الأربعاء: 24/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

التوك توك في البلدة القديمة

نشر بتاريخ: 26/11/2022 ( آخر تحديث: 26/11/2022 الساعة: 13:34 )

الكاتب: هبه بيضون

هذا الاستعمار الكولونيالي الاستيطاني الأبرتهايدي لا يتوانى عن ابتلاع حقوق السكان الأصليين الإنسانية قبل الحقوقية في القدس، ويقوم بالتضييق عليهم اقتصادياً بشتى الوسائل، آملاً منهم أن يضيقوا ذرعاً ويستسلموا ويغادروا القدس العاصمة المحتلة ليتركوها للمستوطنين المستعمرين المحتلين المغتصبين.

لقد فشل الاحتلال في إخضاع المقدسيين ودفعهم إلى مغادرة القدس، على الرغم من الانتهاكات المستمرة التي ترتكب بحقهم، والجرائم التي تفوق التصور، ومهما أبدع في أذيتهم وهضم حقوقهم، واتّباع كل ما يمكن لتطفيشهم من منازلهم ومن وطنهم، وتضييق الخناق عليهم، حيث وضع الكاميرات والبوابات الإلكترونية لتفتيشهم وإذلالهم، وحاول منعهم من دخول المسجد الأقصى، وحاول استفزازهم بحماية المستوطنين والمتطرفين الذين يقومون باقتحام الأقصى، وممارسة طقوس تلمودية مستفزة، وتدنيسه أمام أعينهم، دون مراعاة لحرمة المسجد ولا لأيّ حرمة، وحاول اعتقال شبابهم والتحرش بفتياتهم وإهانة عجائزهم بضربهم وسحلهم أمام المارة، كما فرض قيوداً على قيامهم ببناء بيوت لهم أو توسيع بيوتهم القائمة من خلال عدم إعطائهم تراخيص بناء، وهدم منازلهم القائمة، وإغلاق بيوتهم بحجة عدم الترخيص، واستولى الاحتلال عليها من خلال السماسرة والمستوطنين، ناهيك عن سحب هويات المقدسيين، وعدم تقديم خدمات البنى التحتية في القدس، وغيرها الكثير من الممارسات ضد المقدسيين لا مجال لذكرها جميعها هنا، وعلى الرغم من كل هذا، إلّا أنّ المقدسيين صامدون، وقد قاوموا وانتصروا بإرادة من حديد في عدة معارك مع قوات الاحتلال، كمعركة البوابات الإلكترونية التي أفشل الفلسطينيون مخططها وفرضوا على الاحتلال إزالتها، ومعركة باب الرحمة، حين تمكن المقدسيون من فتحه بعد إغلاقه بالسلاسل من قبل الاحتلال عام 2019.

بعد فشل الاحتلال في محاولات عديدة لإخراج المقدسيين عن طورهم، وبعد صمود أسطوري متسلسل للمقدسيين أمام كل الانتهاكات بحق البشر والمكان، أصبحت سلطات الاحتلال تبحث عن طرق جديدة تفرضها عليهم باسم القانون، رغم أنّ إسرائيل لا تلتزم بقانون، لتضرب المقدسيين في أرزاقهم، حيث فرضت سلطات الاحتلال قبل عدة أيام قيوداً على حركة مركبة الـ(توك توك) في البلدة القديمة من القدس، والتوك توك لمن لا يعرفه، هو وسيلة تنقل بدائية بسيطة صغيرة الحجم تشبه الدراجة، يمكنها السير في أزقة البلدة القديمة الضيقة، ومنع الاحتلال حركة التوك توك في البلدة القديمة من الساعة 10 صباحاً إلى الساعة 5 مساء يومياً. والجدير ذكره أنه سبق وأن منعت قوات الاحتلال منذ زمن حركة العربات التي كانت تجرها الخيول والحمير، تذرعاً بأنها تسبب الضوضاء وحفاظاً على البيئة، وها هي الآن تمنع كل ما يستخدم لتسهيل حركة الإنسان والبضائع في البلدة القديمة.

