الثلاثاء: 23/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

القيم والأخلاقيات الناظمة لمهنة المحاماة

نشر بتاريخ: 22/04/2021 ( آخر تحديث: 22/04/2021 الساعة: 01:04 )

بقلم الدكتور سهيل الاحمد

مهنة المحاماة عمل يتطلب من المنتسبين لها والعاملين فيها سلوكاً يتوافق مع قواعد الأخلاق ومبادئها المعتبرة والمتفق عليها في مزاولة المهنة التي نص عليها في القوانين واللوائح الناظمة لمزاولة هذه المهنة والمؤثرة في تنظيم أعمالها، مع التزام القواعد والمبادئ الشرعية والأخلاقية الفاضلة المؤثرة في فلسفة العمل في جميع صوره وجوانبه من حيث الأصل وذلك لاعتبار أن العمل عبادة ومقياس للتأثير الإنساني في العالم أجمع.

وتقتضي طبيعة العمل الذي يقوم به المحامي أن تظهر لديه هذه القيم، وأن يكون تحليه بذلك من قبيل الضرورة المهنية والحقيقة المنهجية، لما يحقق ذلك من تحسين بيئة العلاقات بين الناس وتساعدهم على بناء الثقة وسهولة الإقبال على المختصين بجلب الحقوق وحفظها بأمانة ومسؤولية حيث يقول تعالى: "من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون"، حيث لا بد من وجود الأعمال الإنسانية في كل مكسوب ومتمول، لأنه إن كان عملًا بنفسه مثل الصنائع فظاهر، وإن كان مقتنىً من الحيوان أو النبات أو المعدن فلا بد فيه من العمل الإنساني، وإلا لم يحصل ولم يقع به انتفاع، كما في مقدمة ابن خلدون، وتظهر القيم والأخلاقيات المهنية الناظمة لعمل المحامي من خلال يأتي:

الصدق، لقول الله تعالى: "وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ"، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى البِرِّ، وَإِنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا". والصدق أحد أركان بقاء العالم وهو أصل المحمودات، وركن النبوات، ونتيجة التقوى، ولولاه لبطلت أحكام الشرائع". جاء في مدارج السالكين: فالصدق في الأقوال: استواء اللسان على الأقوال كاستواء السنبلة على ساقها، والصدق في الأعمال: استواء الأفعال على الأمر والمتابعة كاستواء الرأس على الجسد، والصدق في الأحوال: استواء أعمال القلب والجوارح على الإخلاص واستفراغ الوسع وبذل الطاقة؛ فبذلك يكون العبد من الذين جاءوا بالصدق، وبحسب كمال هذه الأمور فيه وقيامها به تكون صديقيته.

الأمانة، وهي مفتاح الإيمان وخلق جوهري وأساس لعمل المحامي وبيان مدى جودة هذا العمل والقدرة على قبول وكالة ذلك عن الناس، لقول الله تعالى: "وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ"، ولقوله سبحانه: "إن خير من استأجرت القوي الأمين"، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ"، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "قَلَّمَا خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا قَالَ: لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ".

التعفف والنزاهة، لاعتبار ذلك من مباديء المروءة وقواعدها العادلة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أهلُ الجَنَّةِ ثَلاَثَةٌ: ذُو سُلطانٍ مُقْسِطٌ مُوَفَّقٌ، وَرَجُلٌ رَحيمٌ رَقِيقُ القَلْبِ لكُلِّ ذي قُرْبَى ومُسْلِمٍ، وعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذو عِيالٍ".

البشاشة والاحترام وحسن التعامل مع الناس، حيث يقول أنس بن مالك رضي الله عنه: "خَدَمْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَشْرَ سِنِينَ فَمَا قَالَ لِي أُفٍّ وَلَا لِمَ صَنَعْتَ؟ وَلَا: أَلَّا صَنَعْتَ". وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّكُمْ لَا تَسَعُونَ النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ ليَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الْوَجْهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ"

الكفاءة، لقوله سبحانه وتعالى: "إن خير من استأجرت القوي الأمين"، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "مَا أَظَلَّتْ الْخَضْرَاءُ وَلا أَقَلَّتْ الْغَبْرَاءُ أَصْدَقَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ"، وذلك لاعتبارها من المتطلبات الأساس للمهنة ولمدى قدرة المحامي على ضبط أخلاقياتها، ومعرفة الإمكانيات التي يتحلى بها للقيام بمقتضيات توكيله ومتعلقاتها المهنية والموضوعية.

الاتقان، وهو من لوازم الكفاءة والقدرة على القيام بالمهنة المحاماة حيث يقول صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلَا أَنْ يُتْقِنَهُ".

التقوى، وهي معيار القدرة على الإحسان والتفاني في قيام المحامي بمهنته وأداء الأعمال الموكلة إليه على أحسن وجه، وهي من قواعد حسن الخلق وأكثر ما يدخل الناس الجنة لقوله صلى الله عليه وسلم: "أتدرون أكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق".

الإخلاص: وذلك لأن المهنة المحاماة تعمل على تحقيق مقصد جلب المنفعة ودفع المفسدة، وهذا أمر يحتاج إلى الإخلاص لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ"، وذلك لأن النية رأس الأمر وعموده وأساسه وأصله الذي عليه يبنى، وهي روح العمل وقائده وسائقه، والعمل تابع لها يبنى عليها، يصح بصحتها ويفسد بفسادها، وبها يستجلب التوفيق، وبعدمها يحصل الخذلان، وبحسبها تتفاوت الدرجات في الدنيا والآخرة".

التعاون، لقوله تعالى: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلَئِنْ أَمْشِي مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ شَهْرًا فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ".