الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

العملية التشريعية 2.. الصلاحية التشريعية لمجلس القضاء الأعلى

نشر بتاريخ: 06/08/2022 ( آخر تحديث: 06/08/2022 الساعة: 18:55 )

الكاتب: المستشار خليل قراجه الرفاعي




يدور في فلك المشتغلين بالقانون في هذه الأيام نقاش قانوني عميق حول مجموعة من القرارات بقانون، والتي كان لها وقع مختلف عن كثير منها .
وينشغل المدافعون عن هذه التعديلات بأنها تستجيب لمتطلبات وظيفية تعالج إشكاليات يواجهونها في حياتهم العملية، بينما انبرى المطالبون بإلغائها أو تعديلها بالتركيز على دستورية هذه النصوص وأثرها على جموع المطبق عليهم النص.
ولعل الحديث في هذا الشأن له أوجه متعددة، ولكن ما أحاول تسليط الضوء عليه تحديدا أمرين: الأول أهمية العملية التشاورية لإعداد وتعديل التشريعات، والثانية التخصص القانوني فيما يتعلق بالجهات المناط بها اقتراح وتنسيب التشريعات، والمقصود هنا بتعبير "التشريعات" القوانين والأنظمة واللوائح.
وفي البداية من الأهمية بمكان بيان أن نقاش ومخاصمة هذه القرارات بقانون لا يعني أو يرمي إلى مخاصمة سياسية لمصدرها؛ بل ينصبّ الاعتراض على المضمون الدستوري والموضوعي، إلا من كان له رأي مسبق بذلك وإني على خلافه.
ولا بد من الإشارة في هذا المقام إلى أن العملية التشريعية وآلية إعداد التشريعات تختلف عن العملية القضائية ، ولا يكاد يختلف إثنان على معنى وأهمية مبدأ الفصل بين السلطات، مع التركيز أن المقصود هنا هو الفصل المرن بين السلطات لا الانعزال والأنفصال .
وهنا من المهم الأخذ بعين الاعتبار أن واضع التشريع يُعنى بدراسة الأثر المترتب على هذا التشريع من كافة جوانبه، بما في ذلك التكلفة التي تنتج عن كل نص فيه، والقدرة على التنفيذ والتطبيق وآليات هذا التطبيق، فيما يصدر القاضي قراره تطبيقاً للنص القانوني دون الالتفات إلى جميع ذلك، كما أن الأساس الذي ينبني عليه قرار القاضي هو الأساس الذي قام عليه التشريع، وبالتالي إذا كان البناء القانوني للنص القانوني مهلهلاً كان حكم القاضي حطاما، وإن كان البناء القانوني متيناً؛ فإن حكم القاضي سيكون صلباً في صلب الإجابة والمعالجة. ولضمان عملية تشريعية تخلو - قدر الإمكان - من الأخطاء، لا بد من إيجاد عملية تشاورية واسعة تشمل كل من له صلة بالتشريع بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وهذه فلسفة قيام ممثلي الشعب من خلال المجلس التشريعي المنتخب بإصدار التشريعات، وفي ظل غياب المجلس التشريعي من المفترض أن تكون عملية التشاور بإعداد التشريعات أكثر اتساعا وشمولية .
وأما الجانب الآخر الذي أرغب البحث فيه، هو فيما إذا كان لمجلس القضاء الأعلى الموقر سلطة أو صلاحية أو مسؤولية باقتراح أو تنسيب القوانين والتشريعات، وبداية أنطلق من قاعدة مفادها بأنه يقع باطلا كل تشريع استند إلى تنسيب أو اقتراح مجلس القضاء الأعلى الموقر وهذا بدلالة نص المادة ( 100) من القانون الأساسي الفلسطيني الذي جاء فيه:
"ينشأ مجلس أعلى للقضاء ويبين القانون طريقة تشكيله واختصاصاته وقواعد سير العمل فيه، ويؤخذ رأيه في مشروعات القوانين التي تنظم أي شأن من شؤون السلطة القضائية بما في ذلك النيابة العامة".
ولا يجوز التوسع بتفسير عبارة " ويؤخذ رأيه" إلى الحد الذي يمكن معه الوصول إلى اقتراح وتنسيب التشريعات من قبل مجلس القضاء الأعلى، ذلك أن المشرع حدد دور مجلس القضاء الأعلى في سياق العملية التشريعية بإبداء الرأي فقط ليس أكثر .
وما يعزز هذا القول ما جاء في أحد محاضر اجتماعات مجلس القضاء الأعلى في عام 2012 م التأكيد على "عدم جواز قيام المجلس بتقديم اقتراح بقانون او نظام او لائحة " ( يمكن للمهتم مراجعة ذلك ) . والعلة من ذلك عدم وضع القضاء خصما أو طرفا في النقاش والجدل والخصومة لينأى بنفسه بحكم وظيفته في الدولة ليكون حكما لا خصما ولا طرفا .
ومن الواضح أن المشرع الذي بين هذا النص المرقوم أعلاه كان قد أدرك قيمة احتجاب القضاء عن المنازعات والجدل. فلا جدل لحاكم.
بناءً على ما تقدم ذكره نرى أن مجلس القضاء الموقر قد جاوز الدور والصلاحيات المنوطه به، وتعدى ذلك الى تنسيب تعديلات على قوانين أساسيه تتعلق بالقضاء، متجاوزاً دور الحكومه في التنسيب ودور الجهات ذات العلاقه في المشاورات.
إن مفهوم حصانة القاضي والقضاء تبدأ بصرفه عن كل أشكال أعمال الدولة إلا في دائرة التقاضي، وقد حظر القضاة الأكابر على أنفسهم حتى الحياة الاجتماعية التي يعيشها المحامي والمستشار والحقوقي وأغلق على نفسه أبوابا ليعيش في جلباب القضاء الرحب بما وسع وضاق.
فقد أنكر النص بكلمات محددة وواضحة وجلية حق المجلس بالاقتراح والتنسيب، مبينا أن هذا ليس شأنا قضائيا لا حق له فيه بل هو حماية له من الوقوع في الخصومة والجدل. فهو أرفع شأنا من ذلك.
وإذا أنكر القانون الأساسي على المجلس اقتراح التشريعات استنادا إلى الرجوع إلى أصل فلسفة الفصل بين السلطات للمساعدة على الفصل بين الصلاحيات ومنع تضارب المصالح، إذ لا يعقل أن يكون المشرع والمنفذ والمطبق للتشريع هي جهة واحدة وإن فعلنا فإننا بذلك نلغي صفة تعدد السلطات والمسؤوليات وانتقلنا من النظام الديمقراطي إلى النظام الشمولي.
إلا إنني أحث وأدعو السادة القضاة على معالجة التشريعات لتستجيب للعدالة. إذ أرى من الوجوب والحكمة قيام القاضي بطلب تعديل مادة أو نص وفق ما يراه من أحداث وما يصدر من أحكام تستوجب إعادة النظر في نص قانوني، ويأتي بيانه هذا في قرار حكمه، وقد عالج كبار القضاة المصريين نصوصا قانونية من خلال ديباجة الأحكام القضائية.
أشير اخيرا إلى أن المقال السابق تعرض لدليلين أقرتهما الحكومه وهما: الدليل الشامل للصياغه التشريعيه ودليل المشاورات العامه… وقد قمت بقيادة فريقي عمل لانجازهما عام 2013م. بالشراكة مع عدد من المؤسسات والأشخاص ذوي الكفاءة والقدرة لتقديم عملية تشريعية تليق بشعب فلسطين وتضحياته.