السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

موسم التين ومواسم الجمعية العامة للأمم المُتحدة

نشر بتاريخ: 01/10/2020 ( آخر تحديث: 01/10/2020 الساعة: 16:58 )

الكاتب: السفير منجد صالح

يتصادف ويترافق موسم التين في بلادنا مع مواسم "الهرولة" إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، كل عام، في أيلول – سبتمبر، للدلو بدلاء الخطابات "المُنمّقة" والمعدّة سلفا من قبل الزعماء والرؤساء والملوك والأمراء ورؤساء الوزارات وممثلي الدول ومندوبيها.

هذا العام، وبسبب جائحة الكورونا، كان التين، أقصد كانت الخطابات عبر الفيديو كونفرنس أو السكايب، عبر الإنترنت، وعن بُعد.

لم أتابع شخصيّا، ربما كما لم يفعل الكثيرين في منطقتنا والعالم، تداول خطابات "الزعماء" من على منصّات مكاتبهم الفارهة الأنيقة، عبر الأثير إلى مقر جمعية، "عرين"، السيد غوتييريش البرتغالي، الذي يعتلي أكبر كرسي في هذا العالم، ألا وهو كرسي الأمين العام للأمم المُتحدة.

أقصد أكبر كرسي مجازا لأن لا أحد في هذا العالم يُنافس الطاووس الأشقر ترامب، وكرسيه، فظاظة وصلفا وغطرسة وبلطجة.

في موسم التين تُعتبر العصافير الأكثر بهجة وسعادة وإستفادة من التين بانواعه اللذيذة وأسمائه العريقة، الخضاري والبياضي والخرتماني والموازي والزريقي والعسيلي والسويدي والشحيمي.

وعلى ذكر التين الشحيمي، أي من الشحم، فإننا نقول أن هذا العصفور "مشحّم" أم "متيّن" أي يزداد شحما في موسم التين، وخاصة ذلك العصفور الصغير الخفيف الظريف المُسمّى "الفسيسي"، نظرا لصغر حجمه وطيرانه المُتلوّي لخفّته وكأنه "ريشة" تتقاذفها نسمات الرياح الصيفية الدافئة والمُنعشة.

ل "الفسيسي" هذا قصة تُحكى في موروثنا الشعبي، وهو أن هذا العصفور الخفيف يزداد فرحا وطربا وزهوا في موسم التين، يقفز من فرع لفرع ومن شجرة لشجرة وهو يُغنّي فاردا ريشه مزهوّا ب "تتينه": "أنا الفسيسي الغدّار نقطة منّي تملّي الدار".

ويبقى ينط ويفط ويُغني من فرع لآخر حتى يقع في قوس، مصيدة، نصبها أحد الفتية على شجرة التين لإصطياد العصافير، ويُحكم خيط القوس على رجليه، فيأخذ يتلوّى من الألم ومن قسوة المصيدة، فيبكي ويُنشد ويقول: " انا الفسيسي ويش منّي نقطة زيت أحسن منّي!!.

كما ذكرتُ آنفا لم يتسنى لي للأسف "إغتباط" المناسبة و"غبطة" متابعة "الدُرر" الهاطلة علينا من سقف قاعة الإجتماعات الكبرى في مبنى الأمم المُتحدة في نيويورك، لكنني ضمن متابعاتي لصفحات الصحف الإلكترونية اليومية، وقع تحت بصري خطاب جلالة خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز.

ومع ان ملوك العربية السعودية، تاريخيا، يتّصفون بالرصانة والهدوء في خطاباتهم ومخاطباتهم الرسمية، إلا انني لمست "حدّة ونفسا حربجيّا" في خطاب جلالته، وخاصة حيال الأعداء الجُدُد -هل كان لديهم أعداء قُدُم – أي إيران وحزب الله بالإسم والتلميح والتصريح.

يقول الملك سلمان في خطابه: "النظام الإيراني إستهدف المُنشآت النفطية السعودية العام الماضي، والعالم يرى مرّة بعد أخرى زيادة أنشطة نظام إيران الإرهابية والتوسعية".

يبدو لي أن جلالة الملك يقصد ويُشير إلى قصف الحوثيين اليمنيين المُنشآت النفطية السعودية العام الماضي.

جلالة الملك وولي عهده الأمير محمد بن سلمان جنّدوا تحالفا "عربيا"، "مُناصرا للشرعية"، طويلا عريضا، طنّانا رنّانا، من أجل قصف الشعب اليمني، ومن أجل قصف كل إنسان وحيوان وجماد وشجر وحجر على أرض بلاد اليمن، التي كانت سعيدة، وأصبحت "تعيسة" بفضل جيرانه، الذين "يطمرونه" بالقنابل والصواريخ بدل المساعدات وبناء المستشفيات ومداواة أطفاله الذين يموتون مرضا وجوعا في الألفية الثالثة.

