السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

بعد ٧٧ عاما من الانتصار على النازية- لا توجد اي قوة تستطيع ان تقهر مصير ومستقبل الشعوب وحرياتها

نشر بتاريخ: 09/05/2022 ( آخر تحديث: 09/05/2022 الساعة: 11:37 )

الكاتب: مروان أميل طوباسي

اليوم التاسع من أيار تحل علينا الذكرى ٧٧ للانتصار على النازية التي دفعت الشعوب الأوروبية ثمنا باهظا من ارواح أبنائها ومقدراتها من أجل دفن هذا الوحش النازي الذي اطل براسه قبل ثمانون عاما من الزمن لمعاداة الشعوب وعجلة تطورها الطبيعي .

اليوم والقدس عاصمة دولتنا التي تشكل عنصر اجماع ووحدة للكل الفلسطيني بل ولشعوب عدة ولأحرار العالم من الأصدقاء بما تشكله من معاني ، وساحة صدام ومقاومة شعبية مع الاحتلال وكل رموزه ، تحتم تطوير أشكال فضح ومقاومة جرائم الاحتلال وقطعان المستوطنين وتنظيماتهم الإرهابية الذين يعملون بتكامل واسناد من الحكومة الإسرائيلية لتهويد القدس وتمرير روايتهم المزعومة وتنفيذ مشروعهم الاستيطاني في كل ارض فلسطين التاريخية من خلال سياساتهم التي تمرر في ظل نفاق الغرب ، خاصة مع اتخاذ قرارات جديدة متعلقة بالاستيطان وتوسعه إضافة إلى تنفيذ نظام الفصل العنصري "الابرتهايد" ما بين النهر والبحر في ظل تنامي الفاشية في إسرائيل واصرارها على قتل الحل الأممي الخاص بالدولتين ورفضها لما يمكن اعتباره فرص السلام ، لأن السلام يتناقض مع جوهر الفكر الصهيوني . وربط ذلك مع هذا اليوم من ذكرى الانتصار على النازية ، والتحرك مع كل شعوب العالم وقواه الديمقراطية لحماية القدس ومن أجل دحر الاحتلال وتحقيق حرية شعبنا واستقلاله الوطني وفق رؤية منظمة التحرير الفلسطينية ومسيرة كفاحنا الوطني وتحقيق ثوابت شعبنا وحقوقه الوطنية السياسية التي تشكل اجماعا وطنيا يحظى بمناصرة شعوب العالم .

فمن الدروس المستفادة من هذا الانتصار على النازية ومن الحرب العالمية الثانية ونتائجها إدراك حقيقة غير قابلة للنقاش ، وهي أن تحديد مصير العالم في المرحلة المعاصرة لتطور البشرية هي مسؤولية مشتركة ذات طابع عام لا يتجزأ . اليوم كل الشعوب تتحمل المسؤولية أمام جيل المستقبل للمحافظة على نظام دولي متعدد الاقطاب ومتوازن يقوم على إنهاء هيمنة السياسية الأمريكية وحلفاؤها ، ويقوم على أساس المبادئ والقيم التي وضعتها الشعوب المنتصرة في الحرب العالمية الثانية ضد النازية والتي من أهمها قيم ومبادئ الحرية والديمقراطية وحق الشعوب في تقرير مصيرها وفي اختيار مسار تطورها المستقل ، حيث من هنا تكمن مسؤولية شعوب العالم والشعوب الأوروبية على وجه الخصوص .

هنالك ضرورة اليوم لانهاء ظاهرة الحروب والحروب بالوكالة التي تقوم على حساب مصالح الشعوب ، هنالك ضرورة لدحر نشؤ ظواهر النازية الجديدة التي بدأت تطل برأسها من أجل حصار من انتصر على النازية سابقا ، وهنالك تكمن ايضا ضرورة العمل من أجل تعزيز الثقة المتبادلة بين الشعوب على قاعدة العدالة والمساواة بينها والبحث المشترك للآفاق المستقبلية للبشرية جمعاء التي يجب أن تكون أفضل من أجل حماية مصالح الشعوب والسلم الدولي ، وإنهاء استمرار دفع الشعوب ثمن المغامرات الأمريكية حول العالم وثمن هذا الاحتلال الإسرائيلي البشع الذي لا يمكن أن يستمر للأبد خاصة مع بروز ظواهر الازمات العميقة اليوم داخل المجتمع الإسرائيلي .

