الإثنين: 29/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

النزاع الروسي- الغربي.... أوكرانيا ساحة صراع على نفوذ القوى العظمى!!!!

نشر بتاريخ: 16/02/2022 ( آخر تحديث: 16/02/2022 الساعة: 16:23 )

الكاتب:

د. سعيد شاهين- جامعة الخليل

مشهد الدبابات والغواصات وحاملات الطائرات ومنصات الصواريخ والجيوش والعتاد الذي ما ينفك ان يتوقف عن الوصول الى كييف وشرق أوروبا، التي تبثها وسائل الاعلام التقليدية والتفاعلية يبعث على الرعب، وينذر بوقوع حرب لا تبق ولا تذر وطبولها تقرع عاليا الى حد سماعها في عواصم العالم المترامية، كما لو كنا في نهاية ثلاثينات القرن الماضي عندما شن هتلر حربه المجنونة للاستيلاء على العالم ومنها روسيا ، حيث هزم في موقعة "ستالين غراد" الشهيرة.

حرب إعلامية تشنها قنوات إخبارية غربية وبعضها عربية لشيطنة روسيا، كما لو كانت الاتحاد السوفيتي زمن ستالين وخرشوف وحزبهم الشيوعي الطامع الى خنق ووأد الرأسمالية، هذه المشاهد تعيد للأذهان أزمة خليج الخنازير في كوبا واقتراب العالم لحظتها من حرب عالمية ثالثة صفيحها بات ساخنا حاليا الى حد الغليان وربما الانفجار.

الصراع بين روسيا ومن خلفها الصين والغرب الممثل بحلف الأطلسي ، الذي تتزعمه الولايات المتحدة الامريكية هو نزاع على قيادة العالم بعيدا عن عباءة الأيديولوجيات الزائفة المختلفة، التي سادت في ستينات وسبعينات القرن الماضي، انتهت في نهاية الثمانينات بداية التسعينات بسقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفيتي بفعل سياسة البريسترويكا ( الإصلاح) الذي قاده الزعيم السوفيتي ميخائيل غوربتشوف ليتفكك بعدها الى جمهوريات مستقلة، شقت كل واحدة منها طريقا خاص بها في ظروف خاصة عصفت بوريثة الاتحاد السوفيتي وأكبر جمهورياته مساحة وسكانا ونفوذا، الا وهي روسيا التي تحتل سدس مساحة العالم بثروات وموارد لا تمتلكها دولة على وجه الارض. خاضت روسيا حروب عدة عبر تاريخها الطويل وانتصرت في جميعها ولو بعد حين، منذ زمن حروبها مع الغرب الاوروبي أو مع شرقها الآسيوي وحتى اليوم. كانت روسيا قديما تسمى "كيفسكايا روس" نسبة الى عاصمتها كييف، التي هي عاصمة أوكرانيا الحديثة اليوم، وكانت أوكرانيا وبيلاروسيا امتدادها الجغرافي نحو غرب أوروبا، حيث القوى الطامعة فيها مثل مملكة السويد، التي ضمت المانيا والنمسا وفرنسا وبريطانيا وبولندا وخاضت الحرب تلو الأخرى ضد روسيا القيصرية في القرون الغابرة.

غزا المغول والتاتار روسيا، ثم هزمتهم وحولت عاصمتهم قازان الى مدينة روسية، ثم غزاها نابليون والحقوا به هزيمة نكراء وصلت باريس، اما هتلر الذي اجتاحهم على حين غرة بعد اتفاق بعدم الاعتداء، فالحقوا به هزيمة نكراء وصلت عاصمته وقسموها الى نصفين شرقي وغربي.

الشعب الروسي كأحد الشعوب السلافيانية الارثوذكسية يعتبر نفسه صديقا للجميع، ما دام لا يعتدي عليه أحد ويعتبر نفسه اقرب الى الشرق منه الى الغرب. شهدت تسعينات القرن الماضي اتفاقات دولية مهمة بين روسيا وريثة الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة أهمها تقليص الترسانة النووية وتفكيك بعضها ومنها الواقعة في أوكرانيا والحد من سباق التسلح وعدم تمدد حلف الناتو في شرق أوروبا، لكي لا يمس بالامن القومي الروسي والسماح بطلعات جوية في سماء روسيا ودول غربية لطائرات استطلاع عسكرية وغيرها من الاتفاقات. ما جرى ان حلف الأطلسي انتهك كل هذه الاتفاقات وتمدد في شرق أوروبا، وباتت جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة وخاصة في شرق أوروبا أعضاء في الناتو نصبت فيها صواريخ بالستية متوسطة وتنكر الغرب لأي ضمانات امنية يمكن ان تقديمها لروسيا، هذه الصواريخ أصبحت تهدد سلامة وامن روسيا الاتحادية وحلفائها مثل روسيا البيضاء.

