنهم الذي هُـجّروا منه عُنوةً و قَـسْرًا. إنّ حـقّ العـودة هـو جوهـر القـضيّة الفـلسطينيّة، فعـلى الـرّغم من أنّ قـياداتنا السّياسيّة تُـردّدـ باستمرارـ (حقّ العودة)،إلّا أنّها تدرك تمامًا أنّ ذلك لن يتحقّـقَ في ظلّ الظّـروف والمعطيات التي نعـيشها فـلسطينيًّا وعـربيًّا ودوليًّا، وبالتّالي وفي حال عـدم قدرتنا على إعادة اللاجئين إلى وطـنهم، فـما هـي الفـائـدة من حـلّ الدّولتين في حـال بقاء نصف الشّعب الفـلسطينيّ مُشرّدًا مُشتّتًا ؟

نستطيع أن نقدّم عشرات الأدلّة عـلى استحالة قَـبول إسرائيل، أو إجبارها على قَـبول إعادة اللاجئين. وهنا سأكتفي بذكر حادثتين:

الأولى: بعد إنشاء إسرائيل عام 1948، فقد حاولت الولايات المتّحدة الأمريكيّة إشراك إسرائيل في النّظام الإقـليميّ، أي تعاون إسرائيل مع العـرب ضمن منظومة إقليميّة شرق أوسطيّة؛ لمواجهة الخطر الشّيوعيّ،(مثلما تحاول في هذه الأيّام مع استبدال الخطر و العدوّ من شيوعيّ إلى شيعيّ)، حيث طلبت الولايات المتّحدة الأمريكيّة من إسرائيل( إعادة رمزيّة ) لعدد محدود جدًّا من اللاجئين الفـلسطينيّين مع تقديم إغراءات ماديّة ضخمة لها مقابل ذلك، لكنّ إسرائيل رفضت وبشدّة، عـلى الرّغـم من أنّ إسرائيل في هـذا الوقت ـ نهاية الأربعينيّات ومطلع الخمسينيّات- لم تكن قـوّةً إقـليميّةً ونوويّةً، وكانت الشّعوب العـربيّة في قـمة عُنفـوانها, وكانت فـلسطين هي قضيّتهم المركزيّة وعلى سُلّم أولويّاتهم، وكذلك الأمر بالنسبة للأنظمة العربيّة التي كانت تستمدّ شرعيّة وجودها أو ثوراتها وانقلاباتها من اسم فـلسطين, فما بالنا ونحن بما نحن عليه الآن من شعـوب وأنظمة عـربيّة.

الحادثة الثّانية: في أثناء المفاوضات الفـلسطينيّة الإسرائيليّة في عهد رئيس الوزراء الإسرائيليّ إيهود أولمرت، قـبلت إسرائيل ـ مبدئيًّاـ التّفاوض على إعادة عـدة آلاف من اللاجئين الفـلسطينيّين من كبار السّنّ عـلى مدار عشر سنوات،( تخيّـلوا الرّقم ... عـدّة آلاف من أصل عـدّة ملايين)، وفي النّهاية أطاح نتنياهو بحكومة أولمرت، و تولّى رئاسة الوزراء منذ عام 2009 و لغاية يومنا هذا. ومن الملاحظ أنّ جميع رؤساء الوزراء الإسرائيليّين الذين أبدَوْا (مُرونةً نسبيّةً) في التّعامل أو التّفاوض مع الفّلسطينيّين أطِيح بهم ـ ابتداءً من رابين، مرورًا بباراك، وانتهاء بأولمرت ـ عـلى الرّغـم من أنّهم لم يقدّموا شيئًا يُذكر، فما بالنا إذا أقـدموا عـلى خطوات حقيقيّة باتّجاه تحقيق تسوية تاريخيّة للقضيّة الفـلسطينيّة. كيف سنجبر إسرائيل الآن عـلى إعادة ملايين اللاجئين في خِضمّ الأوضاع الفـلسطينية و العـربيّة التي نعيشها في مرحلة الرّبيع العربيّ و تداعياته .

وبالانتقال إلى موضوع الدّولة الواحدة الذي له من الإشكالات والتّعـقـيدات التي تجعل منه في غـاية الصّعوبة فـلسطينيًّا وإسرائيليًّا، بَـدءًا من الهـويّة والقـوميّة والطّبيعة الثّقافـيّة والدّينيّة والتّاريخيّة، وانتهاءً بشكل الدّولة واسمها. من المؤكّد أنّ حلّ الدّولة الواحدة سينقض الأسطورة الصّهيونيّة المشكلة و المؤسّسة لإسرائيل, وللوجود اليهـوديّ الّياسيّ في فـلسطين، منذ قيام إسرائيل، وصولاً إلى هذه الأيّام؛ حيث قانون القوميّة و يهوديّة الدّولة. لقد أعلن بن غوريون عام 1948 في ( وثيقة الاستقلال ) ما يلي : " بحكم حقّـنا الطّبيعيّ والتّاريخيّ بموجب قـرار

الجمعيّة العامّ للأمم المتّحدة عام 1947 نعلن إقامة دولة يهوديّة في أرض إسرائيل، وهي دولة إسرائيل " .

