الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

رحل المفكر والمناضل الفدائي أنيس النقاش في الزمن العربي الصعب

نشر بتاريخ: 23/02/2021 ( آخر تحديث: 23/02/2021 الساعة: 12:05 )

الكاتب: راسم عبيدات


المفكر والمناضل الفدائي القومي العروبي انيس النقاش رحل في زمن نحن ما احوجنا فيه لمثل هؤلاء صناع الفكر والموقف واصحاب الرؤيا الثاقبة والعميقة ....هو زمن الخنوع والذل العربي ....زمن الإنهيار وبيع القيم والمبادىء في سوق نخاسة المال الخليجي كتاب ومفكرين وساسة واعلامين ورجال دين وادباء وشعراء وفنانين باعوا كل تاريخهم مقابل حفنة المال الخليجي والأمريكي والأوروبي الغربي وأصبح تاريخهم ملوث وقذر...سقطوا في وحل التطبيع و"سلعوا" انفسهم كأي بضاعة في السوق تشترى وتباع بثمن بخس،وبعد انتهاء دورهم واستخدامهم،يجري لفظهم بعد عصرهم كحبة الليمون. الراحل الكبير أنيس النقاش لم يكن نخبوياً ولا صاحب جملة ثورية،ولا مثل كثير ممن يطلقون على انفسهم ثوار ومناضلين،ممن يلكون الجملة الثورية و"يتشمسون" على صفحات الفيسبوك والتواصل الإجتماعي .... أنيس النقاش لم يكن نصير قضية فلسطين التي حملها على كتفه وحضنها كواحدة من أبناءه،بل هو كان نصير كل المظلومين في عالمنا العربي ولكل الثورات وحركات التحرر العالمية وفي العالم اجمع،مناضل شرس وعنيد ضد الثالوث المعادي من ص ه ي ون ي ة وامبريالية ورجعية عربية ،خاض كل أشكال النضال من ادنها الى اعلاها من المظاهرة والمسيرة الإحتجاجية حيث منذ صغر سنه شارك في مظاهرة دعماً للمناضلة الجزائرية جميلة بحيرد،وكذلك شارك في النضالات الطلابية،والإضرابات المفتوحة عن الطعام،ففي عام 1969م أضرب عن الطعام ضد تخاذل الدولة اللبنانية والنظام الرسمي العربي، عندما دمرت طائرات الإحتلال الحربية الطائرات اللبنانية على أرض مطار بيروت عام 1969،وكذلك خاض ثلاثة اضرابات مفتوحة عن الطعام،في فرنسا اطولها 130 يوماً احتجاجاً على عدم شموله في العفو الفرنسي العام،حيث ذهب الى هناك للمشاركة في عملية اغتيال شهبور بختيار آخر رئيس وزراء ايراني في حكومة شاه ايران الديكتاتور محمد رضا بهلوي،حيث حكم بالسجن المؤبد وخفف لعشر سنوات،ولم تكن تلك العملية الوحيدة التي شارك فيها الراحل الكبير أنيس النقاش،بل كان عضوا فاعلاً في حركة فتح التي انتمى اليها في عام 1968،وكان له دور ومهام على الساحة اللبنانية والداخل الفلسطيني وساحة اوروبا،وفي عام 1973 أثناء حرب تشرين شارك في عملية إطلاق الصواريخ على المستوطنات الصهيونية من الجنوب اللبناني ،وفي عام 1978 بعد الإجتياح الإسرائيلي للجنوب اللبناني،عمل على تشكيل سريتين لبنانيتين لمقارعة الإحتلال في بنت جبيل وكفر شوبا،وكذلك كان جزء من النشاط الطلابي والتنظيمي للمقاومة اللبنانية،والسرايا العسكرية التي شكلها،أصبح عدد من أعضائها قادة كبار مثل ال ش ه ي د عماد مغنية ،وكذلك شارك الى جانب ا ل ش ه يد و د ي ع ح د اد في عملية عسكرية في فينا موجهة ضد دول النظام الرسمي العربي من اجل تأديبها على دعمها للقوات اليمينية في لبنان،والمطالبة بفدية عشرة ملايين دولار لتمويل قوى ا ل ث و رة الفلسطينية بسبب شحة الموارد المالية..والنقاش كذلك كان له علاقات واسعة مع قوى التحرر وحركات ودول محور ا ل م ق ا ومة،حيث عمل على اقامة علاقات تعاون وتنسيق ما بين قيادة ا ل ث و رة ا ل ف ل س ط ي ن ية والثورة الإيرانية من حيث التدريب والتعاون الأمني والعسكري .

