الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الإدارة الأمريكية الجديدة والانتخابات الفلسطينية

نشر بتاريخ: 23/02/2021 ( آخر تحديث: 23/02/2021 الساعة: 17:38 )

الكاتب: د. عبير عبد الرحمن ثابت





يحاول الكثيرين تبرير الاتفاق الفلسطيني بالذهاب للانتخابات كمطلب من الإدارة الأمريكية الجديدة لحل الصراع مع إسرائيل؛ وأن الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن ترغب بتجديد الشرعيات الفلسطينية؛ وذلك من خلال إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية للسير قدما في الصراع الفلسطيني الاسرائيلى، والمتتبع لتصريحات بايدن أو مستشاريه أو أيا من إدارته لم يسمع أو يقرأ أى تصريح علنيا أو ضمنيا تناول الوضع الداخلى الفلسطيني؛ والمتابع للشأن الأمريكي يعلم أن أوليات بايدن في المرحلة الأولى تتلخص في ملفات لا تقبل التأجيل سواء على الواضع الداخلى والمتمثل في معالجة الأثار الاقتصادية الناجمة عن جائحة كورونا؛ ويشكل ملف جائحة كورونا الملف الأهم وهو ما يؤكده كافة المسؤولين الأمريكيين، والملف الآخر يتمثل في معالجة أثار الانقسام الداخلى؛ والذى شاهدنا مثال عليه عبر الفضائيات في أحداث اقتحام الكونغرس الأخيرة، وعلى الصعيد الخارجي تتصدر عدة ملفات سلم أولويات جو بايدن وأهمها الملف النووي الايرانى، والعلاقة مع أوروبا ومعالجة ما تركه ترامب من سياسات عشوائية تجاه حلف الناتو والدول الأوربية؛ والعلاقات مع روسيا والصين، وكذلك العودة إلى اتفاقيات مثل اتفاقية المناخ ودعم منظمات دولية مثل منظمة الصحة العالمية وغيرها. وإضافة إلى ذلك ملف الشرق الأوسط وهنا يركز المختصين على أن إدارة بايدن ستولى الاهتمام لكل من دول اليمين وسوريا وليبيا بشكل خاص ويليها الدول العربية الأخرى بما فيها القضية الفلسطينية. وبالتالى لن يكون الصراع الفلسطيني الاسرائيلى على سلم أولويات بايدن. وهو ما أكده بلينكن وزير الخارجية الأمريكى أمام مجلس الشيوخ حيث قال" الرئيس وانا نعتقد ان السبيل الوحيد لضمان مستقبل إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية مع إعطاء الفلسطينيين دولة يحق لهم بها هو عبر حل الدولتين، وواقعيا اعتقد أنه سيكون من الصعب تحقيق أى شيء على هذا الصعيد على المدى القصير".
وهذا لا يعنى أن ندير ظهرنا للإدارة الأمريكية الجديدة دون العمل على فتح قنوات للاتصال بها؛ خاصة أن بايدن فى فترة شغله لمنصب نائب لبراك أوباما في الفترة 2009-2017 كان منتقد شديد لإسرائيل بسبب استمرار التوسع الاستيطانى في الضفة الغربية وافشالها مساعى الإدارة الامريكية في تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وقد أشار إلى دور نتنياهو في تعطيل عملية السلام وقيادة إسرائيل في الطريق الخاطئ؛ وحسب الاستراتيجية الأمريكية المطروحة لمعالجة القضية الفلسطينية أن بايدن سيبقى ملتزما بحل الدولتين وفق اتفاق متبادل بهدف إنهاء الصراع الاسرائيلى الفلسطيني ويرفض الخطوات الأحادية الجانب ويعارض الضم والتوسع الاستيطانى وسيعيد تفعيل المساعدات الاقتصادية والإنسانية التي علقتها إدارة ترامب للفلسطينيين؛ ويعيد فتح البعثات الدبلوماسية مثل مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن والقنصلية الأمريكية في القدس. وقد رحبت القيادة الفلسطينية برؤية إدارة بايدن للصراع وأعربت عن استعدادها للعودة إلى طاولة المفاوضات مع إسرائيل على أساس حل الدولتين والقرارات الدولية وذلك في ظل توفر رعاية دولية.

وقد لا نرى اهتمام مباشر أو على المدى القريب من إدارة بادين بالملف الفلسطيني وفق ما هو ما معلن، ولكن هناك مجموعة من العوامل يجب أن تدفع بالفلسطينيين بالذهاب للانتخابات دون الالتفات إلى الخلف؛ وأهمها توجيه رسالة لإدارة بايدن والعالم أجمع بأننا قادرين على إنجاز وحدتنا الوطنية من خلال تفعيل الخيار الديمقراطى وتشكيل حكومة واحدة تحت سدة برلمان تشريعى واحد؛ وبهذا سننتزع المبرر الرئيسى التي تتقدم به إسرائيل في كل المحافل الدولىة بعدم وجود طرف فلسطيني واحد للتفاوض معه وعليه لا يمكن قيام دولة فلسطينية موحدة في ظل حكومتين مختلفتين في الضفة الغربية وقطاع غزة؛ ومن خلال هذا الوضع السياسى الفلسطيني الجيد سيتم الاتفاق على كيفية إدارة الصراع مع إسرائيل بكافة وسائل المقاومة المشروعة السلمية والدبلوماسية.

كذلك لنزع حجة الدول الأوروبية والتي تتهرب على الدوام من الاعتراف بدولة فلسطين على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية؛ والتي دائما تعلل رفضها الاعتراف بحجة الانقسام السياسى وغياب البرلمان التشريعى المنتخب؛ وقد طالبوا في أكثر من مناسبة بضرورة إجراء انتخابات وتجديد الشرعيات للسلطات المتنفذة في النظام السياسى الفلسطيني، وكذلك خطوة اجراء الانتخابات التشريعية ستحفز البرلمانات الأوربية على التوصية بالاعتراف بالدولة الفلسطينية؛ وهو ما قد يمنح فلسطين دولة كاملة العضوبة في الأمم المتحدة مستقبلا، وهو ما يعنى نعت إسرائيل بدولة تحتل دولة أخرى وهو ما يتنافى مع القانون الدولى، وكذلك على صعيد داخلى لإنهاء الوضع المعيشى المأساوي في قطاع غزة بسبب الانقسام؛ وفرصة وطنية للبدء بمرحلة سياسية جديدة بالشراكة مع كل مكونات الشعب الفلسطيني .

وأخيرا .. أيا كانت الإدارة الامريكية الحاكمة فمحددات السياسة الخارجية الامريكية ملزمة للجميع والتي تشكل إسرائيل أهم محدداتها ولكن رغم ذلك فالمساحة التي تطرحها إدارة بايدن من تمسك بحل الدولتين ورفض لخطة الضم والاستيطان وإعادة المساعدات الإنسانية للفلسطيني يجبرنا على ضرورة ترتيب بيتنا الفلسطيني وإنجاز الانتخابات وتجديد الشرعيات ورسم استراتيجية وطنية موجدة هدفها حفظ كرامة المواطن الفلسطيني وتعزيز صموده على أرضه وإقامة دولته الفلسطينية والتي أهم مرتكزاتها تحقيق قيم العدالة الاجتماعية والمساواة وضمان الحريات .

* أستاذة علوم سياسية وعلاقات دولية