الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

أسرار لقاح كورونا الجيني

نشر بتاريخ: 27/11/2020 ( آخر تحديث: 27/11/2020 الساعة: 22:05 )

الكاتب:

بقلم دكتور/ علي الوعري – الصين

عضو فريق يوميات فيروس

إن عملية تطوير لقاح من نوع الـ (mRNA) هي عملية بسيطة وسريعة التركيب ومنخفضة التكلفة، وبلا شك أن هذا النوع من اللقاحات له تأثير مساعد لتنشيط الاستجابة المناعية في الجسم. لكننا لا زلنا بحاجة لمزيد من التحارب السريرية لنتحقق من كفاءة عمل تقنية التوصيل الآمن لمادة (mRNA) إلى جسم الإنسان، علما بأن التجارب على بيئة الحيوان لا يمكن أن تُعتمد كمعيار أمان بالنسبة للإنسان نظراً للاختلافات الكبيرة بين بيئة الحيوان والبيئة البشرية، وكذلك فيما يتعلق باستقرار مادة (mRNA) عند الإنسان مقارنة بمستوى استقرارها عند الحيوان.

تقنية إيصال مادة mRNA إلى الخلية ، طريقة حقن اللقاح ، حقوق الملكية وبراءة الاختراع

هذه هي نقاط الثلاث المهمة التي يمكن لها أن تؤثر بشكل مباشر على نجاح أو فشل هذا النوع من اللقاحات. لذا فإنه يتوجب علينا معرفتها ودراستها بشكل مفصل.

بداية، دعونا نفهم آلية عمل هذا النوع من اللقاحات: ففي عام 1990م، ولأول مرة، أكد الباحث (Wolff) وزملاؤه بأن مادة (mRNA) المُصنَّعة في المختبر عند حقنها في عضلة الفئران ينتج عنها بروتين نشط يعمل على تحفيز جهاز المناعة. وهذا هو بمثابة النموذج المبدئي لعمل لقاح (mRNA).

ومن الجدير بالذكر أن من بين العقبات العديدة التي تقف أمام تطوير هذه التقنية من اللقاحات، عقبة مهمة جداً تكمن في مادة الـ (mRNA) ذاتها، حيث أن من صفاتها ضعف استقرارها وسهولة تحللها بواسطة النوكليازات (Endonuclease) الموجودة داخل الجسم الحيوي. ولهذا السبب فإن الباحثين بحاجةٍ ملحةٍ لتطوير نظام يسمح باستقراراها وفعاليتها ويقوم في الوقت ذاته بتوصيلها إلى داخل الخلية دون أن تتفكك أو تتسمم، وهذا هو مفتاح نجاح لقاحات (mRNA).

ولذلك، فإن الشغل الشاغل للباحثين حول العالم هو إجراء المزيد من الأبحاث والدراسات لإيجاد وسيلة التوصيل المناسبة التي يتم من خلالها إيصال هذه المادة إلى الجسم ومنه إلى داخل الخلية في سبيل الحصول على تأثير مناعي أفضل. واستناداً للأبحاث السابقة التابعة للعديد من الشركات التي تدرس إمكانية تصنيع أدوية الـ (mRNA) والتي كانت جميعها تبوء بالفشل خاصة عند البدء بمراحل تجريبها على البشر، حيث كانت تواجه تلك الشركات مشكلةُ إيجاد تقنية لتوصيل أدوية الـ (mRNA) إلى الخلية البشرية، وهذه المشكلة هي في الأصل مشكلة خاصة بتقنية الجسيمات الشحمية (lipid nanoparticle, LNP) التي كانت تستخدم لحفظ مادة الـ (mRNA) بداخلها دون أن تتكسر مع مراعاة بقائها في حالة مستقرة ودون أن يكتشفها جهاز مناعة الإنسان قبل وصولها إلى الخلية البشرية.

ومن الجدير بالذكر أن هناك طرقاً وتقنيات أخرى مثل (lipoplex,LP) و ( lipopolyplex,LPR) و (cationic nanoemulsion,CNE) بالإضافة إلى (dendritic cell, DC) وطرق النقل بالفيروسات أو مشتقاتها كما هو الحال في نوعية تطعيم (SAM)، وأن لكل طريقة مميزاتها ومساوئها، وأن جميعها تجتهد للمحافظة على استقرار مادة الـ (mRNA) قبل وصولها إلى الخلية البشرية. ولكن تقنية (LNP) تعتبر هي الأفضل حتى الآن في إنجاز هذه المهمة بالنسبة للقاح الـ (mRNA) وذلك بعد تحسينها بإضافة بعض التعديلات عليها من خلال استخدام مواد كيمائية أو حيوية خاصة. وبلا شك فإن هذه الجسيمات الشحمية (LNP) لطالما كانت هي السبب وراء تنشيط استجابة التهابية قوية وإحداث تسمم في الكبد (خاصة أثناء الحقن المتكرر لها). وبلا شك، فإن هذه العقبة شكلت السبب الرئيس وراء الإعلان المبكر لفشل مشاريع إنتاج العديد من شركات الأدوية المصنعة لمثل هذا النوع من تقنية الـ (mRNA) للأدوية.