لم يأت هذا الإجراء عبثياً، ولم يأت تحديد توقيت المنع من فراغ، فسلطات الاحتلال تعي جيداً أهمية التوك توك في القدس القديمة، وتعي جيداً أنّ هذه الفترة الزمنية التي حظروا فيها الحركة هي وقت الذروة بالنسبة للتجار المقدسيين، حيث أنّ هذه الوسيلة الصغيرة للنقل تلعب دوراً كبيراً في نقل البضائع وإيصالها إلى محلات البلدة القديمة خلال فترة المنع، لذلك فإنّ الهدف من هذا المنع هو إعاقة عمل التجار، وعدم تمكينهم من استلام البضائع التي يعتاشون من بيعها، كما أنّ قوات الاحتلال تعلم جيداً أنّ التوك توك هو وسيلة لنقل السياح الذين يجوبون من خلاله ويتجولون في البلدة القديمة، كما أنه وسيلة نقل لكبار السن الذين لا تسعفهم صحتهم بالمشي لمسافات في أسواق البلدة القديمة، وكذلك لذوي الاحتياجات الخاصة، لذا فهم يعلمون جيداً ماذا يفعلون، ويعلمون جيداً أنّ هذا سيؤثر سلبياً، إن لم يكن سيشل الحركة في البلدة القديمة، وبالتالي سيؤثر على التجار ويكبدهم خسائرمالية كبيرة، كما أنّه قطع لمورد رزق هام للكثير من أبناء البلدة القديمة، وهي السياحة، حيث يسترزق من يمتلك التوك توك من خدمة نقل السياح ، وهناك محلات الأنتيكا في البلدة القديمة التي تعتمد في مبيعاتها على السياح بالدرجة الأولى، مما سيضعف هذه الحركة التجارية، خاصة أنّ نسبة لا بأس بها من السياح هم من كبار السن ومن المتقاعدين.

يأتي هذا المنع الجائر كنوع من فرض السيطرة، ليس فقط على المكان، وإنما على حركة السكان الأصليين، والتحكم بأرزاقهم لتثبيت رسالة أنّ الاحتلال هو من يسيطر على القدس، فهو لا يفهم، أو يتجاهل، أنّ ممارساته التضييقية الخانقة على أهل القدس لا تزيدهم إلّا مزيداً من التحدّي، وتعزّز إرادتهم وتقوي صمودهم، كما أنّ هذه الممارسات تبرز التكافل الاجتماعي بين سكان القدس عامة، وأولئك الذين هم في البلدة القديمة خاصة، فالشباب سيساعدون التجار في نقل البضائع، وهم قادرون على ابتكار طرق متعدّدة من أجل القيام بذلك بصورة منظمة وبأقل جهد، كما أنّ قدرة التحمل عند المقدسي كبيرة، حتى لو تأثر التجار بجميع فئاتهم وقلّ رزقهم.

وإذا فكرنا ببديل عملي ليحل محل التوك توك، فهناك العربات الكهربائية التي يمكن استخدامها، ولكنها – كما علمت - باهظة الثمن، وقد لا يستطيع التجار المقدسيون تحمل هذا العبء في ظل الضرائب الباهظة المفروضة عليهم، والتي تزيد من الأعباء التي يتحملونها، ومن هنا لا بد من تقديم الدعم المالي واللوجستي للمقدسيين من قبل الدول، ومن قبل الأفراد المقتدرين، لتعزيزصمودهم وتخفيف قيود الاحتلال عليهم، وتعويضهم ولو جزء يسير من خساراتهم الناجمة عن هذه القيود، ولكن السؤال هو: لو توفرت هذه العربات الكهربائية، هل سيتركها الاحتلال تسير في شوارع البلدة القديمة دون عوائق؟ ومن يضمن ألّا يتم فرض ذات القيود التي فرضت على استخدام التوك توك؟