هذه القيم بالرغم من خروج بعض القوى عنها ومنها الولايات المتحدة الأمريكية التي خلقت سياسة الحروب اللاحقة والحروب بالوكالة باوجه مختلفة والتي تخوضها اليوم مع الناتو ضد وحدة روسيا وامنها القومي ، والتي ارتكبت الجرائم ضد شعوب مختلفة بعد نهاية الحرب الثانية العالمية في مناطق مختلفة من العالم ، وفي مساندة الحركة الصهيونية التي إدانتها الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل تراجعها لاحقا عن قرار مساوتها بالعنصرية لظروف المتغيرات الدولية والضغوطات الأمريكية في حينه وأسباب أخرى.

تلك القيم التي كان من المفترض أن تشكل الهيكل الأخلاقي والسياسي للنظام العالمي المعاصر التي ثُبتت في ميثاق منظمة الأمم المتحدة التي تشكلت كأحد النتائج المهمة للحرب العالمية الثانية، وفي تأسيس هذه المنظمة الدولية التي تدعوا لتوحيد جهود البشرية لضمان السلم والأمن الدوليين والتصدي للتهديدات الدولية وتتضمن جوابا نهائيا وأساسيا لكل الشعوب المحبة للسلام برفض آيديولوجيا النازية والفاشية وأي نظرية معادية للبشرية وقيم ومبادئ الانسانية .

إن ما تقوم به قوى اليمين الشعبوي بالولايات المتحدة ومؤسستها العميقة وبعض الدول الأوروبية اليوم وحلفائها وفي مقدمتهم دولة الاحتلال الاستيطاني إلاسرائيلي يستند الي الارتداد عن تلك النتائج والى مرتكزات فكرية تعبر عن روح نازية وفاشية جديدة تقوم على اسس العنصرية والتطرف القومي الديني والفوقية العرقية وفق مفاهيم مزعومة تساندها قوى صهيونية تسعى لما حاولت أن تسعى له قبل ٧٧ عاما النازية ألالمانية وحلفائها من موسيليني وفرانكو وغيرهم لاضطهاد الشعوب التي لا تنبع من عرقهم المزعوم .

فما زالت محاولات اضطهاد الشعوب بافكار متجددة وجرائم التطهير عرقي واستمرار فرض نكبة مستمرة على شعبنا الفلسطيني التي تحلُ علينا ذكرى بداياتها كجريمة ضد الانسانية قبل ٧٤ عاما بعد أيام قليلة في ١٥ أيار والتي هدفت الى تنفيذ مشروع استعماري عنصري على أرض نحن الفلسطينين اصحابها، أرض ليست لهم ، لم يأتي بها احد من هؤلاء المستوطنين من الدول التي تركوها في إطار مؤامرتهم مع النازية في حينه واستغلال اتباع الدين اليهودي وفقراء اليهود من أجل أهداف الحركة الصهيونية العالمية التي وصفها لينين قبل قرن من الزمن بالعنصرية ، تلك الحركة التي ساندتها قوى الاستعمار التي ابتدعت فكرة الوطن القومي لليهود الذين لا ينطبق عليهم "مفهوم شعب" وفق كافة المعايير منذ وعد بلفور وما قبل .

واليوم وبعد ٧٧ عاما تظهر قوى نازية جديدة تمارس سياسات إثارة بؤر النزاع في هذا العالم لمحاولات استمرار فرض وانقاذ النظام الاحادي القطب المتهاوي الذي لا يخدم مبادئ السلم والأمن الدوليين ، وتساهم هذه القوى وبعض الدول من خلال صمتها على جرائم الاحتلال بتشجيع استمرار ارتكابها وتعزيز مفهوم دولة الاحتلال كنظام فوق القانون الدولي كنظام عنصري معاصر .

