الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

العالم يقف على اعتاب انهيار العولمة (اللاعولمة-Deglobalization)!

نشر بتاريخ: 27/09/2022 ( آخر تحديث: 27/09/2022 الساعة: 19:52 )

الكاتب: د. محمد صلاح

على مدى خمس عقود, لم تتلاشى الخلافات حول مصير العولمة في العالم, في الثمانينات و التسعينيات و حتى بدايات الالفية الثانية, كان السؤال في قلب النقاش: هل العولمة جيدة ام سيئة؟ كان انصار " العولمة السعيدة" متفائيلين بشان المستقبل, كان يعتقد بشكل عام انه في العالم سيكون هناك تقارب بين الشعوب و البلدان و انه سيتم تشكيل نموذج عالمي اقتصادي.

مع مرور الوقت اصبح من الواضح ان " العولمة السعيدة " كانت حلما لم يتحقق, عندما كتب العالم جوزيف ستيجلز الحاصل على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية في كتابه " خيبات العولمة" ان العولمة لم تفيد كثيرا العالم, كان يشير في كتابه الى البلدان النامية و الاشتراكية السابقة. كما كتب الباحثان " برانكو ميلانوفيتش, توماس بيكيتي" عن تزايد عدم المساواة الاجتماعية في العالم و التغيرات في سوق العمل و الاشكال الجديدة للتوظيف " البروليتاريا" .

في القرن الحادي و العشرين اصبح من الواضح ان العولمة ليست عملية خطية, ولكنها عملية متموجة, يناقش الخبراء بشكل متزايد عن القضايا المتعلقة بتراجع العولمة ومكافحة العولمة! ويتسائل السياسيون و المحللون : هل يجب ان نستمر في طريق العولمة؟

ادت الازمة الاقتصادية العالمية 2008-2009 الى زيادة المشاعر السلبية تجاه العولمة في العالم و بالاخص في القارة العجوز, ذكر الخبير الاقتصادي " جاك سابير" " خلال 20- 30 سنة القادمة سنشهد ضعف العولمة, مثل انحسار البحر عند انخفاض المد". و مع ذلك , انتهت فترة حسن الجوار العالمي الوهمي بعد الازمة العالمية و تبعاتها, و جاءت مرحلة تراجع العولمة في تاريخ الاقتصاد العالمي. تم استبدال معدلات النمو الاقتصادي المرتفعة, التي بدت و كانها اتية الى الابد ببيئة اقل ملائمة, مما اجبر بعض الدول على تركيز جهودها و مواردها على استعادة الاقتصادات الوطنية و دعم الاعمال التجارية المحلية. تم استخدام اساليب مختلفة للسياسة الحمائية (Protectionism): من زيادة الرسوم الجمركية و اعاقة وسائل التنقل بين البلدان, و ادخال نظام العقوبات.

العولمة تعيش رمقها الاخير!

يتم توزيع الاحداث التي تشكل نسيج الاحتجاجات طد العولمة على مدى فترة زمنية طويلة الى حد ما. و الدليل على ذلك الشلل الذي اصاب منظمة التجارة العالمية و اخفاق جولة الدوحة في اوائل عام 2010.

اذا نظرت الى الفترة من 2016 الى 2018 , فلدينا خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي الذي هز مبنى الاتحاد الاوروبي من اساسه, و انتخاب دونالد تراب الذي انها وجود اتفاقيات منطقة التجارة الحرة, على سبيل المثال:" الشراكة التجارية و الاستثمارية العابرة للاطلسي". فهكذا فان عملية تقليص العولمة تكتسب زخما لعدة سنوات.

لقد اصبح التوتر السياسي المتزايد في العالم ليس فقط ذريعة مناسبة لحماية اقتصادات الدول من المنافسين الاجانب و حسب, بل اصبح دافعا لزيادة استقلاليت الاقتصادات, حيث بعض الدول تستخدم الانفوذ الاقتصادي للضغط على المعارضين السياسين " احدث مثال هو ما يحدث حاليا بين روسيا و القارة العجوز" وافضل طريقة لوقف المعاناة من وقف استيراد السلع و التقنيات, هي الحصول على مصادر التوريد الخاصة, و نتيجة لذلك لم يكن نمو الاقتصاد العالمي في الفترة الاخيرة مرتبط بالعولمة, ولكن بمصادر النمو الداخلية.

في السواق المالية العالمية, اتخذ تراجع العولمة اشكالا اكثر حدة, على المدى القصير يمكن ان يسبب تبادل العقوبات بضرر اكبر في القطاع المالي " تجميد او مصادرة الاصول الاجنبية, كما حدث مع الفروع الاوكرانية للشركات و المصارف الروسية" , لذلك اهتم المستثميرين من خلال سعيهم لتقليل المخاطر السياسية بالتوجه للاسواق بلادهم.

ساهم الدور المتنامي للدولة في الاقتصاد أيضا في تراجع العولمة المالية- في سياق الاستخدام الواسع النطاق للرافعات المالية لدعم الاقتصاد. أخيرا , أصبح الانحياز إلى المنزل (نمو الاستثمار في الاقتصاد المحلي) في مواجهة زيادة عدم اليقين في الاقتصاد العالمي أكثر أهمية أيضا. لذلك يجب اعتبار انهيار العولمة او اللاعولمة هي عملية استعادة الدولة لسيادة و انتهاء اقتصاد السوق.