الأحد: 28/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

كريم يونس بعد أربعين سنة، يرسل لأمّه فاتحة ودمعة ؟؟

نشر بتاريخ: 07/05/2022 ( آخر تحديث: 07/05/2022 الساعة: 19:49 )

الكاتب: وليد الهودلي

لا يمكن لكل من ملك مشاعر انسان أن يدرك عمق الألم الذي شعر به كريم يونس عند تلقيه خبر وفاة أمّه، كيف قضت أربعين سنة نحبها في سجونهم القاسية؟ هنا نقف خاشعين، منفعلين بعمق سحيق بين يدي أربعين سنة في السجن؟ نحن لا نتحدّث عن اربع سنين وهي والله لكبيرة، مع هذا فإننا نتحدّث عن أربعين سنة، كيف مرّت وماذا نحتت في قلبه وجسمه وماذا تركت في روحه؟ كيف سار في حناياها وكيف تجاوز طرقها الوعرة؟ وكيف كانت أمه في ظلمات هذه العوالم المديدة تسطع بنورها وتبدّد هذه الحجب الكثيفة التي فصلت بينه وبين الحياة؟ كيف رحلت بعد أربعين سنة الا ثمانية أشهر؟

لن تتسع قلوب سجانيه إلا لقسوة عجزت عنها الحجارة وإلا لأحقاد وروح جريمة لا تعرف لغة لين ولو للحظة عابرة، نفوس نكدة جبلتها سادية محترفة تتفنّن في صناعة الجريمة وتتنفّس ريحا سادية مطلقة نتنة قد سدّت أفقها بالحديد ونار السّموم. إذ ماذا لو أنقصت من الأربعين سنة التي قضاها كريم في سجونهم النكدة ثمانية شهور؟ ماذا لو سمحوا له بوداع أمه أو أن يلقي عليها نظرة الوداع الأخير وهي جثمان مسجّى لا حراك فيه؟ هل يفعلون ذلك مع سجين مجرم من مساجينهم اليهود؟ نعلم ان لمجرميهم اجازات يخرجون فيها من السجن ومنهم من تزوج وأنجب مثل المجرم "يغال عمير" قاتل زعيمهم "اسحق ربين"، أما نحن فلا ينظرون الينا الا بعيون حاقدة موصولة بقلوب قد أخرجت أثقالها من سخيمة وأحقاد متأصلة في نفوسهم.

لم تشبع بطونهم التي ملأ أركانها استباحة الفلسطيني حتى النخاع، أرضا وشعبا، باطنا وظاهرا، سرّا وعلانية، فرادى وجماعات، حقوق ومكتسبات، مشاعر وانسانيات، الحياة الفلسطينية عندهم كلّها مستباحة حلال زلال لهم أن يفعلوا بها ما شاءت نفوسهم المريضة والمنحرفة، كريم يونس كان من هذا الكلّ الفلسطيني الذي وقع عليه سوطهم وداست نفسه تضاريسهم النكرة ذات النتوءات الشاذّة المنفرة.

مهما كان كريم شخصية قوية فذّة، (يكفيها أنها تحمّلت أذى سجن أربعين سنة بكلّ ما حوت من قهر والم وذلّ ورابطت في خندق متقدم في ملحمة بطولية تبدو ان لا نهاية لها) إلا أنها أمام الامّ ضعيفة بل ضعيفة جدا وخاصة ونحن نتحدّث عن أمّ صابرة مجاهدة، صبرت طويلا وجاهدتهم وجهادا كبيرا وطاردت فلذة كبها من سجن لآخر حتى ما بقي سجن يعتب عليها، تشهد لها بوابات السجون، تلك المرأة الفلسطينية الشامخة التي لا تشكو ألمها لأحد. أربعين سنة والامل يداعبه أن يعانق أمّه نهاية طريق الالام ولو لمرّة واحدة، فيقف هذا العدو بكل جبروته البشع، يقف بترسانته النووية وسلاح جوه المريع ودباباته المؤلّلة والمدجّجة بأعتى السلاح، وسجونه المحصنة بالجدر والاقفال والحديد المترسن، يقف بكلّ هذا ليحول بين قلبين جميلين لا يعرفان الا لغة الحبّ والمشاعر الجميلة، ليحول بين روح تملك قبلة فيمنعها من زرعها على جبين أمّ راحلة الى الأبدية الخالدة دون رجعة الى هذه الحياة الفانية.

كريم يونس الان يقرا سورة الفاتحة بصمت رهيب ويرسلها عبر البريد الروحي الجميل، تودّع روحه روحه الخالدة والراحلة الى عليين، تنفصل الروحين ويقف بينهما كل قضّهم وقضيضهم وكلّ حديديهم وجدرانهم، من عمق بطن الحوت يرسل لامه سورة الفاتحة مغمّسة بدموعه الساخنة وحرارة روحه العالية، هذا كلّ ما تبقّى لديه فاتحة ودمعة.

ونحن المتفرّجون في عالم موحش مكفهرّ يمارس توحشّه بكل هذا القهر والألم، هل قصّرنا؟ بكل تأكيد؟ هل كان بإمكاننا أن نفعل ولم نفعل؟ نعم بكلّ تأكيد. أما وقد حصلت هذه الكارثة الإنسانية بكلّ أبعادها البشعة فماذا نحن فاعلون للبقيّة الباقية من أسودنا الرابضة هناك والتي ما زالت تنتظر مثل هذا المصير؟؟