وقبل الاستخدام الواسع لتقنية الجسيمات الشحمية (LNP) أو أي تقنية أخرى جديدة في نقل مادة الـ (mRNA) إلى داخل الجسم البشري، فإن يجب علينا أولاً، وبشكل منفصل، إجراء المزيد من الدراسات على سلامتها الشاملة، بل ويجب أيضاً عمل دراسة تفصيلية لها، لنتبين إمكانية أو عدم تسببها في إحداث تسمم وراثي (Genetic toxicity) أو تسمم في الإنجاب ( Reproductive toxicity) وألا نكتفي أبداً بدراسة مدى سُميَّتها بشكل عام فقط.

ومن الجدير بالذكر أن الـ (mRNA) الذي يتم تصنيعه في المختبر قد يؤدي إلى عدد كبير من التفاعلات الالتهابية، وهذا بدوره سيؤدي إلى استجابة مناعية عالية في جسم الإنسان، وستكون درجة استجابة هذه المناعة بعد اكتشافها لمادة الـ (mRNA) مرتبطاً بشكل أساسي على اليوريدين (Uridine) المكون جزئياً من اليوراسيل (Uracil) وهذه هي أحد النيوكليوسيدات (nucleosides) الخمسة الأساسية التي تشكل الأحماض النووية. ولقد تبين لاحقاً أن استخدام البسودوريدين (Pseudouridine) بدلاً من اليوراسيل (Uracil) في تقنية تعديل الجسميات الشحمية (LNP) الناقلة والمحافظة على استقرار الـ (mRNA) يؤدي إلى انخفاض تعرف الجهاز المناعي على الـ (mRNA)، حيث أن هذه الاستراتيجية في التعديل هي في الأصل براءة اختراع تابعة لجامعة بنسلفانيا التي باعت حقوق ملكية هذا الاختراع لاحقا إلى (Cellscript).

وبلا شك، فإن الطرق المختلفة لحقن هذه المادة الشحمية (LNP) التي تغلف مادة الـ (mRNA) وبالأخص عملية تكرار الحقن فإنها تعلب دوراً مهماً في التأثير على تحفيز تعبير البروتين الناتج عنها داخل الجسم، وهذا بدوره سوف يؤثر على شدة الآثار الجانبية التي قد تنتج بعد حقن مادة الـ (mRNA). وعلى سبيل المثال، فإن تغيير مسار طريقة الحقن بتقنية (LNP) يمكن أن يؤدي إلى تغيير كمية ومدة تعبير الـ (mRNA) في الجسم الحي، حيث بينت التجارب السابقة أن الحقن العضلي (Intramuscular injection) والحقن داخل الأدمة (Intradermal injection) لهذه المادة أعطى تعبيراً بروتينياً أطول أمداً مقارنة بطريقة الحقن في الوريد (intravenous (IV) injection).

وبالمناسبة هناك خمس طرق رئيسة يتم من خلالها حقن مادة الـ (mRNA) وتوصيلها إلى داخل الجسم وهي:

1- الحقن في الوريد intravenous (IV) injection:

هي طريقة تستخدم لإيصال المادة المحقونة عن طريق تدفقها عبر الدم إلى جميع أجزاء الجسم، وهي طريقة شائعة لحقن الجسيمات الشحمية (LNP) المحملة بمادة الـ (mRNA) حيث يكون تأثير الدواء من خلالها سريعاً؛ فبعد إتمام الحقن بالوريد، أولاً يتم تناول الجسيمات الشحمية (LNP) عن طريق الأنسجة الغنية بالخلايا البطانية الشبكية (Reticuloendothelial cells) (الكبد والطحال)، ثم تبتلعها خلية الضامة وحيدة النواة (macrophages)، ويتم امتصاص كمية صغيرة منها عن طريق الرئة ونخاع العظام. ونظراً لاختلاف حجم وشحنة الجسيمات الشحمية للـ (LNP) التي تدخل الدم، فإن معدل التصفية لها في الدم يختلف أيضاً حسب هذا الاختلاف، حيث أن الجسيمات الشحمية الكبيرة تتمتع بمعدل إزالة أسرع من الجسيمات الشحمية الصغيرة. ومن الجدير بالذكر أن هذه الطريقة بالحقن قد تنتج عنها أثار جانبية أكبر من تلك التي قد تظهر بعد الحقن بالطرق الأخرى وخاصة عند وجود بقايا سامة من تحليل هذه المادة الشحمية، فسيكون له آثار جانبية كبيرة على الجسم.