هل تتوقّعون أن يجني الحوثيون العسل اليمني الشهير والمميز من جبال صعدة ويقدمونه لكم في صفائح "مزخرفة"، "حلوانا وشكرا وعرفانا وامتنانا" لإبادتكم عشرات ومئات بل آلاف الأطفال اليمنيين المسالمين الغافلين النائمين في بيوتهم المتواضعة؟؟؟!!!

أمّا فيما يخص حزب الله، الذي كانت الجامعة العربية "المُبجلة" قد أعلنت عنه "حزبا إرهابيا"، وتمّ إقتلاع شجرة قناته، قناة المنار الرصينة، من على "القمر العربي المُظلم" النايل سات، فقد هاجمه جلالة الملك وحملّه مسؤولية تفجير مرفأ بيروت، تلك المسؤولية التي لم يجرؤ لا نتنياهو ولا ترامب حتى بالتلميح لها.

ربما أن المخابرات السعودية، مخابرات جلالته، قد "بزّت" السي أي إيه والموساد و"إكتشفت معلومات خطيرة" عن تورّط حزب الله في تفجير مرفأ بلاده!!!!!

زخرت منصة الأمم المتحدة بخطاب آخر "لا يقل أهمية" عن خطاب جلالة الملك السعودي، ألا وهو خطاب "الملك" نتنياهو!!!

خطاب نتنياهو "المدبوز" بالكذب والغطرسة والتحايل والمداهنة والبلطجة. يحمل في يده صورا سخيفة ممجوجة مكررة عن مواقع ومخازن وقواعد صواريخ لحزب الله بجانب مطار بيروت، في أماكن "مأهولة بالسكان".

ويقطر فمه قيحا ودما وغطرسة عندما يتحدّث عن الفلسطينيين و"ضرورة" عودتهم إلى طاولة المفاوضات على أساس خطة ترامب وكوشنير، صفقة القرن.

صفقة القرن "بقرت قرونها" بطون كل ما هو واقف من اتفاقات ومعاهدات وقرارات دولية، وقلبت الطاولة ولم تُبق عليها إلا قلما أسودا تدعو الفلسطينيين أن يمتشقوه وأن يوقعوا على "مخالصة" بين أمريكا وإسرائيل لم يكونوا هم طرفا فيها.

نتنياهو وترامب يُريدان عالما خاليا من التين، أقصد خاليا من الأسلحة، إلا من أسلحة إسرائيل وأمريكا الهجومية الحديثة القاتلة المُجرمة.

يُريدان حزب الله دون سلاح وحماس والجهاد الإسلامي دون سلاح وإيران دون سلاح وكوريا الشمالية دون سلاح، وحتى روسيا والصين دون سلاح!!!

نتنياهو يريد أن "يقتلع" قرون "الكبش" حتى لا يدافع عن نفسه أمام أنياب ذئبه المسعور. أو كما يقول القول المأثور والحكمة "لاعبيني على دلالي!!!".

ويريد أن يتعامل مع الآخرين "بقانون المُحقان"، قانون "القُمُع"، الواسع من فوق له والضيّق من تحت للآخرين.

أمُا ترامب فيحق له أن "يتفشخر" ويهمس صارخا أن لدى أمريكا أسلحة حديثة لا يعرف عنها أحد وقوتها التدميرية مهولة. ويبتسم ... فتدمير العالم يمنحه الغبطة والسعادة، فهو لا يرى في هذا الكوكب إلا أمريكا وإسرائيل.

لولا موسم التين لرجعت "سلّاتنا"، سلالنا، فارغة بلا تين ولا طحين، بلا محصول خطابات، بلا مردود مادي أو معنوي أو سياسي أو اقتصادي. ولسمعنا جعجعة كثيرة ولم نرى شيئا من الطحين.

نحمد الله على نعمة التين التي منحنا إياها، والتين والزيتون أشجار مقدّسة تزخر بها بلادنا واقسم الله بهما في كتابه العزيز: "والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين"، صدق الله العظيم.

يجب مراجعة كتب التاريخ ... مراجعة سيرة هوشي منه والجنرال جياب، بطولات عبد القادر الحسني وعبد القادر الجزائري، كفاح عمر المختار، صمود أبو علي إياد وبراعة سعد صايل (أبو الوليد)، بطولة دلال المغربي وسناء المحيدلي وجميلة بوحيرد، إقدام فارس عودة، وقوّة شكيمة وبراعة عمر أبو ليلى، بهي الطلة بهي الطلعة دائما، وتضحية مهند الحلبي وأشرف نعالوه، ودقة تصويب ثائر حمّاد.

فقد أثبت التايخ بأنه لا يمكن أن تفلّ الحديد بالتين!!!

وإنّما، "لا يفلّ الحديد إلا الحديد".

كاتب ودبلوماسي فلسطيني