الخميس: 18/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

‏ترميم جدار الفصل العنصري يحوّل الضفة إلى سجن كبير لا ثغرات فيه

نشر بتاريخ: 23/06/2022 ( آخر تحديث: 23/06/2022 الساعة: 22:09 )

الكاتب: ‏نادين روز علي



‏لا شك أن الاحتلال يغير من استراتيجياته في العمل بين الحين والآخر ، حسب الظروف ووفق رجال السياسة المتغييرين المتحكمين بالعسكر . وهم في حيرة من أمرهم بالتوفيق بين رغبتهم بالهدوء السياسي وكأن الاحتلال غير موجود ، وبين رغبتهم في ضرب كل أشكال المقاومة وبالذات منفذي العمليات وعناصر الفصائل المختلفة وخاصة والمبادرين غير المنظمين الذين ينفذون العمليات . وهذا ليس سراً بل هي حيرتهم خلال السنين الماضية ، وهم يغيرون تكتيكهم حسب الظروف وحسب التطورات الميدانية والسياسية .
‏لكن يبدو أن الأحداث الأخيرة أحدثت تغييراً جديداً يالنسبة لقضية جدار الفصل العنصري الذي يلف الضفة ويفصلها عن أراضي الداخل الفلسطيني . فقد كان الاحتلال قد ترك فجوة هنا وفجوة هناك ، وحفرة هنا وأسلاكاً مقطعة هناك وحتى أمتارا بل كيلومترات بدون جدار ، ربما عمداً أو " سوء إدارة " أو لهدف في نفس يعقوب ، فكان العمال الذين لا يملكون تصاريح الدخول ينفذون من هذه المناطق ويدخلون للعمل في المدن الاسرائيلية وورشات البناء والزراعة والصناعة وفي كل مكان يجدون به رزقهم . هناك من يقول أن هذه " الثغرات " كانت هي عامدة متعمدة ، والبعض يقول أنها كانت مجرد إهمال . والآن يتم إغلاق هذه الثغرات بالكامل ، وبشكل غير مسبوق ، بسبب الأحداث الأخيرة ، وهذا ما يمنع آلاف العمال الذين كانوا يدخلون منها من إمكانية الحصول على رزقهم من العمل في أراضي الداخل ، إلا إذا كانوا يملكون تصاريح الدخول . وليس هذا فحسب بل إن هذه الأماكن التي كنت " ثغرات " هي اليوم محروسة أو مراقبة بشكل دائم ولا تستطيع أن تفلت منها سحلية أو حتى ذبابة .
‏كما أن عمليات القبض على محاولات الدخول من هذه الأماكن أصبحت كثيرة جداً ولم تعد " قضاء واجب " كما في السابق !
‏طبعاً هناك تناقض وتضارب في المصالح بين أفراد أو فئات الشعب الواحد في هذه المسألة ، إلا أنه من الواضح أن المتضررين مباشرة ( عائلات العمال ومحتاجي العمل الذين لا يملكون التصاريح ) هم أكثر بكثير من المستفيدين من الوضع ( عناصر الفصائل وبعض السياسيين ) . أما بالنسبة للقضية الفلسطينية ومسألة الاحتلال ومقاومته فالآراء تتضارب .
‏من المعروف أن فئة العمال المتضررة هي الفئة التي لا يمكنها أن تحصل على تصاريح عمل ، وهؤلاء ينقسمون إلى قسمين : القسم الأول لهم " سوابق أمنية " لدى الاحتلال وهم مرفوضون رسمياً وكلياً من الحصول على تصاريح دخول وعمل ، والقسم الثاني هم العمال المعدومون الذين لا يستطيعون دفع نفقات الحصول على تصريح من " مقاولي التصاريح " الذين يحصدون أموالأ طائلة من هذا " البزنس " والتي تصل إلى 3000 آلاف شيكل أحياناً ! وهاتان الفئتان تمثلان عشرات آلف العائلات ، أي مئات آلاف من المواطنين .
‏يبدو أن الاحتلال عاقد العزم هذه المرة على إبقاء الجدار الأمني مغلقاً بشكل شديد الإحكام دون أية ثغرة ، فجميع الثغرات السابقة محروسة بإحكام ، كما أن جبش الاحتلال حصل على ميزانية خاصة من حكومته لترميم ثغرات الجدار ولبناء عشرات الكيلومترات الأخرى التي كانت تنقصة أو مهدومة جزئياً هنا وهناك ، وكل ذلك بعد عملية إلعاد التي تم تنفيذها بسبب ثغرات الجدار مما فضح فشل الجيش في الحفاظ على الجدار الأمني ومما أدى بالحكومة الاسرائيلية إلى تخصيص هذه الميزانية لمنع " تسرب " أي إنسان ليس له تصريح دخول لأراضي الداخل ، وهذا يجعل من الضفة سجناً كبيراً محصناً.
‏وتتجاهل الحكومة الاسرائيلية جميع الاتهامات التي توجه إليها من جمعيات لحقوق الانسان في داخلها وفي العالم باعتبار هذا الجدار جدار فصل عنصري وباعتبار أن مجرد وجوده هو جزء من نظام " أبرتهايد" ، وهي تفسر ذلك طبعاً باعتبار الجدار ضرورة أمنية عليا ولا نقاش عليه ، وهي تحرسه الآن أكثر من أي وقت مضى .
‏وعلى الرغم من حقيقة الدوافع الأمنية وراء إقامة إسرائيل لجدار الفصل العنصري، إلا أن جدار الفصل العنصري ترك أثاراً سلبية على الشعب والقضية الفلسطينية على كافة الأصعدة السياسية والبيئية والاجتماعية والاقتصادية .
‏ فهل الهدف من ذلك هو ضمان عدم دخول عمال بدون تصاريح بشكل كامل ، أم أن الهدف هو سياسي – جغرافي ديموغرافي ؟
‏من المعروف أن حكومة الاحتلال الحالية التي أصبحت بالفعل حكومة مؤقتة حتى الانتخابات ، رفضت ، كسابقتها ، التفاوض مع الفلسطينيين على أي شيء يتعلق بالحل النهائي للقضية الفلسطينية ، لذلك فهي تتعامل مع كل القضايا اليومية الأمنية أو الاقتصادية أو الجغرافية أو الإدارية كقضايا مؤقتة وكأوضاع مؤقته ، ومنها قضية جدار الفصل العنصري وقضايا العمال الفلسطينيين والاجراءات الأمنية . ولكن فيما يتعلق بالأمن لا توجد حلول مؤقتة وهو بالنسبة لهم " بقرة مقدسة " لا يمكن المس بها، لذلك فهم لا يكترثون للعواقب الاقتصادية أو الانسانية أو الاجتماعية المترتبة على الإغلاق المحكم للجدار .