السبت: 27/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

أوباما لم يكذب في وصف نتنياهو!

نشر بتاريخ: 05/12/2020 ( آخر تحديث: 05/12/2020 الساعة: 21:16 )

الكاتب: رمزي عودة

لم تكن الأردن وإيطاليا والكويت هي الدول الأكثر تغييرا للحكومات خلال العشر سنوات الأخيرة، يبدو أن إسرائيل لحقت بهذا الركب، فخلال العامين المنصرمين عقدت ثلاثة انتخابات عامة في اسرائيل (مارس 2020، سيتمبر 2019، ابريل، 2019) ، ومن الواضح أن إسرائيل مرشحة لانتخابات رابعة قادمة عامة، حيث صوت الكنيست الاسرائيلي قبل عدة أيام بالقراءة الأولى على حل نفسه تمهيدا لانتخابات قادمة، وحظى القرار بتأييد 61 نائبا بمن فيهم إئتلاف أزرق أبيض مقابل 54 صوت عارضه. وحسب القوانين الأساسية في الدولة العبرية، فانه إذا تم إقرار التصويت بالقراءة الثالثة وهو أمر متوقع، فإن إنتخابات قادمة ربما تجري في أيار أو حزيران المقبل على أبعد تقدير. وفي النتيجة، فإن أربعة انتخابات مرت وستمر على إسرائيل خلال العامين المنصرمين تشير بشكل واضح الى ضعف الإستقرار السياسي في النظام السياسي الإسرائيلي.

في الواقع هنالك عدة عوامل أدت وتؤدي الى ضعف الإستقرار السياسي في إسرائيل، ومنها طبيعة النظام الانتخابي النسبي المستخدم في قانون إنتخابات الكنيست، والذي يتيح للأحزاب الصغيرة التي تتجاوز نسبة الحسم (3.25 % من الأصوات) أن تدخل في عملية تحويل الأصوات الى مقاعد، وهو الأمر الذي يعقد الخارطة السياسية في أي كنيست؛ بحيث تجعلها تتكون من عدد كبير من الأحزاب الكبيرة والصغيرة (على سبيل المثال في انتخابات الكنيست ال 23 حصلت 8 أحزاب وقوائم انتخابية على مقاعد تشريعية، وغالبية هذه الأحزاب هي تحالفات بين أحزاب صغيرة وليست أحزابا متماسكة). وبالضرورة، فإن مثل هذه الحالة الإنتخابية المتشكلة ستضعف من قدرة أي من الأحزاب الكبيرة على الحصول على أغلبية مقاعد الكنيست دون اللجوء الى فكرة الإئتلافات التي تجعل بدروها أي حكومة إسرائيلية هشة، لأنها تستند في الأساس الى تحالف مع عدد كبير من الأحزاب والقوائم. أما العامل الثاني الذي يفسر عدم الإستقرار السياسي في إسرائيل فهو يكمن في إصرار نتنياهو على التهرب من الملاحقة القضائية، وذلك من خلال منع غانتس من تبوء منصب رئيس الوزراء كما كان متفقا عليه في إتفاق الإئتلاف، إضافة الى طلبه المتكرر للحصانة السياسية لمنصب رئيس الوزراء تجاه المثول أمام محكمة العدل الإسرائيلية، ومحاولته المستمرة تعطيل صيرورة العملية القضائية الرامية الي محاكمته تحت حجج متعددة منها الوضع الأمني والإنتخابات وكورونا وغيرها. ومن جانب ثالث، فإن التغير المستمر في بيئة التهديد والتعاون المحيطة بإسرائيل يقلل من مناعة الحكومات الإسرائيلية أمام هذه التغيرات، حيث يعتمد إستقرار أي حكومة إسرائيلية على طبيعة التفاعلات في البيئة الأمنية الإسرائيلية سواء في علاقات التهديد بالفلسطينيين أو حزب الله أو إيران، وكذلك الأمر بالنسبة لعلاقات التعاون المترقبة مع الولايات المتحدة تحت إدارة جديدة هي إدارة بايدن. وبالضرورة، فان التغيرات الواسعة والمستمرة في هذه البيئة المحيطة بإسرائيل تؤدي باستمرار الى تراجع وتيرة الإستقرار السياسي في إسرائيل. وهو ما يمكن ملاحظته جليا في نتائج تقرير البنك الدولي حول حوكمة السياسات في دول العالم، والتي أعطت مؤشرات تراجع واضحة لإسرائيل في هذا الحقل.

من التحليل السابق، نستشرف إستمرار حالة عدم الإستقرار السياسي في إسرائيل في الأمد القريب والمتوسط. فالأغلب أن نتنياهو لن يغيب عن المشهد السياسي في إسرائيل كما يتوقع المحلل في الشأن الاسرائيلي عادل شديد، فهو الأقوى في الليكود وفرص تحالفه مع القادم بقوة الى الكنيست القادمة نفتالي لبيد (ائتلاف يمينا) ستكون قوية. من هنا، وكما يقول آفي يسخاروف في صحيفة “معاريف” بأن احتمالات فوز الليكود بأكبر المقاعد ستكون عالية إذا ما حدثت الإنتخابات في الربع الأول من العام القادم، حيث سينجح نتنياهو كما هو متوقع بإستيراد تطعيم كورونا وإيقاف إنتشار المرض وإنعاش الإقتصاد. وبالضرورة، فإن إستمرار حالة ضعف الإستقرار السياسي هذه، مع تعقد الخارطة السياسية في إسرائيل، ستؤدي الى ضعف كفاءة النظام السياسي في إدارة الملفات الاستراتيجية لاسيما الملف الايراني. صحيح أن نتنياهو قصد من إغتيال العالم النووي الإيراني "زاده" توجيه رسالة قوية الى بايدن بأنه صاحب الكلمة الأولى في الملف الإيراني، وأنه لن يرحب بتاتا بعودة ترامب الى اتفاق 5+1 مع ايران كما يقول محلل الشؤون العربية في "هآرتس"، تسفي برئيل، الا أن بايدن الذي سيعيد على الأغلب اتفاق 5+1 مع إيران مع بعض التعديلات لن يأبه الى تحفظات نتنياهو، ولن يوفر مساحة كبيرة للأخير بالانفراد في التعامل مع هذا الملف الحساس للمصالح العليا للولايات المتحدة. ومن زاوية أخرى، فان إستمرار نتنياهو في الحكم للعامين القادمين سيؤدي بشكل أو بآخر الى غياب تحولات مهمة في الموقف الإسرائيلي الرافض لاي تسوية "عادلة" مع الفلسطينيين. وفي السياق، لا يتوقع أن يحدث إنفراج في الموقف الإسرائيلي تجاه عملية السلام، وعلى أكثر التوقعات تفاؤلا، ربما يتم تجميد بناء المستوطنات في المناطق الأكثر حساسية تجاه حل الدولتين مثل سلسلة مستوطنات الغلاف الأمني الممتدة من بيت إيل شمالا الى معاليم أدوميم والخان الأحمر وحتى البحر الميت جنوبا. وربما يسفر الضغط الأمريكي عن عقد جلسات تفاوضية برعاية الولايات المتحدة وبمشاركة الرباعية، وهي مفاوضات في جلها ستنتهي حتما بالتعنت الإسرائيلي. وبشكل عام، سيكتشف بايدن بأن كلمات سابقه الديمقراطي أوباما عن نتنياهو بأنه كاذب ومرواغ هي وصف حقيقي للأخير.

* باحث ومحاضر جامعي