الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

في ظلال أعياد الميلاد المجيدة..

نشر بتاريخ: 06/01/2021 ( آخر تحديث: 06/01/2021 الساعة: 18:01 )

الكاتب: تأييد زهير الدبعي

تطل علينا أعياد الميلاد في هذا العام في ظل حالة استثنائية فرضت نفسها على البشر، ستكون مرحلية مفصلية تغير وجه العالم بأسره.

وتطل على بلدنا فلسطين والقضية الفلسطينية في أمس الحاجة للوحدة والحكمة وإعادة اللحمة للنسيج الوطني الفلسطيني، الذي ظل عصيا على محاولات أعداء الأمة لتمزيقه تمهيدا للقضاء على القضية الفلسطينية.

وتطل علينا الإدارة العامة للوعظ والإرشاد في وزارة الأوقاف في قطاع غزة بتعميم تجيِش فيه كل أجهزة الوزارة ووزارات أخرى بهدف "الحد من التفاعل مع الكريسماس".

قد يكون مثل هذا التعميم متوقعا إذا خرج من دولة تعتنق فقه الصحراء الذي يرفض الآخر ويحرض على الكراهية والعنف.

لكن أن يخرج هكذا تعميم من فلسطين، لهو أمر مستغرب ومستنكر ولا يمكن السكوت عنه. إن فلسطين هي البلد التي خرجت منها رسالة السيد المسيح إلى العالم بأسره، ومن فلسطين خرج أوائل القديسين وفيها أقدم وأقدس الأديرة والكنائس في العالم.

ففي الناصرة كانت بشارة العذراء بالسيد المسيح، وفي بيت لحم ولد عيسى عليه السلام، وفي القدس كانت القيامة.

إن مثل هذه التعميمات لم تأت من فراغ فهي عقلية تشكلت نتيجة سنوات طويلة من غزو الفكر الوهابي الصحراوي الذي يسعى لتمزيق الأمة ونشر العنف والطائفية والتكفير. ويعمل تحالف ( البترودولار) على بث أفكار سامة في الوطن العربي وغيره من بلاد المسلمين، ليحقق ما عجز الاستعمار عن تحقيقه خلال سنوات طويلة.

لقد عمل الاستعمار منذ غزو الفرنج وصولا إلى الاستعمار البريطاني والاحتلال الصهويني، إلى تفتيت الامة، وبث الفرقة والكراهية والطائفية بين المواطنين، فقد كانت من أوائل قرارات الاستعمار البريطاني على فلسطين، أن منعت المواطنين المسيحيين من دخول المسجد الأقصى المبارك، ومنعت المواطنين المسلمين من دخول كنيسة القيامة، والذي كان مألوفا قبل الاستعمار أن يدخل أي مواطن الأماكن المقدسة في القدس وغيرها بغض النظر عن عقيدته الدينية.

لكن المواطنين مسلمين ومسيحين كانوا أكثر وعيا، وحاربوا طوال سنوات تلك الأفكار الطائفية لأنهم علموا أنها لا تخدم سوى الاحتلال وحده. وانتصر المواطنون المسيحيون لقومتيتهم وأوطانهم ولم يقبلوا يوما أن يكوانوا أداة في يد الاحتلال.

إن التناقص المتسارع لأعداد المواطنين المسيحيين في فلسطين، يقرع ناقوس الخطر، لأن المشروع الصهيوني يسعى لإنقاص أعداد العرب مسلمين ومسيحيين في فلسطين على حساب المستوطنين اليهود، فعملية التهجير لم تنته في العام 1948، بل هي عملية مستمرة وممنهجة لتحقيق القاعدة الذهبية للاحتلال :" أرض أكثر وعرب أقل".

لكن تهجير المواطنين المسيحيين يحقق مصلحة مزدوجة للاحتلال ويشكل ربحا مضاعفا له، لأن ذلك يؤدي لتفريغ بلاد المسيح من المسيحيين لجعل الصراع العربي الصهيوني وكأنه صراع بين الغرب المسيحي المتحضر من جهة، وبين الإسلام المتطرف من جهة أخرى. وحسب المفكر وليد صليبي فإن المشروع الصهويني وحلفاؤه في العالم يسعون لما أسماه ( النقاء الشامل)، أي تهجيرالمواطنين المسيحيين من بلاد العرب وجعل بلاد العرب وخاصة فلسطين "نقية" من المواطنين المسيحيين بهدف تحويل الصراع إلى صراع ديني.

وما حصل في السنوات الأخيرة من استهداف واضح ومدروس للمواطنين المسيحيين ليس في فلسطين فقط ولكن في سوريا ومصر والعراق، على أيدي العصابات التكفيرية مثل داعش وغيرها، يؤكد أن الهدف من وراء ذلك هو تفريغ بلاد العرب من المواطنين المسيحيين تحقيقا لأهداف المشروع الصهيوني.

مثل هكذا تعميم ليس مرفوضا فقط، بل يجب أن نعلم أبناءنا أن أعياد الميلاد المجيدة ليست أعيادا دينية فقط، بل هي أعياد وطنية كذلك، فحينما نحتفل بالميلاد تكون فلسطين تحتفل بابنها الذي خرج من هذه الأرض لينشر رسالة المحبة والسلام إلى كل العالمـ وتحتفل بكونها مثلا يحتذى بها على مدار قرون على التسامح و العيش المشترك.

وأقتبس مقولة للمفكر المقدسي منير فاشة الذي اكتشف زملائه عندما كان طالبا في الولايات المتحدة أنه مسيحي، فبدا عليهم الاستغراب لكونه (فلسطيني ومسيحي) وسألوه منذ متى أصبحت مسيحيا؟ ظنا منهم أنه قد عرف المسيحية في الولايات المتحدة، فكان رده مدويا يلخص تاريخا فلسطينيا يسعى الاحتلال لطمسه فقد أجاب :" انا مسيحي قبل اكتشاف أمريكا ب 1500 سنة".

نعم سنحتفل بالمسيح ابن فلسطين التي كانت وستبقى تصدر رسائل المحبة والحكمة إلى العالم. فالمسيحيون ليسوا جالية، وليسوا طائفة، وليسوا طارئين على هذا البلد، فهم جزء أصيل وجميل من مكونات هذا الوطن وسوف يبقون كذلك إلى الأبد.