وما حدث في الثورات البرتقالية التي ادارتها الولايات المتحدة وفق تقارير استخباراتية روسية هدفت الى جعل من تبقى من هذه الجمهوريات جزء من حلف الناتو ومنها جمهورية جورجيا التي كان يترأسها المعزول ساكاشفيلي والفار الى أوكرانيا، حيث تم تنصيبه رئيس اللجنة التنفيذية الوطنية للإصلاح في أوكرانيا ومن ثم عمدة مدينة اوديسا الاستراتيجية ( يا للعار) من قبل المتشددين ( بينديرتسي)في عهد الرئيس الاوكراني بوريشينكا ومنحه الجنسية الأوكرانية واتهمته المخابرات الروسية بالتجسس لصالح الاستخبارات الامريكية.

ساكشفيلي هو ذاته، الذي كان يقود جورجيا عندما اجتاحتها القوات الروسية 2008، واراد تحويلها الى قاعدة خلفية للناتو ومجمع للتنظيمات المتشددة، التي تستهدف وحدة روسيا، ما حذا بوتين الى غزوها وطرد ساكاشفيلي وتعيين حكومة معتدلة والاعتراف باستقلال إقليم ابخازيا المسلم وجمهورية اوسيتيا الجنوبية من طرف روسيا.

لاحقا ارادت أوكرانيا جر الأطلسي الى القرم، حيث القاعدة الروسية والاسطول البحري الرئيس والوحيد في البحر الأسود اسطول "سيفاستوبل" المدينة الاستراتيجية بالنسبة لروسيا تاريخيا، والتي يقطنها الروس، الذين يشكلون 90% من سكان القرم.

البعض يتساءل لماذا استفتت روسيا سكان القرم حول رغبتهم في الانضمام لروسيا؟ الإجابة تكمن في كون القرم كانت دائما ارض روسية حتى العام 1956، حين تم الحاقها بجمهورية أوكرانيا لأغراض انتخابية، ومسألة استعادتها كانت حيوية للغاية بالنسبة لروسيا وللرئيس بوتين وهكذا فعل.

هذه الأجواء المشحونة فاقمت الازمة بين روسيا واكرانيا حتى وصول زيلينسكي الرئيس الحالي لاوكرانيا وهو ممثل كوميدي تم انتخابه، وكان من المأمول أن يبني علاقة جيدة مع موسكو، لكنه وبفعل الضغط الأمريكي أصبح معاديا لموسكو، مما صعد من الازمة وصولا الى انفصال إقليم دونباس عن أوكرانيا بدعم من روسيا كون الإقليم يضم أكثر من 600 الف مواطن روسي، وواحد من اغنى أقاليم أوكرانيا من الناحية الزراعية والموارد الطبيعية.

تبع انفصال الإقليم اتفاق مينسك الذي ضم روسيا واكرانيا وممثلي إقليم دونباس ومنظمة الامن والتعاون في أوروبا لحل هذا النزاع الداخلي الاوكراني.

في اعقاب التوتر في العلاقة بين كييف وموسكو حاول الغرب خلق قلاقل داخل روسيا لاجل اضعاف حكم قيصر روسيا فلاديمير بوتين من خلال بعض المعارضين، لكن محاولاتهم باءت بالفشل واتهامه بملاحقة معارضين وقتلهم في عواصم أوروبية، تبعها عقوبات فرضت على روسيا من قبل دول الاتحاد.

ومع تعاظم دور الصين والتقارب الكبير بين بكين وموسكو لم تؤثر العقوبات بل خدمت الاقتصاد الروسي، وبات واضحا ان تحالفا جديدا يربط الصين بروسيا قد يهدد النفوذ الأمريكي ويضعف من مكانتها، وذلك ما عبر عنه أوباما وترامب والان بايدن.

الامر الغريب ان الولايات المتحدة بدأت تتحدث عن الغزو الروسي لاوكرانيا منذ مطلع شهر اوكتوبر 2021 بعد الانتهاء من بناء خط غاز نورد ستريم 2، الذي يلتف على أوكرانيا ليغذي أوروبا من جهة المانيا وبذلك يتجاوز الروس الخط الناقل للغاز عبر الأراضي الأوكرانية، والذي بموجبه كانت تحصل كييف على أسعار مخفضة جدا، الى جانب السرقات الكبيرة من الانبوب الضخم.

