الثلاثاء: 23/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

صفقة تبادل الأسرى

نشر بتاريخ: 15/08/2020 ( آخر تحديث: 15/08/2020 الساعة: 21:03 )

الكاتب: هبه أ. بيضون

خلال فعالية للأسرى قبل بضعة سنوات، سمعت من أحدهم أن هناك صفقة تعدها حماس للإفراج عن جميع الأسرى في معتقلات الإحتلال الصهيوني، وقيل لي حينها إن الموضوع قد اقترب من نهايته وإنه سيتم الإعلان عن تلك الصفقة خلال ستة أشهر على أبعد تقدير. فرحت بذلك الخبر وبدأت أترقب الإعلان عن الصفقة وتنفيذها.

سمحت لخيالي بأن يشطح في معنى تبييض المعتقلات، فتخيلت أنني أحضر ذلك الإحتفال الكبير الذي سيكون في فلسطين على إمتداد محافظات الوطن، وتخيلت الأسرى وهم على الأكتاف يرفعون العلم الفلسطيني بيد ويرفعون يدهم الأخرى بإشارة النصر، تخيلت عائلات الأسرى يقيمون الولائم في الشوارع، وتخيلت التنظيمات والأهالي يقدمون كل أنواع الحلويات في خيم نصبت لإستقبال المهنئين، فيما صوت الأغاني الوطنية يصدح عالياً والأعلام ترفرف في سماء الوطن. كما تخيلت المعتقلات الإسرائيلية كافة أماكن فارغة إلا من الحشرات وذكريات الأسرى المزعجة، وقد يكون لديهم بعض الذكريات الجميلة التي صنعوها لأنفسهم وبأنفسهم مع بعضهم البعض، والتي كانت تهون عليهم وحشة وقساوة الإعتقال. (كانت تخيلاتي قبل غزو فيروس كوفيد-19 للعالم) حيث كانت التجمعات هي الوضع الطبيعي.

مضت ستة أشهر ومن ثم سنة، مضت السنة الثانية وربما الثالثة ولم نسمع عن أي شيء تحقق.

بدأت الحكاية عندما زار وزير الخارجية الألماني هايكو ماس إسرائيل للمرة الأولى في شهر آذار 2018 وعرض عليها المساعدة بموضوع صفقة تبادل بين إسرائيل وحماس، وعلى ما يبدو أن إسرائيل وافقت، وكان هناك أيضاً تصريحات منذ زمن من قبل إسماعيل هنية ومن قبل نتنياهو حول إستعداد الطرفين لتبادل الأسرى، فكانت النتيجة أن أطلقت وكالة المخابرات الألمانية عملية تفاوض بين حماس وإسرائيل خلالصيف عام 2018.

قامت وكالة المخابرات الفدرالية الألمانية المعروفة بـ"BND" بتولي مهمة سرية من أجل التفاوض بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وكانت المحادثات السرية تدار من قبل إثنين من العملاء الألمان ودبلوماسي سويسري، وجرت في منطقة الشرق الأوسط والقاهرة.إنصب محور تلك المحادثات حول تبادل أربعة من الأسرى الإسرائيليين، مقابل إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين من المعتقلات الإسرائيلية.

وقد علمت من مصدر مقرب من حماس أن الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس جميعهم على قيد الحياة ، ولكن أعلن الإحتلال أنهم قتلى لكي لا يشكل أهلهم ضغطاً على الحكومة كما حدث مع قضية شاليط.

الجنديان المحتجزان لدى حماس هم أورون شاؤول وهادار غولدن بالإضافة إلى مدنيين آخرين أحدهما من أصل إثيوبي والآخر بدوي من النقب يقال إنه جندي أيضاً.

وخلال الفترة الماضية كان هناك تصريحات لبنيامين نتنياهو ألمح فيها إلى احتمال إتمام إسرائيل صفقة تبادل أسرى مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لإستعادة جنودها المحتجزين لدى الحركة منذ العدوان الأخير على قطاع غزة عام 2014.

وكانت حماس قد طلبت قوائم بأسماء المعتقلين الفلسطينيين في المعتقلات الإسرائيلية، وتسرب أن مروان البرغوثي وأحمد سعدات على رأس القائمة النهائية التي أعدتها حماس لتقديمها إلى الإسرائيليين.