أن عدم محاسبة وعقاب هذا النظام العنصري يكرس وجود معاير متفاوته تكال بأكثر من مكيال أمام المجتمع الدولي ومنها الاتحاد الأوروبي الذي يكتفي بالادانة اللفظية فقط ومحاولات مساواة الضحية بالجلاد في احيان كثيرة ، ما يتناقض اصلا مع اسس ومبادئ نشؤ الاتحاد الأوروبي نفسه والذي يحتفل بيوم أوروبا اليوم في ظل تباين مواقف سياسية للدول الأعضاء فيه ، بعدم قيامه بمحاسبة وعقاب دولة الاحتلال وفق المواثيق الأممية والقانون الدولي رغم افتتضاح امر جرائم دولة الاحتلال بالمنظمات الدولية والحقوقية ومن ضمنها منظمات يهودية .

أن هذه الدول لا تستطيع رغم ما ذكرته من استدامة تحمل عبئ الوقوف الى جانب هذا النظام العنصري الذي يشكل جوهر الاحتلال أمام شعوبها التي تناصر شعبنا ومبادئ الحرية ، رغم ان أوروبا تتحمل مسوؤلية عدم حل المسألة اليهودية بمجتمعاتها في بدايات القرن الماضي وساهمت بدفع وتشجيع الهجرة الاستيطانية إلى فلسطين ، وهذا ما دفع وزير خارجية روسيا قبل أيام لفضح جوهر الاحتلال الإسرائيلي الأطول بالتاريخ بعد الحرب العالمية ومهاجمة السياسات الإسرائيلية وربطها بتاريخ النازية بعد افتتضاح امر تعاونها مع النازيون الجدد في أوكرانيا.

ان الدروس والعبر المستفادة من الحرب العالمية الثانية التي كلفت شعوب الاتحاد السوفيتي السابق لوحده انذاك ما يقارب ٣٠ مليون انسان قاتلوا بايمان من أجل الدفاع عن الوطن ودحر النازية ، وكلفت البشرية ومنها الشعوب الأوروبية ومقاومتها الوطنية عموما ملايين اضافية من البشر ، تؤشر على ضرورة توقف هذه الحروب الصغيرة والكبيرة ضد شعوب الأرض ، وضرورة أن تتوقف حروب سلطة راس المال السياسي من خلال مجمعاتها العسكرية والمالية والليبرالية الجديدة المتوحشة من محاولات تكرار التاريخ أينما كان ومن انتاج أسلحة الدمار الشامل وإثارة بؤر التوتر على حساب قضايا الشعوب المقهورة .

على القوى الديمقراطية وقوى السلام بالعالم القيام بتعزيز تعاونها وتوسيع تحالفاتها ، وما يحدث اليوم في فرنسا من تحالف قوى اليسار الا محاولة جادة تندرج في هذا الاتجاه ، إلى جانب انتصارات لتحالفات شعبية تقدمية في أمريكيا اللاتينية وفوز حزب الشين فين في أيرلندا وفي غيرها. أن ذلك ضروري في محاربة أشكال التطرف والإرهاب النازي والفاشي الجديد وتعزيز منظمات السلم لمنع ممارسة الاضطهاد بحق شعوب أخرى والاعتداء على سيادة اراضيها والتدخل في شؤونها كما حدث في الباكستان مؤخرا الذي شابه الانقلاب المدعوم أمريكيا في أوكرانيا قبل ثماني سنوات وفي دول البلقان وانقلابات مماثلة بالعديد من الدول .

إن غدا لن يكون كما قبله في ظل بدايات انهيار احادية القطب واستئثارها ، وعلى شعوب الأرض ان تكافح من أجل انتصار قضايا الإنسانية وقيمها في هذا الكون من اجل بناء عالم جديد يكون افضل مما كان او مما هو عليه الآن ومن اجل دحر مُشعلي الحروب و أعداء الإنسانية، فمن دروس الانتصار على النازية بعد ٧٧ عاما ما يؤكد على عدم استطاعة اي قوة مهما بلغ جبروتها أن تقهر مصير َومصالح الشعوب وان الشعوب بما فيها شعبنا حتما لمنتصرة.

واكرر هنا ما قاله شاعرنا الراحل محمود درويش ؛

كل نهر ، وله نبع ومجرى وحياة ! يا صديقي! .. أرضنا ليست بعاقر ، كل أرض ، ولها ميلادها .. كل فجر وله موعد ثائر !.