من خلال قراءتنا للمجتمع و للنّظام السّياسيّ الإسرائيليّ, نلاحظ ـ و بكلّ وضوح ـ انزياحه نحو اليمين القوميّ والدّينيّ, ممّا يجعل حلّ الدّولة الواحدة، بعيدًاـ عـلى الأقلّ ـ في المدى المنظور، ويمكن استنتاج ذلك من خلال قراءة نتائج الانتخابات الإسرائيليّة الثّلاث و تحليلها، والتي جـرت في العام الأخير، وكذلك من تحليل استطلاعات الـرّأي العام للمجتمع الإسرائيليّ التي تجريها مراكز الدّراسات والأبحاث، وبالمحصّلة؛ فإنّ مجمل الاستطلاعات تشير إلى أنّ نسبة التأييد الشّعبيّ في إسرائيل لحلّ الدولة الواحدة متدنيّة جدًّا .

ولا تختلف نظـرة الفـلسطينيّ عن نظرة الإسرائيليّ تجاه موضوع الدّولة الواحدة - بحسب استطلاعات اـرّأي العام الفـلسطينيّ - مع وجود بعض التّذبذب صُعودًا وهُـبوطًا من فترة لأخرى, بسبب مجمل الظّروف السّياسيّة والاقتصاديّة، وحالة الإحباط، وأحياناً التّناقـضات التي يعيشها الشّعـب الفـلسطينيّ, فالنّخبة والقيادة الفـلسطينيّة تطالبه بالصّمود والبقاء في أرضه في ظلّ مستقبل غامض وضبابيّة رؤيا، ولا نبالغ إذا قـلنا: إنّ جـزءًا من الشّعب الفـلسطينيّ لم يعـد يعـرف ماذا يريد، ولا إلى أين يتّجه .

و إذا قادتنا الظّـروف - إسرائيليًّا وفـلسطينيًّا - بشكل أو بآخر باتّجاه الدّولة الواحدة؛ فهذا سيحتاج إلى نضال طويل للوصول إلى فكرة الحقوق المتساوية أوالمواطنة الكاملة، وليس أدلّ عـلى ذلك ممّا جرى ويجـري مع فـلسطينيّي (عام 48) في الدّاخل, الذين ما زالوا يعانون من هـذه العـنصريّة بعد مرور أكثر من سبعة عقود .

يحاول البعض إقناعنا بإمكانيّة والوصول إلى فكرة (الدولة الواحدة) و احتماليّتها من خلال عـقد مقارنة أو محاولة استنساخ، ونقل تجـربة جنوب إفـريقيا، لكن نجد أنّـه من الصّعب القيام بذلك، فعـلى الرّغم من وجـود تشابه في السّياسات والسّلوكيّات ما بين إسرائيل ونظام الفصل العنصريّ في جنوب إفريقيا، إلا أنّ الفرق الجوهريّ ما بين التّجرِبتين يكمن في أنّ وجود الاحتلال الإسرائيليّ مرتبط بأفكارٍ تاريخيّةٍ دينيّةٍ, يؤمن ـ من خلالهاـ بأنّ فـلسطين هي الوطن التّاريخيّ لليهود، ولا بديلَ له أو عنه.

وأخيرًا ندرك تمامًا أنّ هناك فجوة ما بين المُتوقَّـع والمُتأمَّل، وهنا تبرز الإشكاليّة، فعندما تتحدّث بخطاب تفاؤليّ شعـبويّ، فستنطلق بالحديث عن المُتأمَّل البعيد كلّ البعد عن الواقع، سواء أكان ذلك في قـيام دولة فـلسطينيّة كاملة السّيادة عـلى حدود الرّابع من حزيران عام ،1967وعاصمتها القدس الشّرقـيّة، أوالدّخول مع الإسرائيليّين في مشروع الدّولة الواحدة بحقوقٍ متساويةٍ.

أمّــا المُتوقَّـع - من خلال فهم الواقع وتحليله بصورته الحاليّة - فهو بقاء الوضع على ما هو عليه في فـلسطين، (أي:أكثر من حكمٍ ذاتيّ، وأقـلّ من دولة، تحت مُسمّى (دولة))، وبالتّالي فإنّ هـذه الدّولة غير قادرة على العيش بمفـردها بحكم واقعها الجيوسياسيّ، ممّا يجعلها أمام خِيارات الكونفدراليّة،إمّــا ثنائيّة مع الأردن، أومع إسرائيل، أو مع كلتيْهما، أي: كونفدراليّة ثلاثيّة فـلسطينيّة أردنيّة إسرائيليّة .

إنّ الكونفدراليّة ـ بشكل عام ـ تحافظ على استقلال الدّول، وهويّاتها القوميّة، وتبقي هامش التعاون فيما بينها، ولكن في الواقع الفـلسطينيّ والعـربيّ, فمن المُتوقّع أن تتحوّلَ الكونفدراليّة إلى شكل من أشكال الهيمنة بسبب اختلال موازين القوى .

هذه هي قـراءةٌ أوليّةٌ للواقع الفـلسطينيّ ومآلاته عـلى المدى القريب، والكـرة مـا زالت في الملعـب الفـلسطينيّ الذي يتوجّب عليه أنْ يعيدَ ترتيب أوراقه وحساباته الدّاخليّة والخارجيّة، وبناء إستراتيجيتّه وصولاً إلى تحقيق أهـدافه الوطنيّة. ويجب أن لا يغيبَ عن أذهـاننا أنّ المشروع الصّهيونيّ في فـلسطين قد بـدأ بعـدّة آلاف من المهاجرين، ووصل ـ اليوم ـ إلى ما وصل إليه.

* أستاذ العـلوم السّياسيّةجامعة الخليل-فلسطين