مع اقتراب افتتاح نورد ستريم 2 حاولت الولايات المتحدة منع المانيا من افتتاحة ودعتها علانية الى الغاء الاتفاق، لكن برلين رفضت ذلك بقوة، وظل موقفها لغاية أول أمس عندما انتقدت الإدارة الامريكية عدم تقديم برلين مساعدات عسكرية لكييف لمواجهة الاجتياح الروسي المرتقب وفق التقارير الغربية الاستخباراتية والأمريكية المشكوك في صدقيتها والمروج لها إعلاميا على أوسع نطاق. وقف الخط الناقل رفع أسعار الغاز عالميا ورفع عوائد روسيا من الغاز وعزز من موقفها أكثر في عدم الاستجابة للمطالب الغربية والتشدد في الاستجابة للمطالب الروسية الداعية الى تنفيذ اتفاق مينسك وعدم انضمام أوكرانيا للناتو والابتعاد عن نصب بطاريات صواريخ بالستية في شرق أوروبا.

تعيش الولايات المتحدة حاليا ازمة اقتصادية نتيجة لتعاظم الاقتصاد الصيني وتداعيات جائحة كورونا، كما تعيشها أيضا بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي بموجب البريكست، هذا الخروج جلب لألمانيا اقتصادا اقوى خصوصا في ظل العلاقات التجارية المتينة مع المانيا والاستثمارات الضخمة في روسيا، وهذا ما اقلق بريطانيا والولايات المتحدة، واستجابة المانيا للمطالب الأمريكية على لسان المستشار اولف شولتز جعل المانيا على شفير ازمة طاقة حادة بعد ان أعلنت ان احتياطاتها من الغاز تقلصت بشكل مقلق.

توقيع روسيا اتفاق تجاري مع الصين بقيمة 1000 مليار دولار بنظام المقايضة أو تبادل العملات الوطنية اليوان والروبل دون الرجوع للدولار جعل الولايات المتحدة الامريكية في حالة صدمة وهلع على موقعها ومستوى نفوذها العالمي، ما جعلها تفكر في افتعال الازمة من خلال الضغط على أوكرانيا للانضمام الى الناتو والتنكر لاتفاق مينسك، وهذا يعني الاقتراب أكثر من امن روسيا وتعريضه للخطر، الامر الذي اصبح مستفزا لروسيا ومصالحها الأمنية، مما حذا دوائر صنع القرار في روسيا وعلى رأسهم بوتين الى اتخاذ خطوات من شأنها دفع الغرب الى التراجع عبر مجموعة من المناورات العسكرية، التي توحي بقرب اجتياح لاوكرانيا لتغيير الحكومة المعادية لموسكو واحلال حكومة صديقة.

السؤال الرئيس الذي يحير الجميع من مراقبين ومحللين وعامة هو: هل ستقوم روسيا بغزو أوكرانيا كما يروج خلال الساعات القادمة؟ الإجابة لا، ولكن في حال شنت أوكرانيا حربا على إقليم دونباس وقبلت الانضمام الى الناتو، وتنكرت للمطالب الأمنية الروسية، سوف يلجأ بوتين الى عملية عسكرية خاطفة أمنية وسيبرانية تستمر ل72 ساعة يتم تغيير النظام الحالي الى نظام حليف لموسكو ولطرد ثلاثة الاف امريكي يديرون أوكرانيا في المرحلة الراهنة طبقا لجاز الاستخبارات الروسي FSB، تم اخلاؤهم الى مدينة لفوف Lvov القريبة من الحدود البولندية خشية عليهم ولجعلهم أقرب لقاعدة أمريكية في الأراضي البولندية عند اجلائهم. وهل ستندلع حرب عالمية بعد هذا التحشيد الأمريكي لأكثر من 33 دولة تقف في صفها؟ مرة أخرى لا، لان كوكبنا صغير الى حد انه لا يحتمل كل هذه الرؤوس النووية المملوكة لدى روسيا والولايات المتحدة وغيرها من دول النادي النووي، لان المعركة ان وقعت ستكون محدودة وقصيرة واسلحتها تقليدية وليست تكتيكية.

سؤال آخر هل ستقف بكين مكتوفة الايدي وهي أيضا تراقب بعين على موسكو وعين على تايون بعد اتفاق الدفاع المشترك الذي وقعته موسكو معها ؟؟