الأربعاء: 24/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

لنبني على الجانب المشرق من متغيرات التاريخ

نشر بتاريخ: 29/09/2020 ( آخر تحديث: 29/09/2020 الساعة: 13:33 )

الكاتب: مروان أميل طوباسي

رغم تعقيدات المشهد السياسي الدولي والإقليمي والهرولة باتجاه التطبيع مع دولة الاستيطان والقهر العنصري ، الا اننا لا نملك سوى التمسك باستمرار كفاحنا الوطني في رفض الاحتلال وإسقاطه كجريمة مستمرة منذ ٥٣ عاما وبعد ٧٢ عاما من إتمام صفحات النكبة الأولى كجريمة ضد الإنسانية مكتملة الأركان ، بما تشكله تلك الجريمتين وغيرها من انتهاكات القانون الدولي وكافة القرارات الأممية ، محاولة لتنفيذ المشروع الصهيوني الاستيطاني الاحلالي المرتكز على استهداف الحقوق الغير قابلة للتصرف لشعبنا الفلسطيني صاحب الأرض, وفي مقدمتها حق تقرير المصير وإقامة الدولة والعودة.
الضم الذي أعُلن عنه سابقا وبغض النظر عن مساحاته او أشكاله ،أو اعلان تجميده، هو امر واقع بالأساس على الأرض منذ أن تم ضم القدس او السيطرة الفعلية على ثلثي مساحة الاغوار ومناطق المستوطنات ، تلك هي تفاصيل و تداعيات لاستمرار تلك الجريمة المتمثلة اساسا بالاحتلال الاستيطاني ومحاولات استدامته كاحتلال غير مكلف.
إن منهج الاستمرار بتصعيد معركتنا ضد الاحتلال برمته كجريمة أمام المجتمع الدولي هو ضرورة، حتى لا يضيع العالم بتفاصيل صغيرة تتعلق بالإجراءات والانتهاكات اليومية للاحتلال، وحتى لا يتم الوقوع في كمائن حلول الانتعاش الاقتصادي او المساعدات الانسانية او تحسين شروط حياة تحت الاحتلال.
علينا ان نسير قدماً في ما تتطلبه مرحلة التحرر الوطني من دحر هذا الاحتلال البشع بكل ما نملك من مبادئ وأوراق حق وعلاقات مع قوى الحرية والتقدم في هذا العالم وشعوبه ، واستمرار كفاحنا أمام هيئة الأمم المتحدة ومنظماتها الدولية والحقوقية والمحاكم الجنائية الدولية من أجل تجسيد المفهوم القانوني لدولة تحت الاحتلال وفق مبادئ القانون الدولي وميثاق هيئة الأمم.
إن استمرار هذا التوجه يتطلب وضوح العمل مع لجان المقاطعة و شبكات التضامن الدولي للشعوب وتقديم الدعم و التأييد لها لتمكينها من استمرار الضغط الجماهيري على حكوماتها حول العالم حتى لا تبقى صامته، وانجاحها في ما تعمل له من أجل فضح الاحتلال وتجريمه ومقاطعته.
إن تحقيق ذلك يستدعي توسيع قواعد العمل الدبلوماسي الرسمي والعام المقاوم في إطار السياسة الرسمية للقيادة الفلسطينية وتكاملها مع المواقف الشعبية لشعبنا ، و المساهمة في بناء شبكات ضغط وتضامن من جانب شعوب العالم تؤثر في نمط سياسات حكوماتها وصناعة القرار فيها ، حتى لا تتراجع بأقل الإيمان المواقف التقليدية للحكومات في أوروبا و أمريكيا اللاتينية وأفريقيا وغيرها من قضيتنا.
إن هذا الأمر يتطلب طبعا الارتقاء الفعلي بأشكال مقاومتنا الشعبية بالوطن، وحشد دور جماهيرنا واطرنا الوطنية في مخيمات اللجؤ ومن خلال جالياتنا وفعالياتنا ورجال أعمالنا بالشتات من خلال استنهاض نفسها وتوسيع قاعدة عملها بين اوساط شعبنا والجاليات العربية بما يتوافق مع الرؤية السياسية الرسمية لقيادتنا في منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة دولة فلسطين ورؤية الأخ الرئيس للصمود والمقاومة والسلام العادل ،بما يتطلب ذلك أيضا من تكثيف الجهود المشتركة الى جانب سفاراتنا المعتمدة حول العالم للمساهمة في تحقيق الأهداف والرؤية الوطنية المطلوبة، التي تتطلب التعاون والتكاثف بين الجميع أمام هذه المرحلة الحرجة التي يستهدف فيها الاحتلال العنصري الكل الوطني وهويتنا الوطنية وروايتنا التاريخية وعلاقاتنا مع دول وشعوب العالم.
فرغم أهمية ممارسة النقد الموضوعي الايجابي وضرورة مراجعة السياسات وبناء استراتيجيات العمل الوحدوية الديمقراطية واليات تحقيقها بالاستناد الى مخزون شعبنا ، الا ان ذلك يحب أن يكون من منطلقات وطنية، تحافظ على قرارنا الوطني المستقل وتهدف الى تقوية البيت الداخلي ، لا دعوات حق يراد بها باطل بهدف تمزيق نسيجنا الاجتماعي والوطني تصب في محاولات ضرب وحدانية وشرعية تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية و تراثها والاسائة الى مؤسساتها ، والوقوع في محظور هدم القلاع من داخلها.
إن حركتنا الوطنية الفلسطينية صاحبة التاريخ من الثورات والانتفاضات وإلتى قدمت على مدار ٧٢ عاما من الظلم التاريخي والاضطهاد ما قارب من المئة الف شهيد ودخول المليون أسير الى معتقلات الاحتلال ، هذه الحركة التي ما زالت تستكمل مرحلة التحرر الوطني من الاحتلال ، بكل ما لها وما عليها ، وإلتى استندت في رؤيتها لتجارب فكر إنساني ثوري ولنضالات حركات وطنية تحررية صديقة حققت انتصاراتها، فهي قادرة على استلهام الدروس من تجاربها وتجاربنا السابقة وبناء خطط عمل تقرب شعبنا من تحقيق حريته وكرامته في دحر الاحتلال. .
فرغم ان المتغيرات الدولية المتسارعة قد فرضت واقعا سيئاً على النظام العالمي حتى الآن، تأثرنا به نحن ، من خلال محاولة فرض قواعد جديدة للصراع والعلاقات الدولية صَعّدت من سياسات الهيمنة الأمريكية اليمينية ذات البعد الديني المبنى على أساس رواية الصهيونية المسيحية الانجيلية خلال العقدين الماضيين ، الا ان هنالك نهوضا شعبيا اليوم ضد الاستغلال والعنصرية والاضطهاد في أماكن متعددة من هذا العالم ، ومنها في الولايات المتحدة وأوروبا، إضافة إلى مواقف من الصمود والتحدي لعدد من الدول في مواجهة رؤية المتطرف الأمريكي واستعراضه وغطرسته ، الأمر الذي يجب البناء عليه والاستفادة منه حتى تتم المساهمة في احداث تغير جديد ينقل العالم من نظام القطب الواحد الاستبدادي الى نظام جديد تسود في العدالة.
فرغم سياسة الهيمنة والعربدة الصهيو أمريكية في هذا العالم في اجواء استغلال انتشار جائحة الوباء وممارسة ابشع انواع الابتزاز السياسي و الاقتصادي على قيادتنا وشعبنا الفلسطيني وعلى دول أخرى من أجل القبول بتفاصيل ما يسمى بصفقة القرن وفرض استمرار تداعياتها من اتفاقيات التطبيع مع أنظمة وظيفية ، فهنالك أيضا تجري مسألة استغلال معاداة السامية وربطها الدنيئ بمعاداة الصهيونية في محاولة لفرض وقائع سياسية على عدد من الدول والأحزاب في هذا العالم، تحديدا في أوروبا، بمساعدة المال اليهودي الصهيوني ، والتلويح باتهامهم بفزاعة معاداة السامية ، بما يترافق أيضا من تنفيذ مفاهيم ومشاريع الأمن والطاقة تحديدا في شرق المتوسط، وخلط تحالفات وتكتلات جديدة وإثارة نزاعات بين دول من أجل خدمة مصالح الحركة الصهيونية والادارة الأمريكية واليمين الشعبوي المتطرف في أوروبا الذي يحظى بدعم إسرائيل والإدارة الأمريكية التي تسعى من خلال وَهْم دعم الديمقراطيات بالعالم، إلى إلاثارة الفعلية للنزاعات ونشر الفوضى والأسلحة حول العالم ما يهدد السلم والامن الدوليين.
لذلك يتوجب علينا اليوم التوجه إلى هذه الشعوب أينما كانت في هذا العالم والمساهمة الفاعلة مع اصدقاؤنا فيما يدعوا هم له من احتجاجات ضد العنصرية والقهر ، والاستفادة منها والمشاركة فيها لابراز جريمة استمرار الاحتلال وانجاح إعادة ربط الصهيونية بالعنصرية، وتفعيل العمل المشترك من أجل نفاذ القانون الدولي.
إن مسألة عدم قدرة الجزء الأكبر من المجتمع الدولي اليوم على استمرار تحمل عبئ إسرائيل كدولة مارقة فوق القانون ، وتَعارُض الاحتلال وعنصريته مع مبادى نشؤ الدول الحديثة ، يجب أن يدفعنا لربط هذا الاحتلال وسلوكه بانتهاكات تلك المبادئ السامية ، والبناء على عدم قدرة الانظمة السياسية الحاكمة حتى في أوروبا بتجاهل المطالب الشعبية وقوى الرأي العام وأحزاب المعارضة الديمقراطية فيها ، بل وحتى في اوساط من قاعدة تلك الاحزاب الحاكمة نفسها ، والعمل مع كل تلك القوى عن قرب على قاعدة القيم المشتركة التي تجمعنا معهم و المتمثلة بالديمقراطية والسلام وحقوق الإنسان والتقدم الاجتماعي لمستقبل البشرية جمعاء.
لذلك ، علينا عدم النظر الى الأمور ومتغيراتها من زاوية سوداوية واحدة، فهنالك ما هو دائما مشرق بمقابل ذلك في هذا العالم ، فالتاريخ لا يتوقف ابدا، وهنالك زوايا أخرى نستطيع أن نرى من خلالها.
علينا الاستفادة من ذلك الضؤ في نهاية النفق حتى ولو كان باهتاً، فكلما اقتربنا منه يصبح اكثر اشعاعاَ.
فلكل حدث بداية، وسيرورة، ونهاية، فتلك هي ابسط دروس فلسفة التاريخ ومعانيه، فلنبني على الجانب المشرق للتاريخ الذي يحمل دائما بدايات جديدة ، فلا سياسة توحش وسطوة ترامب والإمبراطورية الأمريكية ولا قهر الاحتلال العنصري واستدامته، هما قدراً ثابتاً علينا وعلى شعوب العالم وقيمها الإنسانية.