2- الحقن تحت الجلد Subcutaneous injection:

إنها الطريقة الأكثر استخداماً لحقن اللقاح، فهي تهدف إلى توصيل مادة الـ (mRNA) بين الجلد والعضلات الهيكلية، ويمكن للحقن بهذه الطريقة أن تنتقل مادة الـ (mRNA) مباشرة إلى (Dendritic Cells, DC) في العقد الليمفاوية، ولكن في المقابل فإن طريقة الحقن تحت الجلد هي عملية صعبة لأن لها قيود معينة على كمية الجرعة، حيث إن زادت هذه الكمية أكثر من اللازم فإنه يتوجب حقنها بشكل منفصل.

3- الحقن العضلي Intramuscular injection:

وهي طريقة توصيل مادة الـ (mRNA) إلى الأنسجة العضلية. وميزة الحقن بهذه الطريقة أنه من الممكن حقن مادة الـ (mRNA) بجرعات كبيرة، ولكن في المقابل لا ننسى أن حجم الجسيمات في الجرعة وشحنتها الكهربائية لها متطلبات خاصة فهي تؤثر بشكل مباشر على فعالية هذا الدواء.

4- الحقن داخل الأدمة Intradermal injection:

يمكن لهذه الطريقة من الحقن أن توصل الجسيمات الشحمية مباشرة بين البشرة والأدمة، ويمكن لها أيضاً أن تحفز الاستجابة المناعية بشكل فعال خاصة وأنها تحفز الاستجابة المناعية من النوع (Th1) (الخلية التائية المساعدة 1) حيث أن هناك عدداً كبيراً من الخلايا المناعية (خلايا لانجرهانز) (Langerhans cells LC)، (أنواع فرعية DC) موجودة بين البشرة والأدمة. ومع ذلك، فهذه الطريقة من الحقن لها نفس أوجه القصور مثل الحقن تحت الجلد، حيث لا يمكن لأي منهما تحقيق الحقن بجرعة كبيرة، وهذا ما يتطلب تقسيم الجرعة العلاجية المطلوبة إلى عدة جرعات منفصلة.

5- نقل العدوى صناعياً من خلال الخلايا المناعية الملحقة Transfection of Dendritic Cells ,DC:

هناك طريقة أخرى مهمة جداً لإعطاء لقاح الـ (mRNA) وتتم عبر نقل العدوى صناعياً من خلال الخلايا التي تصنع المضاد أو المناعية الملحقة DC، فإن خلايا DC هي خلايا مهمة في كشف مولدات المضاد داخل الجسم الحي، ويحتاج الأمر لتحضيرها في المختبر قبل حقنها في الجسم الحي، فبعد عزل خلايا DC البشرية غير الناضجة في المختبر يمكن نقل الـ (mRNA) إليها بواسطة تقنية التفريد الكهربي (electroporation) حيث يمكن لنقل العدوى صناعياً من خلال خلايا DC بعد ابتلاعها لمولدات المضاد أن تعمل على التحفيز اللاحق للاستجابة المناعية. ومن ثم يمكن الاعتماد عليها بعد نقلها إلى جسم الإنسان في توليد مناعة سلبية (passive immunity).

وهناك طريقة أخرى لإيصال الدواء من خلال خلايا DC هي بحقن مادة الـ (mRNA) مباشرة داخل الغدة اللمفاوية، وهي طريقة معقدة وفيها مخاطر كبيرة.

إن تقنية نقل العدوى صناعياً لـ DC في إيصال لقاحات الـ (mRNA) تتطلب وقتاً طويلاً ولها متطلبات فنية عالية جداً للزراعة في المختبر. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنها تتطلب الحصول على خلايا DC البشرية لتحضيرها في المختبر، وهذا أمر يصعب تحقيقه في ظل الظروف العادية.

ما زال نجاح لقاح الـ (mRNA) مقيد بكفاءة التقنية والطريقة التي سوف توصله بأمان إلى داخل الخلية، حيث تبين أن عدداً قليلاً جداً يقدر بـ (0.01٪) من جزيئات المادة المحقونة هو فقط الذي ينجح بدخول جدار الخلية ليصل إلى السيتوبلازم، ويبدأ بالتعبير عن البروتينات المطلوبة لتحفيز جهاز المناعة، لذا يتم إعطاؤه بجرعات كبيرة لضمان دخوله بكميات أكبر ومحددة لتسمح له بالتعبير عن البروتين اللازم وتكوين استجابة مناعية مقبولة، ولكن في المقابل ومع زيادة كمية الجرعات، فهذا بحد ذاته سيؤدي إلى آثار جانبية كبيرة. لذا لا زالت التجارب قائمة لاختيار الطريقة الأنسب للحقن والتي سيكون من الممكن من خلالها أن يسمح للجسيمات الشحمية بأن توصل مادة الـ (mRNA) بشكل أفضل وتحفز تأثيرات مناعية أكبر بجرعات أصغر وآثار جانبية أقل.

سأتطرق للحديث عن حقوق الملكية وبراءات الاختراع الخاصة بالتقنيات المستخدمة في تطوير لقاح الـ (mRNA) في مقال آخر خاص

-تابعونا-