وفجأة، لم نعد نسمع أي تصريحات ولا تسريبات بخصوص الصفقة من أي من الطرفين، وتبين لاحقاً أن المفاوضات بين إسرائيل وحماس قد تعثرت، وكما علمت أن السبب وراء تعثرها هو أن إسرائيل أرادت الإفراج فقط عن عشرين أسير فلسطيني وليس عن جميع الأسرى كما كانت تأمل حماس، وبالتالي رفضت حماس إتمام الصفقة.

هل يعقل أن تضيع حماس فرصة إطلاق سراح أسرى - إن لم يكن الأسرى- برفضها القاطع للشرط الإسرائيلي دون أن تحاول أن ترفع من سقف المفاوضات، وأن تستخدم المهارات التي استخدمها الشهيد أحمد الجعبري في التفاوض حول صفقة وفاء الأحرار عندما حرر ما يزيد عن 1000 أسير بعناده وإصراره وحسن تفاوضه!!

لو كانت حماس جادة في طرحها، ويمكن لي أن أجزم بنسبة 80% أنها جادة، عليها ألّا توقف الصفقة، وأن تستغل فرصة موافقة الطرف الإسرائيلي على إبرامها، كما أنه – ولو صدق القول- أن الإسرائيليين الذين بحوزة حماس هم أحياء وليسوا قتلى، فهذه ورقة رابحة وقوية يمكن لحماس أن تستغلها بنشر صورهم وبعض التفاصيل عنهم لتثير مشاعر أهلهم ومشاعر الشارع الإسرائيلي، ما سيشكل عامل ضغط على الحكومة الإسرائيلية لتقديم تنازلات وتلبية طلبات حماس.

لو أن الإسرائيليين لدى حماس أحياء، ما الذي يعرقل الصفقة إذن، وما الذي يثني حماس من أن تقوم بالتفاوض بعناد وإصرار على إطلاق سراح جميع الأسرى من معتقلات الإحتلال، ولو أرادت التنازل لإتمام الصفقة، فلتكن الأولوية للأسرى المرضى والنساء والشيوخ والأطفال ولذوي المؤبدات والأحكام العالية ولمن أمضى في الأسر أكثر من عشرين سنة.

أعتقد أنه لو توفرت الإرادة لدى حماس، لقامت بإبرام صفقة مشرفة مع الكيان الصهيوني، ولتوقفت عن اللعب بمشاعر الأسرى وعائلاتهم بين الحين والآخر بإعطائهم الأمل بأن التحرير قادم وقريب، ومن ثم السكوت عن الموضوع دون أي نتائج أو توضيح لما وصلت إليه الأمور.

على حماس أن تكسب ثقة أسرانا وأن تثبت مصداقيتها وأن تتبع الشفافية التامة حول قضية الأسرى، يجب أن يخرج أحد قادتها إلى العلن ليضع الشعب بحقيقة الأمور وإلى أين وصل موضوع الصفقة، وألا يترك المجال للتكهنات والتحزير والإفتراضات.

موضوع الأسرى موضوع حساس على قدر أهميته ورمزيته، والمطلوب هو أن تقوم حماس بإكمال الجهود نحو التفاوض، وأن تستخدم أوراقها جيداً لتحقيق اعلى مكاسب ممكنة.

ولإدراكي وقناعتي أن ملف الأسرى ليس بيد حماس وحدها، يجب عليها التواصل مع الجانب المصري الذي يمسك بزمام إدارة هذا الملف، والنابع من حرصه على إبرام صفقات التهدئة بين المقاومة وإسرائيل، للتنسيق والتشاور وترتيب الأمور من خلالها.

تحرير الأسرى واجب وطني لمن يستطيع القيام به، ولمن يملك الأوراق الكافية للقيام بذلك، فلا يعقل أن يكون هناك أسرى أمضوا سنوات طويلة من عمرهم في الأسر، ولا زال عليهم أن يمضوا ما تبقى من عمرهم في الأسر بسبب المقاومة المشروعة للإحتلال والتي كفلها لهم القانون الدولي.

هذا قمة الظلم، ويبلغ الظلم ذروته عندما لا نقوم بالمستحيل لإتمام الصفقة لإطلاق سراحهم.