وقف بشراسة ضد الحرب الأهلية اللبنانية وحذر من التورط فيها،وهو من أصيب في تلك الحرب في 13/نيسان/1975 .

الراحل المفكر والمحلل السياسي ،كان مقاتلاً على جبهة السياسة والفكر والموقف والمبدأ،كما كان عليه في ساحة الميدان والعمل العسكري،لا يهادن في الموقف،جريء وحاد في فضح وتعرية كل المنهارين والمتخاذلين من القادة العرب وكذلك المهرولين نحو الفجور التطبيعي مع دولة الإحتلال.لم يفقد اتجاه البوصلة ،إمتاز بعمق رؤيته ودقة تحليلاته السياسية ،كان يبث الأمل ويبشر في النصر في زمن قميء ومرحلة رديئة...

أي خسارة هذه التي مُنينا فيها ففي فلسطين فقدنا قبل أقل من شهر بقليل قامة فكرية ووطنية وسياسية الدكتور عبد الستار قاسم،واليوم المفكر والمرجع السياسي مدير مركز امان والبحوث الإستراتيجية أنيس النقاش،وكأن الشرفاء يغادرون على عجل في زمن الإنبطاح والإنهيار العربي ...ربما هم ماتوا قهراً...قبل ان يموتوا بجائحة " كورونا"...فالشريف والمخلص والوطني والممسك بمبادئه والثابت على مواقفه أصبح مطارداً...إنها حالة ردة وإنهيار غير مسبوقة،ولم يكن من الممكن تصورها،بأن تصل الأمور الى حد إقامة تحالفات استراتيجية امنية وعسكرية بين دول النظام الرسمي العربي ودولة الإحتلال،وأن يضيع اتجاه البوصلة ويجري حرف الصراع عن أسسه وقواعده من صراع عربي- اسرائيلي جوهره القضية الفلسطينية الى صراع إسلامي- إسلامي مذهبي ( سني- شيعي) وتصبح ايران بناء على "بعبع" خلقته لهم امريكا كعدو افتراضي تخيفهم وترعبهم فيه من أجل ان تعيد إحتلال بلدانهم وتستمر في " إستحلابهم" مالياً.

عندما اغتالت دولة الإحتلال في 8/7/1972، ا ل ش ه ي د غسان كنفاني بتفجير سيارته عن بعد في حي الحازمية ببيروت،قالت رئيس وزراء الإحتلال الأسبق غولدا مائير،لقد تخلصنا اليوم من لواء مقاتل،تصوروا قيمة الفكر والثقافة والأدب ا ل م ق ا وم ....وانا أقول اليوم برحيل هذه القامة الكبيرة التي تقلق راحة الكثير من قادة دول النظام الرسمي العربي وتؤرق مضاجعهم،وهم يقولون كما قالت صديقتهم وحليفتهم غولدا مائير،برحيله تخلصنا من لواء مقاتل وكاشف لعواراتنا.

الراحل الكبير أنيس النقاش كما قال وليد نمر " قاتل كـغوريلا بصمت على مدى عقود، من صفوف فتح إلى ا ل ج ب ه ة ال ش ع ب ي ة وحتى ح ز ب ا ل له. مشكلة أنيس، أنه قاتل ضد عدو واحد ووحيد. مشكلة أنيس أنه بنكهة متفردة ونادرة، لها طعم الدم الواضح،هذا انيس المقاوم الثابت على مواقفه،الذي مثل انموذج القائد والمناضل والكاتب والمحلل السياسي ،لم يبق في برج عاجي ولم يبق في إطار النخبة بعيداً عن الجماهير وهمومها،بل عاش بينها وتحسس نبضها وخاض النضال معها جنباً الى جنب.النقاش قائد من طراز خاص واستثنائي في زمن قميء ومرحلة رديئة.